تونس: ماذا بعد إطلاق سراح الدكتور الصادق شورو الدكتورالصادق شورو: لا مناص من إرجاع الحقوق إلى أصحابها عبدالباقي خليفة بعد 20 سنة من التعذيب النفسي والبدني، وجميع صنوف التنكيل المعبرة بسفور، عن مستوى الانحطاط القيمي الانساني لدى النظام الحاكم في تونس، والذي يستمد شرعيته من قوة القمع التي يمتلكها، ومن الوكالة للكفيل الدولي الذي يوفرله الغطاء والحماية . بعد هذه السنوات من الألم، ومن التضحية، والنضال، يعود الدكتور الصادق شوروإلى أسرته . وبذلك يكون أول سجين سياسي في تونس يقضي مدة 20 سنة في السجن بسبب آرائه السياسية. لم نسمع خلالها أن باريس، أولندن، أوواشنطن، أوبرلين، أوغيرها من العواصمالغربية قد طالبت باطلاق سراحه، أوتبنت قضيته، كما تفعل مع العديد من ( المناضلين ) في العالم، وآخرها المناشدات التي انهمرت فجأة على الحكومة العراقية لتتراجع عن تنفيذ الحكم الصادر بحق طارق عزيز،من موسكو وحتى الفاتيكان، ولم نسمع أنها فعلت ذلك مع غيره . قضية تحررأمة : إن قضية الدكتورالصادق شورو،لا تنفصل عن قضايا التحرر في البلاد العربية. إذ أن الأنظمة الإستبدادية العميلة، ليست سوى شكلا من أشكال الاحتلال غيرالمباشر. وهو نوع أكثر ضررا من الاحتلال المباشر، لأن مصالح القوى المعادية للأمة، يتم تحقيقها على أيادي الخونة المحسوبين على الأمة. مع توفير دماء جنود المحتل، وتحميل الجرائم المرتكبة بحق المواطن والوطن للسطة التنفيذية للمحتل ( السلطة الوطنية )، من قمع وفساد وسرقات، وحماية للتخلف التقني. وحصرالتقدم في محاكاة قعرالمجتمع الغربي، من ملبس ومأكل، ومركب ، وطريقة حياة . دون أي أدنى تفكير في تصنيع أدوات طريقة تلك الحياة، سواء على مستوى البنية التحتية، أوالتصنيع بمفهومه الشامل. فهناك مهرجانت سينمائية، ومهرجانات شعرية، ومهرجانات شعبية، ومعارض من الأزياء على الطريقة الغربية، إلى اللوحات والصناعات التقليدية، لكننا لم نشاهد على مدى أكثر من نصف قرن من الاستقلال أي معارض للتصنيع، أوالاختراعات الوطنية. لذلك فإن هذه الأنظمة التي لم ينتخبها أحد، وفرضت نفسها فرضا على الناس بقوة الحديد والنار، تعد امتدادا للاحتلال الأجنبي، ووكيلا له. وليس أدل على ذلك، من حالة الإذلال التي يعيشها المواطن ( بضم الميم ) في كل المواطن ( بنصب الميم ) داخل ( الوطن ) ، كما لو كان هذا ( الوطن ) سوقا للعبيد ، وليس وطنا للأحرار. فلا أحد بامكانه التعبير بما يجيش في داخله، وما يحسه، وما يراه ويسمعه . كما لوكان أمر الوطن لا يعنيه، إلا عندما يحين وقت دفع الضرائب، أوأداء الخدمة العسكرية، أواعلان التعبئة العامة، أودفع الفواتير، فيدفع إلى كل ذلك دفعا، باسم وطن لا يشعر بمواطنته فيه . شهادة على الناس : وما يختلف فيه الدكتور الصادق شورو( عنا ) هوأنه قدم ما فيه الكفاية ولا يزال مستعدا لتقديم المزيد حتى حياته من أجل تحقيق انسانيته، والشهادة على زمنه، وضرب الأمثال للأجيال في عصره، ومن بعده . وذلك رغم تواصل معاناته، وتردي صحته، والجرائم التي ارتكبت بحقه في داخل السجن، والتي توازي جرائم الصهاينة في فلسطين بحق المعتقلين الفلسطينيين، وجرائم الصرب في تسعينات القرن الماضي ضد معتقلي المعسكرات الجماعية في البوسنة وكوسوفا. كما كان الدكتورالصادق شورو شاهدا على محاكم التفتيش في تونس، والتي توزاي فضائحها فضائع محاكم التفتيش الكنسية في اسبانيا، وأفران الغاز النازية في ألمانيا، وفضائع الخميرالحمر، وكل الممارسات الفاشية في التاريخ القديم والحديث. فلا يمكن لسلطة وصلت للحكم بمغامرة ، واستمرت فيها بالقمع وإلغاء الانسان، أن ترى في انسانية الانسان خطا أحمر، وفي حق الشعب في الاختيار حق مكفول، وفي التاريخ والأجيال حاكما على سلوكها . حواراليد والمخرز : كان بن علي ميكافيليا بامتياز، كما ذكرنا في أوقاتا سابقة، ومن أسس الميكافيلية أن تكون أفعال الميكافيلي مخالفة لأقواله، فإذا سمعتم بن علي يلقي كلمة كتبت له، فاسمعوها بطريقة عكسية، أي خلاف ما تشير إليه معاني الكلمات الملقاة . وهذا ما تفطن إليه البعض، ويا للأسف، بعد 20 سنة، من حكم شخص لا يمكن أن يكون سوى حارس معتقل نازي، بشخصيته وصوته وخلفيته العسكرية. وقد تجسدت هذه الطبيعة بشكل أكبرفي تونس اليوم . فتونس في عهد بن علي معسكر نازي تحت حراسته، وهو أسوأ من بورقيبة بكل المقاييس، وكانت خلفيته العسكرية قد أهلته لأن يكون أكثر قساوة وفجاجة وخسة في التعامل مع المعارضين من سلفه خريج الحقوق. لقدعبرالدكتورالصادق شورو، في كلمته الشهيرة أمام المحكمة عن إصراره على حقه وجق حركته في الوجود والتعبير. وكانت رسالته واضحة وهي أن المظلمة في تونس، تعكس غياب الحريات، حتى وإن حاولت السلطة تحويل الأنظارعن جوهرالقضية. واختلاق مبررات سياستها الاستئصالية للمعارضة، ولا سيما المعارضة الاسلامية. لم ترهب الأساليب الستالينية للنظام الدكتورشورو، الذي أكد في وقت سابق على أن تلك الأساليب رغم بربريتها لن تفت في عزمه " لن أصمت ولوعدت إلى السجن بعد مغادرته ". وقد كانت لنا تجربة قصيرة في السجن، ولذلك ندرك ماذا يعني الدكتور الصادق شورو بكلماته، فالنظام الحاكم يطلب من ضحايا عند مغادرة السجن، أن يتكتموا على ما تعرضوا له من تعذيب وانتهاك آدميتهم وانسانيتهم،أي أن يساهموا في التعتيم على ما تعرضوا له، لإدراكه لفضاعته ومع ذلك يمارس الضغوط ليسكتوا " إن من أصدر الأمر بسجني بتهمة باطلة، أراد إسكاتي لأنه لم يستسغ ما قلت، لأن ما قلته شهادة حق، وهي شهادة تدين كل من تورط في التعذيب، والاضطهاد، وإصدار الأحكام الظالمة". وأكد الدكتور شورو على طبيعة الخلاف مع النظام، الذي يصرعلى استعباد البلاد والعباد، ويعمل على خنق كل صوت حر، وعلى تفجير الأوضاع من خلال الإصرار على جعل الحكم غنيمة لا مسؤولية يكلف بها الشعب من يرتضيه عبر انتخابات حرة ونزيهة وتحت إشراف جهات مستقلة معروفة بالنزاهة والكفاءة والشفافية ، وليست وزارة الداخلية هي التي يمكن أن تمثل تلك الجهات" إن خلافنا مع النظام، خلافلا سياسي، وقد تمسك بعدم حله سياسيا " كما رفض الدكتورشورو، سياسة الترهيب التي يمارسها النظام ضد المعارضة، والتي تتخذ شكلا قاسيا مع الاسلاميين، فقد أعيد للسجن بعد اسبوعين من قضائه 18 سنة متواصلة وراء القضبان، كما لوكان بالفعل في معتقل نازي، فقد تغيرت ملامحه كثيرا، وبدت آثار المعاناة على وجهه . تونس السجينة : في 30 أكتوبر2010 م أطلق سراح الدكتورالصادق شورو، دون أن يقدم أي من الجلادين للمحاكمة، ودون أن تقدم له أي تعويضات، رغم أن أي تعويضات لا يمكن أن تعوض كل ما تعرض له من تنكيل، وما عانته أسرته في غيابه. أطلق سراح الدكتور شورو، أو بالأحرى انتقل من السجن الصغير إلى السجن الكبير المسمى تونس. بل يجب القول إن تونس لا تزال في السجن، ولا تزال في الأسر تحت حراسة حارس نازي، حول البلاد إلى معتقل كبير، بل معتقلة كبيرة. فتونس حققت الرقم القياسي في عدد إضرابات الجوع التي يخوضها المناضلون الرافضون لسياسة الاخضاع بقوة البوليس، وعملية الاخصاء السياسي بالقمع وقطع الأرزاق، ومنع جوازات السفر، حيث لا يزال الآلاف خارج تونس وداخلها محرومين من حقهم في جوازات السفر وكاتب هذه السطور منهم .ولا يزال يعتدى على النقابيين، ويضيق على الصحافة والصحافيين،ويعتدى بالعنف على المسيرات الاحتجاجية، وعلى المعارضين، كما يعتدى على الناشطين من الطلبة ويزج بهم في السجن، وتستمر المراقبة الأمنية اللصيقة للمناضلين، مما جعل الكثير من المنظمات الحقوقية تعرب عن قلقها من وضع حقوق الانسان والحريات في تونس. ويمكن إلقاء نظرة عن النشرات الاخبارية المستقلة كتونس نيوز، أو شبكة الحوار نت، أوالفجر نيو، أوالسبيل انلاين، وغيرها ليدرك المرء نوع المعتقل النازي الذي تجد تونس نفسها فيه، وتتحول بدورها إلى سجن كبير يضيق على الأحرارويضيق فيه السجان بالأحرار . ثقوب في جدارالقمع : عندما خرج الدكتور الصادق شورو من السجن، كان الكثيرمن الناس قد تحرروا من الخوف، فتوافدوا على منزله، رغم أن البوليس سبقهم إليه، ومن بينهم حقوقيون، ومناضلون في الأحزاب، وصحافيون، ومواطنون يدركون حجم المظلمة التي سلطت على الأحرار من أبناء تونس، أبناء الحركة الاسلامية وقيادتها" التي جبلت على الصبر في المكاره، والإدراك بأن حمل قضايا الأمة يهون في سبيلها كل شئ، وحتى الحياة لا يضن بها عليها . ونختم هذه العجالة بما قاله الدكتور شورو بعد سنوات سجنه، ليتعلم الشباب معاني التضحية والفداء، والالتزام بمقتضيات الانتماء للاسلام " إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر، ولن يثنيني عن التمسك بحقي في التعبيروالتفكير" ويؤكد الدكتور الصادق، وهو يعد سنوات السجن ، ومعاناته الطويلة داخله ، على أن قوة الحق أقوى من أساليب القمع والترهيب مهما كان حجمها وأنه لا بديل ولا حياد عن الاستمرار في المطالبة بالحقوق كل الحقوق، حق الفرد في أن يعيش مواطنته ، وانسانيته ، وحق الوطن في أن يقوده من ينتخبهم الشعب" لا بديل عن حريات مدنية وسياسية فعلية وحقيقية ولا بديل عن عدالة اجتماعية لا يميز فيها بين الفيئآت ولا بين الجهات، ولا مناص من إرجاع الحقوق إلى أصحابها " . وهذا ما يجب أن نؤكد عليه نحن أيضا . الدكتورالصادق شورو في سطور : هوالدكتور الصادق بن حمزة بن حمودة شورومن مواليد 10 فبراير 1948 م، حصل على الدكتوراة في الكيمياء من كلية العلوم بتونس. وقام بتدريس هذه المادة في كلية الطب حتى 1991 . عضو لجنة البحث العلمي بالمركز الجامعي للبحث العلمي ببرج الصدرية . عضو نقابة التعليم العالي للاتحاد العام التونسي للشغل . انضم لعضوية مجلس الشورى المركزي لحركة النهضة التونسية في ثمانينات القرن الماضي . انتخب في مؤتمر الحركة عام 1988 م رئيسا للحركة وظل في منصبه حتى اعتقاله في 17 فبرايرسنة 1991م .وفي شهر أغسطس 1992 م حكم عليه بالسجن مدى الحياة . بعد 18 سنة قضاها في السجن، منها 13 سنة في سجن انفرادي،وتنقل فيها بين عدة سجون ليعيش الوانا من العذاب، وأسرته أشكالا من المعاناة، أطلق سراحه في 5 نوفمبر 2008 م. ولم يمض سوى أسبوعين، حتى تم اعتقاله مجددا في 3 ديسمبر 2008 م بسبب تصريحات تحدث فيها عن التعذيب الذي تعرض له، واعتزازه بالانتماء لحركة النهضة . . متزوج وله 4 أبناء هم أسماء، وهاجر، ووجيه، وإسلام .