دعوة للخروج إلى الشارع    رفض وجود جمعيات مرتهنة لقوى خارجية ...قيس سعيّد : سيادة تونس خط أحمر    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    مع الشروق .. نسبة نمو إيجابية.. لكن دون المأمول..    جندوبة.. 6 إصابات خطيرة في حادث تصادم بين ثلاث سيارات    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    دغفوس: متحوّر "فليرت" لا يمثل خطورة    توقيع إتفاقية قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسّسة بنكية محلية لفائدة تمويل ميزانية الدولة لسنة 2024    استكمال الأشغال الخاصّة بتعلية سد بوهرتمة دعما لقدرته    العدل الدولية تنظر في إجراءات إضافية ضد إسرائيل بطلب من جنوب أفريقيا    كاس تونس - تعيينات حكام مباريات الدور ثمن النهائي    الترفيع في عدد الجماهير المسموح لها بحضور مباراة الترجي والاهلي الى 34 الف مشجعا    فيفا يدرس السماح بإقامة مباريات البطولات المحلية في الخارج    مباراة الترجي والاهلي.. وزارة الداخلية تتخذ اجراءات خاصة    الناطق باسم وزارة الداخلية: "سيتم تتبع كل من يقدم مغالطات حول عمل الوحدات الأمنية في ملف المحامي مهدي زقروبة"    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    تفكيك شبكة في صفاقس، تقوم ببيع محركات بحرية لمنظمي عمليات الإبحار خلسة    طقس الليلة    تأمين الامتحانات الوطنيّة محور جلسة عمل بين وزيري الداخلية والتربية    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس وسلطنة عمان في مجال التنمية الاجتماعية    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    انتاج الكهرباء في تونس ينخفض بنسبة 5 بالمائة مع موفى مارس 2024    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    إذا لم تكن سعيداً فلا تأتِ إلى العمل : شركة تمنح موظفيها ''إجازة تعاسة ''    106 أيام توريد..مخزون تونس من العملة الصعبة    خبير في الإقتصاد : الكفاءات التونسية قادرة على تلبية احتياجاتنا من الطاقات المتجددة    اليوم : انطلاق الاختبارات التطبيقية للدورة الرئيسية لتلاميذ الباكالوريا    ناجي الجويني يكشف عن التركيبة الجديدة للإدارة الوطنية للتحكيم    نادي السد القطري يعلن رحيل "بغداد بونجاح" عن صفوف الفريق    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    السجن 8 أشهر ل 50 مهاجرا غير نظامي    المعهد الوطني للإحصاء: انخفاض نسبة البطالة إلى حدود 16,2 بالمائة    قيس سعيد يُؤكّد القبض على محام بتهمة المشاركة في وفاق إرهابي وتبييض أموال    عاجل : جماهيرالترجي تعطل حركة المرور    التمويلات الأجنبية المتدفقة على عدد من الجمعيات التونسية ناهزت 316ر2 مليار دينار ما بين 2011 و 2023    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    رئيس الجمهورية يبحث مع رئيس الحكومة سير العمل الحكومي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    حزب الله يستهدف فرقة الجولان بأكثر من 60 صاروخ كاتيوشا    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    محمد بوحوش يكتب...أدب الاعتراف؟    الخُطوط التُونسية في ليبيا تتكبد خسائر وتوقف رحلاتها.    إصدارات.. الإلحاد في الفكر العربي الإسلامي: نبش في تاريخية التكفير    زلزال بقوة 5.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    بطولة اسبانيا : أتليتيكو يهزم خيتافي ويحسم التأهل لرابطة الأبطال الاوروبية    من آبل.. ميزات جديدة تسهل استخدام أيفون وآيباد    استشهاد 3 فلسطينيين بنيران جيش الاحتلال في الضفة الغربية    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا ارتباط ضروري بين العلمانية والديمقراطية.. والعلمانيات استبدادية وديمقراطية
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 03 - 2011

لا أحب كثيرا الخوض في الصراعات ذات البعد الايديولوجي، لأن ثورتنا ما زالت تتعرض لتهديدات خطيرة من الداخل والخارج، ما يجعل أولوية العمل في المرحلة الراهنة أولوية سياسية واجتماعية بالأساس، ترمي لتثبيت منجزات الثورة، قبل الخوض في الجدالات الايديولوجية.
لكن البعض يصر على جرنا لتلك الجدالات جرا. وحتى لا يظن البعض أن تونس مهددة بحرب أهلية إن لم تتبن العلمانية، وأن العلمانية هي المنهج الوحيد القادر على حماية المجتمع من الصراعات، بزعم أن العلمانية ديمقراطية بطبعها، وفيها يتم الاعتراف بحق الجميع متدينين وغير متدينين في الوجود، وأن العلمانية لا تعني استبعاد الدين من الحياة، وإنما تعمل على تجنيبه التلوث بأوساخ السياسة.. لهؤلاء ولغيرهم أقدم هذه الملاحظات:
جاء في قاموس أكسفورد، وهو الآن بين يدي، في طبعة صغيرة ومختصرة، وهي بتاريخ 2006، في مطبعة oxford university press جاء في الصفحة 692 ما يلي:
secular: not concerned with religion or the church
ولم يرد في هذا الباب سوى هذاا التعريف، باعتبار الطبعة مختصرة وغير متخصصة. فأخذت التعريف الأشهر والأكثر اختصارا ورواجا للعلمانية.

أما قاموس المورد لصاحبه منير البعلبكي اللغوي والأديب اللبناني الكبير فقد جاء فيه في طبعة العام 1993، وهو الآن بين يدي أيضا، في صفحة 827 ما يلي:
secularism: الدنيوية: عدم المبالاة بالدين أو بالاعتبارات الدينية.
secularity: 1) شيء دنيوي
2)الصفة الدنيوية او المدنية.
secularize: 1) يندوي: يجعله دنيويا
2) يعلمن: ينزع عنه الصفة او السيطرة الاكليركية.
3) يشبع بالنزعة الدنيوية..

واضح من هذه التعريفات وتعريفات غيرها كثيرة أن العلمانية موقف من الدين وموقعه في الحياة بالأساس. وواضح أيضا أن لا علاقة تلازمية بين العلمانية والديمقراطية، فيمكن أن تكون علمانيا ديمقراطيا، كما يمكن أن تكون علمانيا استبداديا. فهذه التعريفات تدخل ضمن العلمانية كل نزعة دنيوية لا تبالي بالدين أو بالاعتبارات الدينية، ومن ثم فالعلمانية هي الحركة الاجتماعية والسياسية التي عرفتها أوروبا خلال القرون الأخيرة، التي تبعد الدين عن الشأن السياسي، وتهتم بالأمور الدنيوية بالأساس، ولا تدخل الديمقراطية في تعريفها.
هذا يعني أن الماركسية التي انتقدت الدين مثلما انتقدت الديمقراطية الليبرالية الغربية هي في صميم العلمانية، بل لعلها الأوفى للعلمانية، باعتبار الماركسية تستبعد الدين وتحتقره وتجعل منه أفيونا للشعوب، يتوجب إبعاده عن السياسة والدولة، بل جعلت الدولة في التجربة السوفياتية خاصة حربا عليه.
وتدخل ضمن العلمانية بهذا التعريف أيضا الفاشية والنازية والبولبوتية.. الخ، وكل التجارب السياسية المشهورة، بنزعاتها المعادية للدين أو المحايدة تجاهه، مثلما تدخل فيها تجارب الديمقراطية الغربية.
ومن هنا فلا يصلح الاحتجاج بالعلمانية باعتبارها صمام الأمان لتونس، لحماية الناس من الصراعات والعنف والتقاتل الديني. فالتونسيون كلهم على دين واحد هو الإسلام، وعلى مذهب واحد هو المذهب المالكي. وهناك أقلية مجهرية يهودية أو مسيحية، عاشت طيلة عمرها محترمة مبجلة في تونس في مختلف عهودها الإسلامية.
كان العرب قبل الإسلام قبائل لا قيمة لهم على المسرح الإقليمي والعالمي، وجاء الإسلام ليقذف بهم في مغامرة تاريخية عظمى، بمصطلح المؤرخ التونسي الشهير هشام جعيط. ومن هنا فالإسلام هو الذي صنع الأمة وشكل لحمها وعظمها، وصاغ روحها وتفاصيل كيانها، ولم يكن له ذلك لولا الاقتران المتلازم الذي ما انفك ولا ينفك بين الدين والدولة، فالدين هو الذي أقام الدولة وصاغ الأمة.
هذا التاريخ وتلك الخبرة التاريخية والدينية هي التي حكمت وتحكم فهم المسلمين لدينهم، وعصمتهم من أن يتم ابتلاعهم وتذويبهم في المنتظم الفكري والثقافي الغربي، الذي هيمن على الكرة الأرضية في القرون الثلاثة الأخيرة، ونجح في علمنة سائر الأديان، ووقف عاجزا عن فعل ذلك مع الإسلام، الذي جاء ليقود الحياة، لا ليكون مجرد تفصيل من تفصيلاتها الصغيرة.
أما في المسيحية فقد استولت الامبراطورية البيزنطية على الدين وشوهته وتلاعبت به، وجعلته حليفا لها في السيطرة على الناس، وهو ما جاءت الحداثة الغربية لتتمرد عليه وتقصيه عن الحياة.. حتى كان من بين شعارات الثورة الفرنسية "شنق آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس"، بسبب ما نشأ من تحالف بين الملكية والإقطاع من ناحية والكنيسة من ناحية أخرى، وجعل المسيحية في القرون الوسطى الغربية أفيونا حقيقيا يخدر الشعوب، ويجعلها سهلة الانقياد للملكية والإقطاع الأوروبي.
ذلك هو بعض تاريخ العلمانية، التي قال أستاذي الراحل محمد عابد الجابري رحمه الله، بضرورة استبدالها في العالم العربي الإسلامي بالديمقراطية، باعتبار تاريخها المشبع باستبعاد الدين وإقصائه عن الحياة العامة، وهو ما يتناقض تناقضا كليا مع ثقافة منطقتنا المشبعة بالدين، والمرتوية به إلى حد التضلع.
فالثقافة العربية الإسلامية لا ترى الأمة إلا والإسلام هو ما يجمع شتاتها ويوحد متفرقها، ومن ثم يلعب دورا سياسيا محوريا في تشكيلها وحماية وحدتها، المعنوية الآن، بعد تشتيتها عبر سايكس بيكو. وهذا هو مصدر نكبة العلمانيين العرب، فهم لا يحاربون التيار الإسلامي بل ثقافة الأمر بأسرها. واختيار أستاذي المرحوم للديمقرطية بدلا من العلمانية اختيار صائب، لأنه يجعل من الديمقراطية خيارا منتجا وبناء، بوسعها أن تدمج ضمن ثقافة المنطقة وتضيف إليها ما ينقصها. أما العلمانية فلا تضيف للمنطقة سوى صراعات وهمية تضر ولا تنفع..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.