اليوم العالمي لحرية الصحافة /اليونسكو: تعرض 70 بالمائة من الصحفيين البيئيين للاعتداءات خلال عملهم    اخلاء محيط مقر مفوضية شؤون اللاجئين في البحيرة من المهاجرين الافارقة    لجان البرلمان مستعدة للإصغاء الى منظمة "كوناكت" والاستنارة بآرائها (بودربالة)    وزارة الفلاحة ونظيرتها العراقية توقعان مذكرة تفاهم في قطاع المياه    توننداكس يرتفع بنسبة 0،21 بالمائة في إقفال الجمعة    كفّر الدولة : محاكمة شاب تواصل مع عدة حسابات لعناصر ارهابية    معهد الصحافة يقرر ايقاف التعاون نهائيا مع مؤسسة كونراد أديناور الألمانية    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    بطولة القسم الوطني "أ" للكرة الطائرة(السوبر بلاي اوف - الجولة3) : اعادة مباراة الترجي الرياضي والنجم الساحلي غدا السبت    الرابطة 1- تعيينات حكام مقابلات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    تفكيك شبكة مختصة في ترويج المخدرات بجندوبة ..وحجز 41 صفيحة من مخدر "الزطلة"    سليم عبيدة ملحن وعازف جاز تونسي يتحدث بلغة الموسيقى عن مشاعره وعن تفاعله مع قضايا عصره    مركز النجمة الزهراء يطلق تظاهرة موسيقية جديدة بعنوان "رحلة المقام"    قابس : انطلاق نشاط قاعة السينما المتجولة "سينما تدور"    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    86 مشرعا ديمقراطيا يؤكدون لبايدن انتهاك إسرائيل للقانون الأميركي    بوريل..امريكا فقدت مكانتها المهيمنة في العالم وأوروبا مهددة بالانقراض    تصنيف يويفا.. ريال مدريد ثالثا وبرشلونة خارج ال 10 الأوائل    قرعة كأس تونس لكرة القدم (الدور ثمن النهائي)    إفتتاح مشروع سينما تدور    فتحي الحنشي: "الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية أصبحت أساسية لتونس"    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    منير بن رجيبة يترأس الوفد المشارك في اجتماع وزراء خارجية دول شمال أوروبا -إفريقيا    فيلا وزير هتلر لمن يريد تملكها مجانا    القصرين: تمتد على 2000 متر مربع: اكتشاف أول بؤرة ل«الحشرة القرمزية»    بداية من الغد.. وزير الخارجية يشارك في أشغال الدورة 15 للقمة الإسلامية    بطاقتا إيداع بالسجن في حقّ فنان‬ من أجل العنف والسرقة    إنه زمن الإثارة والبُوزْ ليتحولّ النكرة إلى نجم …عدنان الشواشي    المحمدية.. القبض على شخص محكوم ب 14 سنة سجنا    تالة: مهرجان الحصان البربري وأيام الاستثمار والتنمية    حالة الطقس هذه الليلة    مجلس وزاري مضيق: رئيس الحكومة يؤكد على مزيد تشجيع الإستثمار في كل المجالات    عاجل/ قضية "اللوبيينغ" المرفوعة ضد النهضة: آخر المستجدات..    عاجل/ أعمارهم بين ال 16 و 22 سنة: القبض على 4 شبان متورطين في جريمة قتل    العثور على جثة آدمية مُلقاة بهذه الطريق الوطنية    حجز 67 ألف بيضة معدّة للإحتكار بهذه الجهة    ألكاراز ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة بسبب الإصابة    توطين مهاجرين غير نظاميين من افريقيا جنوب الصحراء في باجة: المكلف بتسيير الولاية يوضّح    كرة اليد: بن صالح لن يكون مع المنتخب والبوغانمي لن يعود    بطولة افريقيا للسباحة : التونسية حبيبة بلغيث تحرز البرونزية سباق 100 سباحة على الصدر    الحماية المدنية:15حالة وفاة و500إصابة خلال 24ساعة.    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    منظمة إرشاد المستهلك:أبلغنا المفتي بجملة من الإستفسارات الشرعية لعيد الإضحى ومسألة التداين لإقتناء الأضحية.    السعودية: انتخاب تونس رئيسا للمجلس التنفيذي للمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد"    التلقيح ضد الكوفيد يسبب النسيان ..دكتور دغفوس يوضح    أعمارهم بين 13 و16 سنة.. مشتبه بهم في تخريب مدرسة    دراسة صادمة.. تربية القطط لها آثار ضارة على الصحة العقلية    زلزال بقوة 4.2 درجة يضرب إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    خطير/ خبير في الأمن السيبراني يكشف: "هكذا تتجسس الهواتف الذكية علينا وعلى حياتنا اليومية"..    العمل شرف وعبادة    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    "أنثى السنجاب".. أغنية أطفال مصرية تحصد مليار مشاهدة    بايدن يتحدى احتجاجات الطلبة.. "لن أغير سياستي"    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنان عبد الله الشاهد    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    ''أسترازنيكا'' تعترف بأنّ لقاحها له آثار قاتلة: رياض دغفوس للتونسيين ''ماتخافوش''    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النهضة التونسية.. تحديات ما بعد السجون والمنافي!
نشر في الفجر نيوز يوم 13 - 11 - 2008

بإطلاقه سراح البقية الباقية من مساجين "حركة النهضة" الإسلامية التونسية –غير معترف بها- بمناسبة الذكرى الحادية والعشرين - 7 نوفمبر 2008 - لوصوله إلى الحكم يكون الرئيس زين العابدين بن علي قد طوى نهائيا "ملف المساجين السياسيين" التابعين لحركة النهضة والذين ظل مطلب إطلاق سراحهم محور حملات عديدة قامت بها المعارضة التونسية في الخارج والداخل طوال مدة تقارب عشرين سنة.
غير أنه وبعد طوال عشرين سنة من الحكم بالنسبة للرئيس بن علي ومثلها سنوات قضاها العديد من قيادات حركة النهضة وأتباعها في غياهب السجون التونسية وآخرون تفرقت بهم السبل في الاتجاهات الأربعة من العالم بين أوروبا وأمريكا وأستراليا وآسيا يحق لنا أن نتساءل عن حصيلة العشرين سنة الأخيرة؟ ومن هو الكاسب؟ ومن هو الخاسر؟ وهل خرجت "النهضة" من محنتها أكثر قوة أم أكثر وهنا؟ ما هو حاضر هذه الحركة اليوم في الشارع التونسي؟ هل استطاعت أن تصمد تنظيميا أمام "العاصفة" الأمنية التي هزت أركانها؟ وماذا بقي منها اليوم؟ما هو مستقبلها في ضوء ولادة جيل جديد من السلفيين الذين عوضوا أتباع النهضة في الشارع وفي السجون؟
أسئلة كثيرة نحاول الإجابة عنها عبر قراءة الواقع التونسي اليوم ووضع الحركة بين ثنائية الداخل التونسي وخارجه، وخاصة في العواصم الأوروبية حيث تتمركز مؤسسات الحركة وقياداتها التي نجت من الحملة الأمنية في أوائل التسعينيات.
لا شك أن واقع حركة النهضة اليوم هو نتيجة حالة الصدام مع نظام بن علي منذ وصوله إلى الحكم وإذا استثنينا الأشهر القليلة التي لحقت تاريخ وصول الرئيس التونسي إلى السلطة يوم 7 نوفمبر 1987 والتي وصفت بأشهر "الحوار بين الحركة والنظام"، وتمثلت خاصة في اللقاء الشخصي الذي جمع الرئيس بن علي بالشيخ راشد الغنوشي وبعدها توقيع المحامي الإسلامي نور الدين البحيري نيابة عن "النهضة" في بدايات سنة 1989 مبادرة "الميثاق الوطني" التي جمعت السلطة بالمعارضة التونسية، فإن باقي السنوات مثلت دخول النهضة والحركة الإسلامية التونسية أكبر امتحان استئصال تاريخي لها لم تشهده حتى في أحلك فترات صدامها مع الحبيب بورقيبة أول رئيس لتونس الجمهورية.
ثلاث محطات مفصلية
لا يمكن فهم واقع "حركة النهضة" اليوم دون المرور بثلاث محطات كبرى منذ وصول الرئيس بن علي إلى السلطة مثلت "منعرجات" في تاريخ حالة القطيعة، وفيما بعد الصدام، وفي الأخير الاستئصال بين الرئيس بن علي وبين حركة النهضة الإسلامية.
أولى المحطات التي كانت منعرجا في حالة القطيعة بين حركة النهضة الإسلامية والسلطة هي الانتخابات التشريعية 1989، وعلى الرغم من فوز الحزب الحاكم بكل مقاعد البرلمان نتيجة القانون الانتخابي الذي لا يعترف بالتمثيل النسبي آنذاك و"بسبب التزوير" بحسب أحزاب المعارضة، فإن حركة النهضة التي تقدمت بقائمات مستقلة برزت قوة الاستقطاب الجماهيرية الوحيدة أمام الحزب الحاكم؛ وهو ما جعل النظام يستيقظ على حقيقة وهي "تغول حركة النهضة"، حيث أحكمت الحركة سيطرتها على غالبية مساجد البلاد، وتجذرها في الأحياء الشعبية، هذا فضلا عن اجتياح ذارعها الطلابية "الاتحاد العام التونسي للطلبة" -تم حله فيما بعد- للجامعات التونسية وسيطرته على غالبية مجالس الكليات.
خروج "النهضة" من انتخابات أبريل 1989 بدون مكاسب سياسية وخاصة أنها غيرت اسمها من "حركة الاتجاه الإسلامي" إلى "حركة النهضة" كأحد الشروط للاعتراف بها رسميا والذي جرت وراءه دون جدوى لم يحقق شيئا بالنسبة للقاعدة الشعبية المتحمسة للحركة التي أصبحت تنظر إلى "حلم قيام الدولة الإسلامية" على قاب قوسين خاصة مع الانتصار الساحق على الحدود الغربية لتونس الذي حققته الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية في الانتخابات البلدية من نفس السنة وسيطرتها على الشارع الجزائري، بل إن حالة اليأس من جدوى الاعتراف بالحركة قد نال الجناح المتصلب في قيادة الحركة الذي طالب رئيس الحركة "الشيخ راشد الغنوشي" مغادرة البلاد تحت ذريعة "القيام بفريضة الحج" حيث خرج الشيخ الغنوشي بعد شهر فقط من انتخابات أبريل 1989، ولم يعد إلى البلاد إلى اليوم حيث تحصل على اللجوء السياسي في بريطانيا.
المحطة الثانية والتي مثلت منعرجا بما يعنيه من دخول إلى مرحلة الصدام بين حركة النهضة والسلطة في تونس هي ما سمي ب"حادثة باب سويقة" ففي شهر فيفري 1989 هاجم بعض ممن يعتقد أنّهم أنصار لحركة النهضة مقر لجنة تنسيق الحزب الحاكم بباب سويقة بقلب العاصمة التونسية و"هو ما أدّى إلى نشوب حريق ووفاة أحد الحراس في ظروف مسترابة وتم إثر ذلك إحالة 28 شخصا وصدرت في حقهم أحكام قاسية بالسجن إثر محاكمة مستعجلة وصلت حد الإعدام الذي شمل خمسة منهم. وفي أكتوبر 1991 تم شنق ثلاثة من المحكوم عليهم بالإعدام" تقرير المجلس الوطني للحريات بتونس أكتوبر 2002.
هذه الحادثة كانت بمثابة إعلان حالة الصدام بين حركة النهضة والسلطة بدأت بعهدها حالة تصعيد عامة في الجامعات والشارع فيما أطلقت عليه قيادة النهضة آنذاك بسناريو "فرض الحريات" فيما مضت السلطة مستغلة حادثة باب سويقة والمواجهات التي وقعت في مظاهرات حرب الخليج الأولى لتلصق تهمة العنف بحركة النهضة ليس فقط في الداخل التونسي بل في المحافل الدولية، وذلك من جل إيجاد المبررات الكافية للقيام بالحملة الأمنية الكبرى فقد مثل تنصيب المحكمة العسكرية بثكنتي "بوشوشة " و"باب سعدون" بالعاصمة التونسية في صيف سنة 1992 بمثابة منعرج ثالث من أجل اتخاذ السلطة قرارها بالانتقال من منهج الصدام إلى منهج الاستئصال الكامل لحركة النهضة من الشارع التونسي مستغلة في ذات الوقت توقيف المسار الانتخابي في الجزائر بعد الفوز الساحق للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات التشريعية, فكانت محاكمة قيادات النهضة الكبرى حيث اتهمت السلطة الحركة "بتدبير مؤامرة لقلب نظام الحكم"، وأفضت المحاكمة إلى الحكم بالمؤبد على 47 من قيادات النهضة، فيما توازت هذه المحاكمة مع مئات المحاكمات المدنية والتي شملت في ظرف حوالي خمس سنوات – 1991/1995- حوالي عشرين ألف معتقل من أنصار النهضة فيما لجأ من نجا منهم من الحملة الأمنية إلى العواصم الأوروبية حيث تركزوا خاصة في المثلث الأوروبي باريس – جنيف - لندن.
في الخارج وتحديدا في العواصم الأوروبية بدأت "النهضة" صفحة جديدة من تاريخها فيما استتب الوضع نهائيا للرئيس زين العابدين بن علي وللحزب الحاكم " التجمع الدستوري الديمقراطي"، في الداخل إما معارضة يسارية ضعيفة ومشتتة، وإما حركة حقوقية لم تستطع أن تلتقط أنفاسها إلا في السنوات الأخيرة، وكانت بمثابة المتنفس الوحيد للمعارضة الحقيقية التونسية.
أسئلة المنافي
"الشيخ راشد الغنوشي" رئيس حركة النهضة التونسية

من جملة الأسئلة التي تبادرت إلى أذهان الأفواج الأولى من لاجئي حركة النهضة في أوروبا هو كيف يمكننا أن نتفادى تكرار "تجربة الإخوان المسلمين السورية؟" كيف يمكننا أن نحافظ على التنظيم خارج البلاد؟ كيف السبيل إلى ربط علاقاتنا بالداخل؟ وما هي أولويات المرحلة هل هو مواصلة العمل في اتجاه العودة إلى الشارع عبر الوسائل الإعلامية المتاحة وعبر من تبقى من عناصر التنظيم بالداخل ممن لم يصطل بنار الحملة الأمنية أم أن الجهد يجب أن يتركز على المطالب بإطلاق سراح المساجين السياسيين التابعين للحركة؟
أسئلة عديدة عقدتها أكثر الوضعية العمرية لجسم الحركة في الخارج الذي تكون أساسا من شباب طلبة الجامعات الذين كانوا ينشطون في "الاتحاد العام التونسي للطلبة" قبل حله والذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام أكبر مسئولية في تاريخ الحركة، أي إنقاذ التنظيم والعمل على التوجه إلى الداخل، وإذا استثنينا وجود بعض قادة الحركة في الخارج كالشيخ راشد الغنوشي، ووليد البناني، والشيخ عبد القادر الونيسي، والحبيب المكني.. فإن غالبية الذين توافدوا على العواصم الأوروبية كان من شباب طلبة النهضة وقاعدتها الشعبية التي وجدت طريقة للفرار.
كان يجب أن تمر خمس سنوات من الحياة المهجرية حتى يأخذ طلبة الجامعات في أوروبا بدفع من قيادة الحركة المتبقية المبادرة وينجزوا "المؤتمر السادس" للحركة سنة 1995 وينتخبوا الشيخ راشد الغنوشي رئيسا للحركة عوضا عن الشيخ "الصادق شورو" الذي انتخبه آخر مؤتمر عقدته "النهضة" في الداخل سنة 1988، وبهذا "المؤتمر" حققت الحركة أولى شروط "نجاتها المؤسساتي" عبر ما سمي آنذاك "مطلب إنقاذ التنظيم".
وتركز هذا الأمر أكثر عبر المؤتمرين الآخرين اللذين عقدتهما النهضة قي الخارج وهما "المؤتمر السابع سنة 2001" والمؤتمر الثامن الذي عقد في العاصمة البريطانية لندن سنة 2007، ولم يكن للحركة أن تعقد مؤتمراتها المهجرية إلا من أجل التركيز على القضية المركزية آنذاك وهي "مطلب إطلاق جميع مساجينها السياسيين"، وهو المطلب الذي تحول فيما بعد إلى مطلب "العفو التشريعي العام"، وهو المطلب الذي تبنته الحركة الحقوقية ليس في تونس فحسب، بل المنظمات والهيئات الدولية في الخارج.
مشروع الحركة في الخارج
أسست النهضة في الخارج أكثر من منظمة من أجل إطلاق سراح مساجينها وتركزت في كل عاصمة أوروبية تقريبا منظمة تكونت من شباب النهضة وأسرهم من أجل تنظيم التظاهرات والاعتصامات المتكررة أمام السفارات التونسية في الخارج، وجمع التواقيع والعرائض والاحتجاجات أمام البرلمانات الأوروبية من أجل وضع حقوق الإنسان في تونس، ومثل كل هذا ضغطا كبيرا على الحكومة التونسية التي حاولت أكثر من مرة الاستعانة بحادثة "باب سويقة" للربط بين النهضة والعنف لدى المنظمات الدولية مستغلة تبعات أحداث الحادي عشر من سبتمبر غير أن الجزء الغالب من المنظمات والعواصم الأوروبية لم يقتنع بحجج الحكومة التونسية وواصل استضافة عناصر وقيادات النهضة على أراضيه.
تعزز وجود حركة النهضة بالخارج بانفتاحها على محيطها الأوروبي عبر تأسيس مدارس وشركات مثلت دعما ماديا كبيرا للحركة استطاعت من خلاله أن توصل المساعدات المادية بطرقها الخاصة للمئات من أنصارها في الداخل الخارجين من السجون، وهو ما دفع النظام إلى إجراء العديد من المحاكمات كلما اكتشف خلية لتوزيع الأموال المتأتية من الخارج.
وبعد عشرين سنة تقريبا من الحياة المهجرية أفاقت النهضة في الخارج على حقيقة جديدة في قواعدها كحركة وهو ولادة أجيال جديدة في البلدان الأوروبية لا تربطها بتونس علاقة وثيقة بقدر ما تعيش واقعها الأوروبي، ولئن أفلحت في تأطير هذا الجيل الجديد من "النهضويين الأوروبيين" فإنها عملت على إدماجه في معركة النضال من أجل إطلاق المساجين السياسيين وتكليفه بأن يكون جسرها الثقافي في المحيط الأوروبي وأصبح للنهضة من حيث لا تدري بعد محنة المنفى "فئة من النهضويين الأوروبيين" الذين يرون في مستقبلهم في أوروبا أكثر من أن يكون في تونس يوما ما، حتى لو وقعت المصالحة مع النظام في تونس.
ومع بداية إطلاق سراح قياداتها من الصف الأول للحركة من السجون التونسية شعرت النهضة في الخارج أنها بدأت تخرج فعليا من النفق المظلم الذي تواصل لمدة خمسة عشر عاما تقريبا ولا شك أن الرسالة التي تلقتها قيادة الحركة في الخارج من قبل الشيخ الصادق شورو بعيد انعقاد المؤتمر الثامن في لندن تلخص نجاح النهضة في المحافظة على التنظيم أولا، والتواصل مع قياداتها في الداخل على الرغم من عزلتهم في السجون ثانيا.
حيث يقول الصادق شورو في رسالة من سجنه مهنئا الشيخ راشد الغنوشي بعقد المؤتمر الثامن: "أيّها الإخوة الأعزّاء إنّ أشدّ ما نحتاجه اليوم هو أن نكون صفّا واحدا كالبنيان المرصوص وراء أميرنا لنستطيع أن نواجه حملات الأعداء علينا ولندرأ كلّ ثغرة قد يتسلّل منها العدو إلينا ليشتّت صفوفنا"، ويضيف شورو: "شيخنا الكريم، أيّها الإخوة الأعزّاء أهنّئكم بمؤتمركم الأخير جعله اللّه مباركا علينا جميعا، ولا أخالة إلاّ كذلك، فقد لاحت بشائر الفجر من ثنيته وقد استبشرت بنتائجه ولا سيما تبوؤ المؤمنات مكانتهن في صفوفكم الأولى".
واقع جديد وتحدياته
"علي العريض" قيادي بارز في حركة النهضة التونسية

ولكن بعيدا عن مكسب "وحدة الصف" الذي حققته النهضة و"المحافظة على التنظيم في الخارج"، فإن معالم الخريطة الإسلامية بالداخل التونسي قد تغيرت بصفة شبه كلية، فإضافة إلى ظاهرة التدين الشعبي المتأثر بالفضائيات العربية والإسلامية الذي اجتاح الشارع التونسي والذي لا علاقة له بحركة النهضة فإن ظاهرة جديدة اكتسحت المساجد التونسية وهي موجة الشباب السلفي الذي أصبح "المستهدف الأول" من قبل الأمن التونسي، ومثلت المواجهة المسلحة الدامية بين الجيش التونسي والعناصر السلفية فيما ما سمي "بتنظيم أسد بن الفرات" في يناير 2007 بمدينة "سليمان" في الضواحي الجنوبية للعاصمة الحادثة التي أعادت حسابات الكثير في الدوائر الأمنية والسياسية التونسية التي لم تعد ترى في عناصر النهضة مقارنة بالشباب السلفي المتشدد إلا "حماما" مقارنة "بالضباع الشرسة"!
لا يعني هذا البتة أن "نظام الرئيس بن علي" أصبح ضعيفا أمام حركة النهضة بل إن قدرته على التحكم في عملية إطلاق سراح مساجين الحركة طوال عشرين سنة على دفعات وبطريقة "القطرة قطرة" أثبتت أن موازين القوى كانت دائما لصالحه في مواجهة خصمه السياسي الرئيسي ولا شك أن لجوء بعض من كوادر النهضة من الصف الثاني والقاعدي إلى إعلان تبرئهم من النهضة وانسلاخهم عنها وإعلانهم ذلك في الصحف أثبت قدرة النظام على المس من أطراف النهضة دون أن يتمكن من ضرب بنيتها الصلبة والمتمثلة, خاصة في جماعة الخارج الملتفين حول الشيخ راشد الغنوشي وجماعة الداخل الذين يمثل الشيخ صادق شورو والشيخ محمد العكروت وحمادي الجبالي وعلي العريض وزياد الدولاتي وفاضل البلدي وغيرهم من القيادات المؤسسة للحركة أبرز رموزهم والذين لم يتركوا فرصة حتى الآن ومنذ خروجهم من السجون إلا وليعلنوا فيها عن "وحدة صف الحركة" وتواصلهم مع جماعة الخارج.
إذن نستطيع القول إن عقدين من الزمن ومن حياة المنفى والسجون لم يفلحا في استئصال حركة النهضة وإحداث خروقات حقيقية في جهازها التنظيمي ولحمة قياداتها العليا، بالرغم من الآثار السلبية الكبيرة التي مست قاعدة النهضة وقياداتها الخارجة من السجون والتي وجدت نفسها في واقع اقتصادي مزر بلا عمل في الغالب وواقع اجتماعي مغاير لما تركته أوائل التسعينيات أثناء دخولها إلى السجون.
النهضة وأسئلة المستقبل
البعض يقول إن زمن "المحاسبة والمراجعة" بالنسبة لحركة النهضة لم يحن بعد وخاصة إزاء السؤال الكبير عن نصيب مسئولية قيادات الحركة وقراراتها في ما حصل طوال العشرين سنة الأخيرة من تنكيل وسجن لقياداتها وقاعدتها وتشريد للبقية الباقية في المهاجر الأوروبية، فسؤال المحاسبة إذن يبقى مؤجلا بالنسبة لغالبية قيادات النهضة؛ لأن الأمر الأهم هو إيجاد صيغة وفاق مع نظام الرئيس بن علي بما يتيح للحركة هامش من حرية الاتصال والتنظيم داخل البلاد.
غير أن السؤال الآخر الأهم وهو مدى الهامش الذي يملكه نظام الرئيس بن علي من أجل إيجاد وفاق سياسي مع النهضة, فالنظام الذي حارب النهضة طوال عشرين عاما وبنى مشروعيته الخارجية أمام أوروبا والولايات المتحدة والداخلية أمام المعارضة العلمانية على إقصاء التيار الإسلامي من الحكم ومن المعارضة المعترف بها، هل هو مستعد فعلا لإعادة النظر في خياراته؟ وبمعنى آخر على فرضية دخول الرئيس بن علي في حوار مع النهضة من أجل الاعتراف السياسي بها ومنحها هامشا من الحرية، ما جدوى ما حصل طوال عشرين سنة من سجن وتنكيل وتشريد لعناصرها؟!
هل أن النظام بصدد مراجعة "خطئه" باتباع المنهج الاستئصالي للنهضة من الخريطة السياسية التونسية وخاصة أن التجربة إلى حد الآن ثبتت محدودية هذا الخيار أمام محيط دولي يدفع في اتجاه دمج ما يسمى بالإسلام المعتدل في اللعبة الديمقراطية وخاصة أن كل تجارب البلدان المجاورة لتونس على سبيل المثال وخاصة في الجزائر مع "حركة مجتمع السلم" و"حركة النهضة " الجزائرية وفي المغرب مع حركة العدالة والتنمية أثبتت إمكانية إيجاد صيغة عيش مع الإسلاميين المعتدلين والحكم.
لا شك أن سنة 2009 تمثل سنة بالغة الأهمية بالنسبة لنظام الرئيس بن علي الذي "قبل تجديد ترشحه" لرئاسة البلاد في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في شهر نوفمبر القادم فهل يكون ثمن نيل مباركة النهضة وترشيحها لبن علي وبالتالي طي صفحة الماضي معها ثمنها إجراء مصالحة وإيجاد صيغة سياسية من أجل إدماجها في المعارضة السياسية المعترف بها؟ ولكن هل يحتاج نظام الرئيس بن علي أصلا لمباركة نهضوية لترشحه مرة أخرى؟ ثم ما هو استعداد قيادات النهضة المتصلبة الخارجة توا من السجون بعد عقدين من "العزلة" و"المحنة" لمثل هذه التزكية؟
نستطيع القول إن النهضة كما نظام الحكم في تونس أصبحا أكثر من أي وقت مضى في مفترق طرق، فلا النظام استطاع استئصال الحركة من الوجود السياسي التونسي المعارض؛ وبالتالي فهو في حيرة من سؤال ما العمل الآن أمام قيادات من الصف الأول وبعد عشرين عاما من السجن والتنكيل ما تزال تدافع عن حقها في الوجود السياسي كاملا وغير منقوص؟!
ومثل حيرة النظام تبدو حيرة النهضة فهي غير ضامنة لوحدة "صفها" إذا ما عملت على طي صفحة الماضي وكأن شيئا لم يكن ف"وحدة الصف" التي تركزت إبان فترة السجن والمنفى كانت ضرورة مرحلية للمحافظة على الكيان وعلى التنظيم، وأما الآن وأمام سؤال ماذا نفعل مع النظام؟ هل نحاسبه أم نحاسب أخطاءنا؟ فإن الأمر يصبح أكثر تعقيدا بالنسبة لتواصل وجود الحركة ذاتها وتماسك بنيانها.
صحفي تونسي مقيم بباريس
الاسلام اون لاين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.