عندما وقف الرئيس الامريكى جورج بوش ( الأب ) موجها خطابه الى الامة الامريكية بمناسبة إرسال القوات الأمريكية إلى الخليج العربى "بعد أسبوع واحد من نشوب الأزمة العراقية – الكويتية في أغسطس 1990م" وتحدث فيه عن مصطلح ( النظام العالمى الجديد ) والذى أشار فيه الى فكرة عصر جديد بلا إرهاب ، عصر يتمتع بالحرية والسلام والامن لكل الشعوب ، عصر ينعم بالعدل والرخاء ، استبشرالمخدعون خيرا وصفقوا له ، وتوالت الاحلام تراود مخيلة الشعوب المقهورة ، وخرج بعدها ميخائيل جوربا تشوف يعلن عام 1991م عن تفكيك الاتحاد السوفيتى وانهيار المعسكر الشيوعى ويقدم إستقالته ، لتبقى الساحة الدولية مفتوحة للمعسكر الغربى الرأسمالى وزعيمته الكبرى الولاياتالمتحدةالامريكية التى انفردت بتوجيه السياسة العالمية .. سعيا لنشر القيم الغربية التى اعتمدت على الديمقراطية كنظام سياسى ، والرأسمالية كنظام إقتصادى ، والحرية والمساواة كنظام اجتماعى . هناك مقولة تعلمناها من كتب التاريخ ( من أراد ان يملك العالم فليملك قلبه ) وقلب العالم هو الوطن العربى والعالم الاسلامى ، والمحافظون الجدد الذين صعدوا الى سدة الحكم فى أمريكا فى نهاية القرن الماضى وبداية القرن الحالى راودهم حلم "إمتلاك العالم " وتحويل امريكا الى إمبراطورية ترث ما خلفته الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية من مغتصبات فى دول العالم الثالث ( مستعمرات بلغة المحتل ) لتعيد إحتلاله وإغتصابه مرة أخرى فى ظل التفكك والنزاعات والخلافات والحروب الاهلية والقبلية التى كان يعانى منها دول العالم الثالث خاصة الدول العربية والاسلامية ، وما أن اتيحت الفرصة لامريكا ورئيسها جورج بوش الابن حتى أنقضت على أفغانستان وإبتلعتها بحجة محاربة الارهاب ( طالبان والقاعدة ) عام 2001م ، ثم أبتلعت العراق عام 2003م بحجة تحرير الشعب العراقى من نظام ديكتاتورى ( صدام وحزب البعث ) وتحت ذرائع كاذبة (امتلاكه اسلحة دمار شامل ) ، وتوالى الزحف الامريكى بقوة السلاح والمؤامرات وإثارة الفتن القبلية والمذهبية وبحصارالشعوب على الصومال والسودان وباكستان واليمن ولبنان والبقية تأتى . وبمقارنة بسيطة بين وعود جورج بوش الاب ، وأفعال جورج بوش الابن تجد ان الشعوب الضعيفةهى فقط من دفعت ثمن الخديعة الكبرى وخسرت أوطانها وثرواتها وحريتها وكرامتها باسم النظام العالمى الجديد ، ليس هذا فحسب بل توالت اعترافات الكبار بجرائمهم دون أى احساس بالندم او الشعور بالخزى والعار مما أرتكبوه بحق امتنا العربية والاسلامية : 1 – الالاف الوثائق التى خرجت من موقع ويكيليكس تظهر جرائم المحتل الامريكى وأعوانه وعملائه فى العراق وأفغانستان تؤكد انهيار امريكا والغرب اخلاقيا وارتكابهم جرائم أقل ما توصف به بانها جرائم حرب ، وجرائم هى بكل المقاييس عار فى جبين دعاة الحرية والمساواة والعدالة ، ولم نسمع ان القانون الدولى وما يسمى بالشرعية الدولية طالبت بمحاسبة الجناة على جرائمهم بحق الضحايا والابرياء ، بل ان الامر طوى صفحته وكان شيئا لم يحدث وأنشغل العالم بطرود المتفجرات التى تهدد الكبار فى العالم الغربى الحر ليغطى على ملايين من جثث الضحايا راحت بالفعل نتيجة للاجرام الامريكى ..ولا عزاء للضحايا . 2 – جورج بوش نفسه اعترف فى مذكراته عن قراره السماح باستخدام التعذيب في استنطاق متهمين في قضايا إرهاب ، واستخدام اسلوب الايهام بالغرق لاجبار المحتجزين على الاعتراف ، وهو فى هذا لا يختلف عن أى ديكتاتور او طاغية عرفته البشرية وبالرغم من ذلك يعيش حرا طليقا دون حساب او عقاب ، وكأن اعترافه هذا لا يعتبر انتهاكا للقانون الدولى أو قوانين امريكا التى تحكم العالم بقانون الغاب . 3 – جرائم تعذيب العراقيين فى سجن ابو غريب بالعراق ، ومعتقل جوانتانمو الامريكى الخارج عن كل قوانين الارض والمتهم بإرتكابه جرائم اعتقال واسر اشخاص لم يخضعوا لاى محاكمة عادلة حتى اليوم ، وعمليات التعذيب التى تجرى فى السجون السرية لانتزاع الاعترافات .. كل هذا يحدث باسم النظام العالمى الجديد الذى بشرنا به بوش الاب وطبقه بوش الابن وفشل اوباما فى تحسين صورة امريكا امام شعوب العالم ، فإنهارت امريكا وقيمها التى أرادت تصديرها الى العالم ..وانهار النظام العالمى الجديد وتحول العالم الى فوضى هدامة ، وسيطر الغضب على الشعوب وبات الوضع أقرب الى المواجهة بين عالم يدعى الحرية حق للشعوب وعالم كفر بتلك الحرية المزعومة وكفر بأمريكا وبقيمها ونظمها .. !! 4 - عاموس يادلين رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية يعترف بمئات الجرائم التى أرتكبها جهازه على مدى خمس سنوات ما بين قتل وأغتيالات واثارة فتن طائفية وتهديد امن بلدان عربية واسلامية ، اعترافات تستفز الحجر ولكنها لم تستفز الشعوب العربية التى انشغلت عن قضايا امتها بالبحث عن ما هو أهم ( لقمة العيش ) ، مع ان الواقع يقول ان حتى لقمة العيش لن يحصلوا عليها مستقبلا مادام الكبار وجرائمهم خارج طائلة القانون وفوق المحاسبة ، وان اعترافات الكبار ماهو الا دليل دامغ على غياب القانون الكبار يعترفون كتابة وقولا ليس رغبة فى إبراء الذمم ولا اظهارا للحقيقة التى لم تك خافية على احد ، ولا ندما على ما أقترفوه من جرائم ، ولا حتى من باب تحمل المسؤلية الاخلاقية ، بل غرورا واستكبارا واستعلاء صريح بأنهم فوق كل قوانين الارض ، تتوالى إعترافاتهم إمعانا فى قهر وإذلال الشعوب التى فقدت القدرة على إعلان غضبها والثأر لكرامتها ، وثبت عجزها عن الفعل او حتى رد الفعل مادام هناك وكلاء للكبار يقيدون الصغار ، فهل اعترافات عاموس التى قال فيها ( أما في مصر، الملعب الأكبر لنشاطاتنا، فإن العمل تطور حسب الخطط المرسومة منذ عام 1979، فلقد أحدثنا الاختراقات السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية في أكثر من موقع، ونجحنا في تصعيد التوتر والاحتقان الطائفي والاجتماعي، لتوليد بيئة متصارعة متوترة دائماً، ومنقسمة إلى أكثر من شطر في سبيل تعميق حالة الاهتراء داخل البنية والمجتمع والدولة المصرية، لكي يعجز أي نظام يأتي بعد حسني مبارك في معالجة الانقسام والتخلف والوهن المتفشي في مصر) هل أستفزت الشعب المصرى على سبيل المثال لا الحصر ؟ وفاء اسماعيل 13 – 11 - 2010