الرئيس الأسبق لحركة «النهضة».. وعشرون عاماً من السجن والتعذيب تونس.. ماذا بعد إطلاق سراح د. الصادق شورو؟! عبد الباقي خليفه بعد عشرين عاماً من التعذيب النفسي والبدني، وجميع صنوف التنكيل، يعود «د. الصادق شورو» إلى أسرته.. وبذلك يكون أول سجين سياسي في تونس يقضي هذه الأعوام الطويلة في السجن بسبب آرائه السياسية، لم نسمع خلالها أن باريس أو لندن أو واشنطن أو برلين، أو غيرها من العواصمالغربية طالبت بإطلاق سراحه، أو تبنّت قضيته كما تفعل مع العديد من «المناضلين» في العالم، وآخرها المناشدات التي انهمرت فجأة على الحكومة العراقية لتتراجع عن تنفيذ الحكم الصادر بحق «طارق عزيز»، من موسكو وحتى الفاتيكان، ولم نسمع أنها فعلت ذلك مع غيره! وما يختلف فيه «د. الصادق شورو» عن الكثيرين أنه قدّم ما فيه الكفاية، ولا يزال مستعداً لتقديم المزيد حتى آخر يوم في حياته؛ من أجل تحقيق إنسانيته، والشهادة على زمنه، وضرب الأمثال للأجيال في عصره ومِنْ بعده. وذلك، رغم تواصل معاناته، وتردّي صحته، والجرائم التي تم ارتكابها بحقه في داخل السجن، والتي توازي جرائم الصهاينة في فلسطين بحق المعتقلين الفلسطينيين، وجرائم الصرب في تسعينيات القرن الماضي ضد معتقلي المعسكرات الجماعية في البوسنة وكوسوفا. كما كان «د. الصادق شورو» شاهداً على محاكم التفتيش في تونس، التي توازي وحشيتها فظائع محاكم التفتيش الكنسية في إسبانيا، وأفران الغاز النازية في ألمانيا، وفظائع «الخمير الحمر» في كمبوديا، وكل الممارسات الفاشية في التاريخ القديم والحديث.. فلا يمكن لسلطة - وصلت إلى الحكم بمغامرة، واستمرت فيها بالقمع وإلغاء حقوق الإنسان - أن ترى في إنسانية الإنسان خطاً أحمر، وفي حق الشعب في الاختيار حقاً مكفولاً، وفي التاريخ والأجيال حاكماً على سلوكها. غياب الحريات لقد عبّر «د. الصادق شورو» - في كلمته الشهيرة أمام المحكمة - عن إصراره على حقه وحق حركته في الوجود والتعبير، وكانت رسالته واضحة، وهي أن المظالم في تونس تعكس غياب الحريات، حتى وإن حاولت السلطة تحويل الأنظار عن جوهر القضية، واختلاق مبررات سياستها الاستئصالية للمعارضة، ولاسيما المعارضة الإسلامية. ولم تُرهب أساليب النظام الستالينية «د. شورو»، الذي أكد في وقت سابق أن تلك الأساليب - رغم بربريتها - لن تفت في عزمه، وقال: «لن أصمت، ولو عدت إلى السجن بعد مغادرته». وقد كانت لنا تجربة قصيرة في السجن، ولذلك ندرك ماذا يعني «د. الصادق شورو» بكلماته.. فالنظام الحاكم يطلب من ضحاياه عند مغادرة السجن أن يتكتموا على ما تعرضوا له من تعذيب وانتهاك آدميتهم وإنسانيتهم، أي أن يساهموا في التعتيم على ما تعرضوا له، لإدراكه لفظاعته، ومع ذلك يمارس الضغوط ليسكتوا! وتابع «د. شورو» قائلاً: «إن من أصدر الأمر بسجني بتهمة باطلة أراد إسكاتي، لأنه لم يستسغ ما قلت من شهادة حق تدين كل من تورط في التعذيب والاضطهاد، وإصدار الأحكام الظالمة». وأشار إلى طبيعة الخلاف مع النظام الذي «يصر على استعباد البلاد والعباد، ويعمل على خنق كل صوت حر، ويحرص على تفجير الأوضاع من خلال الإصرار على جعل الحكم غنيمة لا مسؤولية يكلف بها الشعب من يرتضيه عبر انتخابات حرة ونزيهة، وتحت إشراف جهات مستقلة معروفة بالنزاهة والكفاءة والشفافية، وليست وزارة الداخلية التي لا يمكن أن تمثل تلك الجهات.. إن خلافنا مع النظام خلاف سياسي، وقد تمسك بعدم حله سياسياً». كما رفض «د. شورو» سياسة الترهيب التي يمارسها النظام ضد المعارضة، والتي تتخذ شكلاً قاسياً مع الإسلاميين، فقد أُعيد إلى السجن بعد نحو شهر من قضائه 18 عاماً متواصلة وراء القضبان، كما لو كان بالفعل في معتقل نازي، فقد تغيرت ملامحه كثيراً، وبدت آثار المعاناة على وجهه! تونس «السجينة» في 30 أكتوبر2010م، تم إطلاق سراح «د. الصادق شورو»، دون تقديم أيٍّ من الجلادين للمحاكمة، ودون الحكم له بأي تعويضات، رغم أنها - أياً كان مقدارها - لا يمكن أن تعوضه عن كل ما تعرض له من تنكيل، وما عانته أسرته في غيابه. تم إطلاق سراح «د. شورو»، أو بالأحرى انتقل من السجن الصغير إلى السجن الكبير المسمى «تونس».. بل يجب القول: إن تونس لا تزال في السجن، ولا تزال في الأَسْر تحت حراسة حارس نازي، حوّل البلاد إلى معتقل كبير؛ حيث حققت تونس الرقم القياسي في عدد الإضرابات عن الطعام التي يخوضها المناضلون الرافضون لسياسة الإخضاع بقوة البوليس، وعملية الإقصاء السياسي بالقمع وقطع الأرزاق، ومنع جوازات السفر؛ حيث لا يزال الآلاف - خارج تونس وداخلها - محرومين من حقهم في جوازات السفر، وكاتب هذه السطور واحد منهم. ولا تزال أجهزة النظام الحاكم الأمنية تعتدي على النقابيين، وتضيِّق على الصحفيين والإعلاميين، وتمارس العنف ضد المسيرات الاحتجاجية، وعلى المعارضين، والناشطين من الطلبة وتزج بهم في السجن، وتستمر المراقبة الأمنية اللصيقة للمناضلين، مما جعل الكثير من المنظمات الحقوقية تُعرب عن قلقها من وضع حقوق الإنسان والحريات في تونس. ويمكن إلقاء نظرة على النشرات الإخبارية المستقلة - مثل «تونس نيوز»، أو شبكة «الحوار نت»، أو «الفجر نيوز»، أو «السبيل أونلاين»، وغيرها - ليدرك المرء طبيعة المعتقل النازي الذي تجد تونس نفسها فيه، وتتحول بدورها إلى سجن كبير يضيق على الأحرار ويضيق فيه السجان بالأحرار. ثقوب في جدار القمع عندما خرج «د. الصادق شورو» من السجن، كان الكثير من الناس قد تحرروا من الخوف، فتوافدوا على منزله، رغم أن البوليس سبقهم إليه، ومن بينهم حقوقيون، ومناضلون في الأحزاب، وصحفيون، ومواطنون يدركون حجم المظلمة التي سُلطت على الأحرار من أبناء تونس، أبناء الحركة الإسلامية وقياداتها التي جُبلت على الصبر في المكاره، والإدراك بأن حمل قضايا الأمة يهون في سبيلها كل شيء، وحتى الحياة لا يُضن بها عليها. ونختم بما قاله «د. شورو» بعد سنوات سجنه، حتى يتعلم الشباب معاني التضحية والفداء، والالتزام بمقتضيات الانتماء للإسلام؛ حيث قال: «إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، ولن يثنيني عن التمسك بحقي في التعبير والتفكير». وأكد «د. الصادق شورو» - وهو يحصي سنوات السجن، مستذكراً معاناته الطويلة داخله - أن «قوة الحق أقوى من أساليب القمع والترهيب مهما كان حجمها، وأنه لا بديل ولا حياد عن الاستمرار في المطالبة بجميع الحقوق المسلوبة، وفي مقدمتها حق الفرد في المواطنة والإنسانية، وحق الوطن في أن يقوده من ينتخبه الشعب.. لا بديل عن حريات مدنية وسياسية فعلية وحقيقية، ولا بديل عن عدالة اجتماعية لا تمييز فيها بين فئات أو جهات، ولا مناص من إرجاع الحقوق إلى أصحابها». مجلة المجتمع الكويتية.