حملات قمعٍ ومداهمات واعتقالات، فضلاً عن مواجهات مع شبان ناقمين على سوء أحوالهم المعيشية. ولم تكن تلك الاحتجاجات الأولى من نوعها، إذ سبقتها أحداث في المجمَّع المنجمي في قفسة قبل عامَين، ثم اضطرابات في الموناستيل وجندوبة وبن قردان الحدودية.ورغم اختلاف الظروف، إلاّ أن هذه المناطق أطلقت إنذاراً واحداً إلى السلطات، مفاده أن ثمة مشكلة أو بالأحرى خطأً فادحاً ارتكِب في توجهات التنمية وخياراتها، وفي خططها التي يبدو واضحاً اليوم أنها أهملت ما تسميه مناطق الظل، حيث تقل الموارد وتتقلص فرص العمل ويكثر العاطلون عن العمل، لا سيما من حملة الشهادات العليا.
كانت أحداث سيدي بو زيد بدأت عندما أقدم الشاب الجامعي محمد بوعزيزي على إحراق نفسه احتجاجاً على إجراءات إدارية تمنعه من كسب عيشه ببيع الخضار والفواكه على عربة متنقلة. ثم تفاقمت مع إقدام شابٍ جامعي آخر على الانتحار علناً مصعوقاً بالسلك الكهربائي.
وبعدما عمّت مختلف بلدات المحافظة، امتدت الأحداث جنوباً ثم شمالاً لتبلغ تونس العاصمة. واللافت فيها أنها لم تنطو على مطالب سياسية تتعلق بالحريات مثلاً رغم وضعها السيئ في تونس، ولا جاءت على شكل عصيان مدني، وإنما كانت تعبيراً عن نقمة اجتماعية كان لا بد لها أن تنفجر في أي وقت.
وسبب هذه النقمة أن السياسة التنموية الناجحة جداً على الشريط الساحلي نفذتها الدولة والقطاع الخاص على حساب مناطق الداخل التي عانت تهميشاً وتمييزاً وتوزيعاً غير عادل للثروة. فكانت النتيجة أن الاقتصاد التونسي أنجز واجهة وردية يُشهَد لها عالمياً، لكنه أخفى فشلاً ذريعاً في مناطق واسعة محرومة يعيش أهلها أوضاعاً مزرية.
مع افتضاح خلفية هذه الصورة، تبدي السلطات الآن شيئاً من الصحوة إذ تطرح مشاريع تنموية جديدة وحوافز لحملة الشهادات العليا.
لكن هذه الخطوة المتأخرة تتطلب خصوصاً التزاماً من الدولة بإعطاء مناطق الداخل أولوية عاجلة وبالشروع في خطة تنموية شاملة.