طوابير الانتظار للحصول على تأشيرة الدخول الى فرنسا كرامة الوطن من كرامة أبنائه أحمد بن حمدان في السنوات الأخيرة وعند المرور من أمام السفارات الغربية في وسط العاصمة تلفت انتباهك طوابير الناس و خصوصا من الشباب يصطفون ويتدافعون أمام أبوابها يواجهون الحر صيفا و الصقيع شتاء بلا مبالاة . بعضهم يقطعون مئات الكيلومترات لقضاء حاجتهم ينامون في الطريق العام ليلا لتجدهم صباحا ينتظرون لساعات طويلة لا يشغلهم شيء غير بعض الصحف تتناقلها الأيدي في ملل و بعض الأحاديث الجانبية التي تجمع الطالب بالباحث والكهل بالشاب و الأعزب بالمتزوج قد يختلفون في كل شيء في قناعاتهم في اهتماماتهم في انتماءاتهم الجغرافية و السياسية أو حتى الرياضية لكن يوحدهم كلهم الحلم و الأمل في ختم يفتح لهم آفاقا جديدة ختم بسيط يمكنهم من عبور هذا البحر من جنوبه الفقير المتأزم رغم عقود من التحرر والعاجز عن النهوض التنموي الشامل الذي يحرر الإنسان من الفشل أمام الحياة إلى شماله حيث المستعمر القديم الثري المترف والمحتاج إلى قوة عمل إضافية تستجيب لبرامجه وأهدافه وتضاعف من حجم قبضته على مستعمراته القديمة وتوفر لعبيد اليوم من المهاجرين ما فات توفيره لعبيد الأمس الغابر... هذه الطوابير تنتظران ينتقل بها الختم من ارض المستهلك المورد الفقير إلى ارض المصنع المصدر القادر القدير فتراها صابرة مرابطة حتى يطل الحاجب عليها ليفتح أمامها الباب ويمر الجميع واحدا فواحدا على الصراط المستقيم .يفرح البعض لان دولة المحتل القديم الجديد قبلت بأن تختم له بالموافقة على منح التأشيرة والسفر إلى الحلم وتغتاظ الأغلبية لان جوازها بالمرور لم يحن موعده بعد فيقسم الكثيرون بأنهم لن يكلوا و لن يملوا بل سيعاودون الكرة مرة و أخرى حتى تطأ أقدامهم جنة اليورو الموحدة وارض الميعاد الرأسمالي. يوميا يمكن للمار أن يلاحظ هذا المشهد غير الإنساني الذي يشعر فيه أبناء الأرض و الوطن بالإهانة وكأننا عدنا أدراجنا إلى مرحلة الاستخراب التي كان يعتبر فيها الإنسان العربي غير مرحب به في بلاد الأنوار فيجد نفسه عنصرا دونيا أمام الغربي المحتل خاصة و أن هذه السفارات تمثل دولا لطالما تشدقت بشعارات حقوق الإنسان و لطالما ادعت أنها تلقن الدروس في الحفاظ على كرامة الإنسان و حريته لم تكلف نفسها عناء تخصيص قاعة للانتظار تقي أولئك الحالمين من تقلبات الطقس و تخفف عنهم مشقة الوقوف لساعات في الطرقات . أي مصير سينتظر هؤلاء في الغربة و هم لا يتمتعون في وطنهم حتى بغرفة انتظار في سفارة. إن العلاقات بين الدول تؤسس على الاحترام المتبادل و الندية في التعامل وفقا لهذا هل يمكن أن نتصور على سبيل المثال أن المواطن الفرنسي سيجبر يوما على طلب التأشيرة و ينتظر أمام السفارة التونسية مثلا كما ينتظر الواحد منا أمام أبواب السفارة الفرنسية أم انه لن يرض بمثل هذه المهانة على أرضه وحتى لو رضي بذلك فهل سيعجب ذلك حكومته و برلمانه المنتخب و ما الذي يدعو هذا العربي العزيز الكريم إلى تقبل هذا التعامل الدوني من الآخر في وطنه رغم انه يعلم في قرارة نفسه انه لن يجد الجنة في بلاد ما وراء البحر و أن كل عنائه قد يذهب سدى إما برفض منحه التأشيرة لسبب أو لآخر أو بتهجيره عند ابسط خطأ خاصة و انه في سنة 2009 بلغ عدد المهجرين "التوانسة"من فرنسا 3222 مهاجرا أم أن هذه المهانة ارحم من أن يحيا في وطنه فقيرا فاشلا غير قادر على الحياة خاصة عندما يستمع–كما استمعنا إلى السيد وزير التشغيل-و يتأكد من أن الهجرة اليوم أصبحت من الحلول التي تتبناها الدولة لحل المشاكل التي خلفها فشل برامج التنمية من التقليص في الأعداد الغفيرة من العاطلين عن العمل. لقد كبرنا ونحن نستمع إلى أن كرامة الفرد من كرامة الوطن وان كرامة الوطن من كرامة أبنائه فأي وطن هذا الذي يسمح بكل هذا الذي يجري على أبنائه وعلى أرض بلدهم؟؟