تونس:الآن بتنا نعرف أن اسمه أحمد الحفناوي ويقيم في ضاحية المحمدية قرب العاصمة تونس. حين ظهر عبر شاشة «الجزيرة» للمرة الأولى دامع العينين ليؤكد للشباب التونسي الذي قدم نموذجاً رائعاً في قدرته غير المتناهية على التغيير المتحضر والنموذجي بأقل مقدار من الخسائر، فهمنا كم صرف هذا الرجل من عمره وهو ينتظر هذه اللحظة المشرفة حتى تقدم في العمر وأصبح عجوزاً يختصر سيرة وتاريخ بلد بأكمله بعدما توقفت الصورة على مشارف حزنه. أصبح الحفناوي يمتلك لقباً «كونياً» بعدما ابيض شعره، وقالت الأيام كلمتها فيه. صحيح أنها لم تخرب طلّته ولم تفسد طيبته ووسامته، لكنها تركت أثراً غائراً في العينين تجلى في ذلك الظهور المؤسي، وكم كانت مفاجأة أن تقدم المحطة التي أعطته هذا البعد الجدير بالتأمل ريبورتاجاً مصوراً عنه يكشف حقائق عن دوره في ثورة تونس. فالحفناوي صاحب مقهى احتضن الشبان المدونين خلف أبواب سرية كانت تموّه بكراس وطاولات ورواد لا يعرفون شيئاً مما يدور خلف الجدران. ربما تذهب الصورة أبعد من ذلك بتوضيح «ظاهرة» الحفناوي على رغم بساطة ظهوره المدوي حينها، وهذا يعكس في أحد وجوهه قوة الصورة التي تهزم ملايين الكلمات في الطريق إلى المشاهد، وربما تؤكد قدرة الطوفان البصري الذي يجتاح العالم على الثبات والتغيير في آن. فالحفناوي لم يعد صاحب مقهى في ضاحية مغمورة ومجهولة في تونس، وهو بحديثه عن طاقات الشباب وقدرتهم على التغيير المدهش كان يختصر عقوداً فشل جيله في تحقيق التغيير لكنه لم يفقد الأمل، ولم يهرم بعكس ادعائه بذلك، إذ جعلته الصورة فتياً يقاوم عوامل الزمن وابيضاض الشعر، لا لشيء إلا لأن منطق الصورة أصبح مختلفاً ومؤثراً ومشاركاً في تغيير الأحداث الكونية. أحمد الحفناوي قدم صورة مختلفة. لم يأسره البث التلفزيوني ولم يضيق عليه كما يفعل مع الأبطال الدراميين الذين ينصاعون لقوته فيصبحون أسرى وعبيداً له، بل بدا متحرراً منه تماماً، لأنه في وحدته في تلك اللحظة كان بلداً مزدحماً على مذهب الشاعر الاسباني رفائيل ألبرتي، فهو لم يعد صاحب المقهى الهامشي البعيد في إحدى ضواحي تونس. ولم يبحث عن شهرة، ولم يركب موجة، بل كان جندياً مجهولاً فاعلاً في تأمين غطاء سري للمدونين الشباب من دون أن يترجى موقعاً سياسياً أو أن يكون على صلة بالأحزاب السياسية التي أطلت في تونس، وبعضها يبحث عن مكاسب وامتيازات لم يفكر هو فيها من قبل، لأنه أدرك بحدسه أن الشباب هم طاقة الأمل والرجاء، هو الذي ينتمي إلى جيل هرمت أفكاره قبل أن يبيض شعره وتجور عليه مصائب الكون. الحياة الاربعاء, 30 مارس 2011