تمثل الدراما بشقيها الإذاعي والتلفزيوني مرآة تعكس تفاصيل الحياة التي يعيشها الناس، بل إنها أيضا تشكل منبها وحافزا لتحريك الرغبات الإنسانية وتحويلها إلى سلوك مجتمعي من الممكن أن يطبق في العلاقة مع الآخر. هذه المبادئ سعت إذاعة القرآن الكريم في مدينة نابلس بالضفة الغربية إلى إثباتها كجزء أساسي من مقتضيات التعامل مع الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني بشكل خاص والعربي والإسلامي بشكل عام في شهر رمضان المبارك. وقد تمكنت لأول مرة على مستوى الدراما الإذاعية الفلسطينية من إنتاج مسلسل إذاعي هادف يحمل الطابع الديني تبث حلقاته على مدار الشهر الكريم. المسلسل الذي يحمل عنوان "الأخوان" تم إعداده على شكل حلقات بلغت 30 حلقة مدة كل واحدة منها ما يقرب 15 دقيقة، حيث تخصص كل حلقة لطرح قضية تمس النسيج الاجتماعي من خلال ملامسة الحس الديني لدى المستمعين، وإبراز حاجة الناس إلى عرض قضايا شرعية تعتبر من بديهيات تركيبة العلاقة الاجتماعية في المجتمع من خلال إدماج نصوص عدد من الأحاديث والآيات القرآنية بشكل سلس داخل النصوص الحوارية للمسلسل. وحرص أسامة ملحس كاتب السيناريو ومخرج المسلسل، على مخاطبة شرائح المجتمع بكافة تقسيماتها، مثقفين وعاديين، من خلال الدمج ما بين اللغة العامية البسيطة، واللغة الفصحى السهلة والسلسة، وهو ما قد ينعكس بشكل إيجابي لدى حاسة سمع المتلقي. ويوضح أنه تم بناء شخصيات المسلسل وفق محورين، تمثل الأول في الإنسان العامي، وهو ما تمثله شخصية الحاج أبو سلطان، وهي تعكس الإنسان البسيط الذي يعيش الحياة على الفطرة، بينما تمثل المحور الآخر لاختيار الشخصيات في الإنسان المتعلم أو المثقف وهو ما تمثله شخصية الحاج صالح، من أجل إيصال رسالة أن الإنسان العامي والمثقف لا يجب أن يكون بينهما فجوة وبُعد، بل تقارب وتكامل. وحول السبب وراء المزج في لهجة الحوار ما بين العامية وما بين الفصحى البسيطة والسهلة يشير المخرج والكاتب الفلسطيني طاهر باكير، والذي يمثل شخصية أبو سلطان في المسلسل، إلى أن المضمون هو الأساس فيما يقدم للجمهور، كما أن العامية التي يستخدمها المسلسل هي تعبير عن الأصالة والقرب النفسي والجيرة والمحبة، والهدف منها هو جعل المستمع يستشعر بالاندماج الذاتي مع ما يطرحه المسلسل من قضايا. الأخوان.. جاءت تسمية المسلسل لتطابق المواضيع اليومية التي يعيشها المواطن العادي، فقد ركز على معالجة الكثير من القضايا الحياتية اليومية، ولكون المجتمع الفلسطيني يتمتع ببعض الميزات والمفارقات عن المجتمعات الإسلامية والعربية الأخرى ظهر العديد من القضايا الخاصة بالمجتمع الفلسطيني دون غيره. وحول سبب التسمية يقول ملحس :الأخوة لها استحقاقات كثيرة لترسيخ هذا المعنى في المجتمع، حتى بين الأشقاء نفسهم فالأخوة يجب أن تحمل مضمون التقارب، كما أن إظهار المسلسل للعلاقة ما بين المتعلم والإنسان العادي، على أنها علاقة أخوة، من شأنه أن يوضح الصورة الصحيحة التي يجب أن يكون عليها المجتمع، ومحاولة تغيير وكسر الصورة الذهنية الموجودة لدى عامة الناس أن المتعلم هو إنسان يجب أن يعيش في عالمه الخاص والبعيد عن المحيط العام. ويتابع بالقول: تفاصيل الحياة اليومية تفتقد إلى معنى الأخوة، خاصة نتيجة الواقع الفلسطيني الذي نعيشه والانقسام بين شطري الوطن الواحد، لذا نحاول إعادة هذه العلاقة التي نفتقدها. وتتمحور الأدوار في المسلسل في شخصيتين هما الحاج صالح الذي يمثل الإنسان المتعلم وصاحب الشخصية ذات الفهم الديني المنفتح وغير المنغلق على نفسه، وأبو سلطان الذي يمثل الإنسان العادي غير المتعلم، لكنه صاحب فطرة سليمة تجعله إيجابيا في حياته. ويحاول المسلسل في مضمونه والقضايا التي يطرحها للمعالجة أن يتجاوز التقليدية، فعلى سبيل المثال إحدى الحلقات تتناول قضية أبناء الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وكيف يجب على أبناء المجتمع العطف عليهم والوقوف إلى جانبهم باعتبار ذلك أحد واجبات الدين أولا، ومن ثم من أخلاقيات المجتمع المسلم الذي يوجب التكافل الأسري، ورد جميل لأولئك الذين قبلوا الدفاع عن الوطن ضد الأعداء. فيما تناولت إحدى الحلقات الأخرى قضية إطلاق المفرقعات في المناسبات وطبيعة الضرر الذي قد يلحق بالمجتمع سواء الضرر المالي أو البيئي، والضرر الناتج عن الضوضاء والإزعاج الذي قد يتسبب في إيذاء الآخرين. ولم يكتف المتحاوران في الحلقة بعرض للظاهرة، بل حاولا تقديم جوانب لكيفية التعامل معها ومع الأفراد الذي يؤذون المجتمع نتيجة السلوك الخاطئ. وفي محاولة إلى تلمس الواقع التعليمي، وكذلك واقع مستقبل ونهضة المجتمع الإسلامي، تناولت إحدى الحلقات الامتحانات المدرسية والاستعداد لها من قبل طلبة المدارس للحصول على التفوق والتميز. وعالجت دور الوالدين في مساعدة أبنائهم للاستعداد للدراسة وكيفية استعداد الآباء للقيام بهذا الدور في ظل التطور العلمي وتطور المناهج الدراسية. فنيات الإنتاج.. أحد أبرز ما يتسم به إنتاج المسلسل هو القدرة على توظيف المؤثرات الصوتية إلى جانب مقاطع الحوار بين الممثلين، حتى يكاد يأخذ المستمع بالاندماج وكأنه يعيش في الجو الخاص للحلقة التي يستمع إليها. وتتنقل المؤثرات الصوتية بين النشيد وروحانياته التي تتناسب وموضوع الحلقة إلى أصوات الطيور، وأصوات الباعة، ومحركات المركبات. يقول علي عمران المونتير الذي أشرف على مونتاج المسلسل وعلى اختيار الأصوات: "كنت أحاول أن أجعل المستمع لهذه الحلقات يستشعر بكافة حواسه الجو الخاص بالحلقة؛ لأن ذلك من شأنه أن يترك الأثر في النفس، ومن شأنه أيضا أن يوصل الرسالة التي يحملها المسلسل". ويركز المسلسل على الأسلوب الحواري الذي يعرف في الدراما بفن "الديلارتي" الذي يعتمد بشكل أساسي على الثنائية في الحوار، والذي يجعل المستمع ذا تركيز أكثر دون تشتيت. إذاعة القرآن.. وانطلق مشروع إذاعة القرآن الكريم في مدينة نابلس في بث تجريبي لمدة شهرين، ثم اعتمد البث الرسمي بشهر أغسطس لعام 1998، وكانت الإذاعة تغطي منطقة جغرافية ضيقة جدا، شملت مدينة نابلس والقرى المحيطة. وبعد مرور تسعة أشهر على انطلاقتها شُرع بتطوير آخر لها، إذ تم البدء بوضع أبراج تقوية في مناطق مختلفة من مدن الضفة الغربية، وذلك للتغلب على العوائق التقنية للإرسال التي يسببها الوضع الجغرافي في فلسطين، وجرى التطوير بوتيرة زمنية حكمتها الظروف المادية، إلى أن وصل الأمر للوضع الحالي، حيث أصبح أثير إذاعة القرآن الكريم يغطي فعليا 85% من أراضي فلسطين، إضافة إلى مناطق عديدة في الأردن، وأجزاء من مصر، وبذلك يكون بث الإذاعة فعليا هو الأوسع في التغطية الجغرافية. كما أن الإذاعة عملت ضمن خطتها التطويرية على إيصال بثها للعالم عبر شبكة الإنترنت، وكان ذلك في عام 2003، وقد أجريت عدة تحسينات على موقعها ليتسنى الدخول والاستماع إلى بث الإذاعة حيث يبلغ مستمعي الإذاعة عبر الشبكة العالمية ما يقرب 4.5 ملايين مستمع من حوالي 170 دولة في العالم. وتتركز برامج الإذاعة بشكل أساسي على بث قراءات لأشهر المقرئين إضافة إلى مختارات من الأحاديث النبوية والأدعية، ومختارات من النشيد الإسلامي، إضافة إلى باقة من البرامج التربوية والدينية وبرامج الأسرة والأطفال. سليمان بشارات صحفي فلسطيني