الاتحاد المتوسطي: تأبيد للتخلف الاقتصادي وتطبيع مجاني مع العدو الصهيوني بقلم :عبد الكريم عمر أعلنت تونس يوم الجمعة الفارط أن انعقاد قمة الاتحاد من اجل المتوسط يتطلب توفر شروط منها "تحسن الوضع في الشرق الاوسط" لا سيما من خلال استئناف مفاوضات السلام المتعثرة. ونقلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء أن تحسن الوضع يجب أن يسير "في اتجاه استئناف مفاوضات السلام المعطلة حاليا جراء اصرار اسرائيل على مواصلة سياسة الاستيطان". وهذا موقف ايجابي .. من المهم تثمينه .
ويذكر أن مشروع الاتحاد المتوسطي أثار تباينات حادة في وجهات النظر وهي ظاهرة صحية لما يحيط بهذا المشروع من شكوك حول طبيعته وأهدافه ومصلحة الدول العربية منه خاصة أنه يشمل أيضا الكيان الصهيوني.
إن المشروع المتوسطي يهدف إلى إيجاد مجال أوسع لصادرات المراكز الرأسمالية (أوروبا والكيان الصهيوني) من سلع وخدمات ورؤوس أموال. فمشروع الاتحاد المتوسطي هو عبارة عن مشروع لإقامة منطقة تجارة حرّة للسلع المصنعة وبالضرورة سوف يعطي معاملة تفضيلية لصادرات الاتحاد الأوروبي من هذه السلع إلى البلدان العربية المتوسطية. لكن هذه الميزة ليست كبيرة إذا أخذنا في الاعتبار أن أهمّ الأسواق العربية هي الأقطار العربية النفطية الخليجية وهذه البلدان تفتح أسواقها دون أي حماية تذكر على صادرات الدول الأجنبية (أوروبا – اليابان – أمريكا – الصين...) كما أنّها تعتبر أهم مستورد للسلاح ويوجد للولايات المتحدةالأمريكية نفوذ كبير مستمد من الاعتبارات الأمنية للأنظمة الخليجية. لذلك نتساءل: لماذا كل هذا الإصرار على هذه المنطقة للتجارة الحرة في هذا المشروع المتوسطي من قبل بعض الحكومات الأوروبية الغربية (فرنسا وألمانيا...) التي تحرص على استكمال هذا المشروع بحلول سنة 2010. إن ذلك يعكس مصلحة الدول الأوروبية في الوقت الذي تتحفظ فيه هذه الدول على إقامة منطقة حرة تشمل السلع الزراعية أو منتوجات الصناعات الاستخراجية التي قد تكون للأقطار العربية المتوسطية فيها مصلحة أفضل. إن ذلك يعكس أيضا موقفا سياسيا استراتيجيا يجسّد التحالف الاستراتيجي بين هذه الدول وبين الكيان الصهيوني . هذا الكيان الذي يحرص الأوروبيون دوما على إدماجه في المجموعة العربية مباشرة أو بواسطة من خلال منطقة تجارة حرّة كما يحرصون على ذلك مع الإدارة الأمريكية على إدماجه في المشروع الشرق الأوسطي. ولكن ما هي مصلحة الأقطار العربية المتوسطية ومنها تونس من وراء هذا المشروع المتوسطي؟ سيكون لمنطقة التجارة الحرّة إجمالا آثار سلبية على هذه الأقطار إذ سيؤدي هذا الأمر إلى القضاء على الصناعات العربية التحويلية القائمة أو على أغلبها وسوف يحول دون تطوير صناعات تحويلية فيها. إن انفتاح أسواق الأقطار العربية المتوسطية ومن دون حماية على استيراد سلع مصنّعة متطورة وذات تقنية عالية سيشكّل عقبة على طريق إقامتها في هذه الأقطار في ظل خيارات اقتصادية ليبرالية تعتمد اقتصاد السوق والمبادرة الخاصة التي تستهدف الرّبح أولا وأخيرا وقطعت مع خيارات القطاع العام في قيادة العملية التنموية. انه غالبا ما تتخصص هذه الأقطار في إنتاج المواد الأولية والسلع الزراعية والسلع المصنعة الخفيفة والتي تميل أسعارها في المدى الطويل إلى الانخفاض مما يؤدي إلى تكريس التخلف العكسي أو النسبي. إن الهدف من الترتيب "الشرق أوسطي" ومن الترتيب "المتوسطي" المعلن ليس مجرد تعاون اقتصادي مع الاتحاد الأوروبي فهو موجود من خلال اتفاقيات شراكة وليس مجرد تعاون اقتصادي مع الكيان الصهيوني وإنما ترتيب المنطقة اقتصاديا لصالح الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. وبالنسبة إلى الكيان الصهيوني فان ذلك يتم من خلال مدّه بسوق واسعة لمنتجاته وتوفير مصادر المواد الأوّلية الرخيصة وخصوصا النفط والغاز وأيضا مصادر جديدة لليد العاملة الرخيصة وتوفير رؤوس الأموال أو انتقالها بشكل واضح. كل هذا سوف يسمح لهذا الكيان العنصري بالاستفادة من كل هذه العناصر وتدفق رؤوس الأموال الأجنبية. وعلى فرضية انه لا يمكن نفي إمكانية وجود بعض الفوائد لبعض الفئات الرأسمالية في هذه الأقطار ولكن الكثيرين من الذين يفترضون ذلك يفترضون أن الكيان الصهيوني دولة عادية. وواقع الأمر خلاف ذلك. فهذا الكيان يلهث من وراء الهيمنة الاقتصادية والتفوق العسكري إلى تحقيق هدف محوري هو الوجود الدائم والأمن استراتيجيا وعلى حساب أهل الأرض الأصليين في فلسطين والمنطقة. لذلك يمثل المشروع المتوسطي مشروعا للتطبيع المعلن مع العدو الصهيوني ، وهو يستهدف إسقاط قرار المقاطعة العربية الذي ظل رغم الاختراقات هنا وهناك من بعض الحكومات العربية أسلوبا ناجحا وفعالا إلى حد كبير. انه بزوال المقاطعة العربية ولو جزئيا للكيان الصهيوني ستحظى الصناعة فيه بطلب جديد نتيجة اتساع السوق العربية في الوقت الذي لا تستفيد هذه الدول من السوق الصهيونية بسبب ضعف القدرة التنافسية لمكونات ناتجها الوطني (القومي) الذي يعود في جزء كبير منه إلى الفجوة التنموية بين الاقتصاد الصهيوني والاقتصادات العربية خلال العقود الماضية. وقد تبين أن صادرات هذا الكيان تجاوزت 12 مليار دولار عام 1990 و 15 مليارا دولارا سنة 2002 وهي أكبر من إجمالي صادرات كل من مصر وسوريا والأردن البالغة حوالي 10 مليار دولار سنة 2002. إننا على يقين بأنّ هناك اختراقات قائمة في ظل المقاطعة العربية للكيان الصهيوني إذ تشير مصادر "إسرائيلية" إلى أن العديد من السلع "الإسرائيلية" يجري إعادة تصديرها إلى بعض الأقطار العربية بعد إعادة التغليف تحت علامات تجارية مختلفة للتمويه ومن خلال الوسطاء عبر بلد ثالث وقد تم تقدير حجم هذه الصادرات بنحو نصف مليار إلى مليار دولار سنويا. وليس من المستبعد وفي ظل هرولة بعض الأنظمة العربية نحو التطبيع ورفع الحواجز والعوائق أمام منتجات الكيان الصهيوني أن تكون التجارة بين هذا الكيان وبعض الأقطار العربية أكبر نسبيا من حجم التجارة بين هذه الأقطار العربية