اعتبرت صحف سويسرية صادرة يوم الإثنين 21 مارس، أن عمليات القصف التي تقوم بها قوات التحالف ضد القوات التابعة للقذافي، مبرَّرةٌ من أجل حماية السكان المدنيين ولدعم موجة الثورات في البلدان الإسلامية. لكن العديد من المعلِّقين يُبدي تشاؤمه بالنتيجة النهائية التي ستتمخّض عنها هذه العمليات العسكرية.صحيفة تاغس انتسايغر (تصدر بالألمانية في زيورخ)، لاحظت أنه "بعد 8 أعوام من دخول القوات الدولية إلى العراق وبعد 10 أعوام من التدخل في أفغانستان، أصدر رئيس أمريكي أوامره بشنّ هجوم جديد على بلد إسلامي"، لكنها استدرَكت مُشيرة إلى أنه - على خلاف ما حدث مع جورج بوش - يُمكن لباراك أوباما أن يعتمد "على تحالُف حقيقي يشمل الجامعة العربية وعلى قرار واضح من الأممالمتحدة".
وطِبقا لنفس الصحيفة، فإن الولاياتالمتحدة هي التي تقود العملية ضد ليبيا فِعليا، بالرغم من أن واشنطن مستمِرة في التصريح بأن مقود التسيير يوجد بين يدَي الحلفاء. وفي هذا الصدد، تقول تاغس أنتسايغر "إن الصواريخ الموجّهة ضد معمر القذافي ومنشآته العسكرية، لم تنطلِق من ترسانة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، بل من البوارج والغواصات الأمريكية".
في السياق نفسه، تضيف الصحيفة الصادرة في زيورخ أنه، "على غِرار سلفه، يتحرك أوباما أيضا بأسلوب الرئيس الإمبراطور، حيث لم يمنح الكونغرس موافقته على خوض هذه العملية العسكرية، بل لم تتم استشارته أصلا". وبعد أن تساءلت عن النتيجة التي سيسفر عنها هذا الهجوم، أجابت تاغس أنتسايغر: "إذا ما نجحت هذه العملية العسكرية في وقت وجيز، فسيُحتفى بأوباما، باعتباره منتصِرا ومدافعا عن حقوق الإنسان في شمال إفريقيا، أما إذا حدث العكس، فقد تتم مقارنته بجورج بوش، الذي خرجت حربه في العراق عن السيطرة وأضرّت برئاسته". هناك نقص ما! صحيفة بازلر تسايتونغ (تصدر بالألمانية في بازل) تساءلت بدورها عن الكيفية التي سينتهي بها هذا التدخّل، وقالت: "ما الذي سيحدُث إذا ما لم تنجح عمليات القصف في الإطاحة بالنظام الليبي؟ فليس بالإمكان التفاوض مع شخص مثل القذافي، ومن غير المتوقَّع شنّ هجوم برّي من طرف قوات التحالف، حيث أن هجوما من هذا القبيل، لن يحظى بدعم بقية البلدان العربية".
وفي السياق نفسه، تضيف الصحيفة بازل، "يُمكن للعربات العسكرية والصواريخ أن توفِّر الحماية للسكان الليبيين بوجه عُنف القوات المسلّحة الموالية للنظام، لكنها لا تمثل بعدُ تصوّرا لحلّ الأزمة الليبية. فالأخطاء التي ارتُكبت في السابق من طرف الغربيين، لا يتم تصحيحها من خلال هذه العمليات العسكرية". شتاء بارد التعليقات الواردة في صحيفتيْ لاتريبون دو جنيف و24 ساعة، اتّسمت بدورها بقدر لا بأس به من التشاؤم، حيث كتبت تقول: "شنّ حرب لحماية المدنيين، أمرٌ يحظى بالموافقة، لكن إلى أي مدى؟ يعلم الجميع أن عمليات القصف الجوي لن تكفي للإطاحة بالرجل المسيْطر على طرابلس، كما أن هذا الأمر لا يُقدّم باعتباره الهدف الرسمي للعمليات العسكرية، لكن هل سيُمكن للحلفاء، الاكتفاء بمجرد تجميد المواقع العسكرية بين قوات القذافي والثوار؟".
وفي انتظار الجواب على هذه الأسئلة، تشير الصحيفتان إلى "الوعود التي تتحدّث عن حرب سريعة، لكن هذه الحرب قد تستمِرّ طويلا كمثيلاتها، وسيأتي يوم يتوجّب فيه تقديم الدعم لقوات الحرية، السيئة التنظيم والتسلّح، وعندها، سيتم الحديث عن غزو وعن حرب من أجل النفط، وهو ما يُهدد الربيع العربي (التحالف الناشئ بين الديمقراطيات والشعوب المسلمة الساعية إلى الحرية) بالدخول في شتاء طويل وبارد". غياب الشرعية صحيفة لوتون، الصادرة في جنيف، ذهبت في الاتجاه نفسه وكتبت تقول: "إلى حد الآن، يُصرِّح أعضاء التحالف أنهم يعتزمون قبل كل شيء فرض احترام قرار الأممالمتحدة، بهدف حماية المدنيين باستخدام جميع الوسائل الضرورية، ويستبعدون تدخلا بريا. إضافة إلى ذلك، يصرِّح الحلفاء بأن حلاّ دبلوماسيا لا زال ممكنا". في الوقت نفسه، لا تُخفي الصحيفة تشاؤمها متسائلة: "ولكن، ما الذي يُمكن مناقشته مع رجل مُتّهم بارتكاب جرائم حرب ويوصف بالطاغية من طرف الرئيس الأمريكي نفسه، بل يُتّهم بعدم التوفُّر على أي شرعية من طرف الأمين العام للأمم المتحدة؟".
مع ذلك، لا ترى صحيفة لوتون أي خِيار آخر لحلّ الأزمة الليبية، وتقول: "منذ 10 أيام، أصبحت المخاطر الناجمة عن عدم التحرّك، أهمّ بكثير من تلك المترتِّبة عن تدخّل لا يوفِّر المساعدة للسكان الليبيين فحسب، بل للثورات الجارية في بلدان إسلامية أخرى. وفي الوقت الحاضر، فإنه من المتأخِّر جدا العودة إلى الوراء". برنامج جيِّد صحيفة "لاريجيوني"، الصادرة في مدينة بيلينزونا باللغة الإيطالية، ترى من ناحيتها أن "الوقت قد يلعَب لفائدة القذافي، خصوصا إذا ما لم يتمكّن هجوم بمثل هذه الكثافة من تحقيق هدفه البديهي، المتمثِّل في التسبُّب بحدوث عمليات فِرار أو تمرُّدٍ في صفوف جيش ليبي، لا يُعرف بالتحديد المستوى الحقيقي لوفائه للعقيد. فإذا ما فشِلت هذه الخطّة، فستُصبِح عملية الإطاحة برجل طرابلس، أكثر صعوبة، حيث من المحتمل أن يتحصّن خلف (الدروع البشرية)، سواء كانت متطوِّعة أم لا، التي ستوضع حول ثكناته وداخل مخابئه".
من جهة أخرى، تحذّر الصحيفة من أن "استمرار الضربات العسكرية وحدوث ما يُسمّى بالأضرار الجانبية التي لا يُمكن تجنُّبها على السكان المدنيين، قد تتسبّب في تراجُع التأييد في صفوف الشعوب العربية، التي لن تتحمّل طويلا الصور اليومية للِّيبيين المقتولين أو الجرحى بأيادٍ غربية". يبقى في الأخير أن "التخلّص من القذافي، جدول أعمال جيِّد، لكن لم يتّضح بعدُ ما إذا كانت الطريقة التي اختيرت لتنفيذه، مناسِبة أيضا"، على حدّ ما جاء في افتتاحية لاريجيوني. 21 مارس 2011 - أرماندو مومبيلّي- swissinfo.ch (ترجمه من الإيطالية وعالجه: كمال الضيف)