تبقى بريطانيا بلد الألغاز و»العجايب» والمفاجآت.. من جهة فاز فيها المواطنون البريطانيون المسلمون ب 8 مقاعد في البرلمان بينهم 3 نساء، فيما ارتفع عدد المسلمين الأعضاء في مجلس اللوردات إلى 11. وفازت الباكستانية المسلمة السيدة سعيدة وارسي بلقب « أول وزيرة مسلمة» في حكومة السيد كامرون (بمثابة الكاتب العام للحكومة) بينما فتحت أمام عشرات من البريطانيين المسلمين فرص تقلد عدة مسؤوليات «حساسة» وطنيا وجهوبا بمافي ذلك في المؤسسات الامنية والاستخباراتية والعسكرية والديبلوماسية.
في نفس الوقت قدر عدد المساجين المسلمين في سجون بريطانيا بأكثر من11 ألفا (من بين 80 ألفا) بينهم حوالي 200 من بين المتهمين بالانتماء إلى تنظيمات دينية متطرفة ومسلحة جل عناصرها من بين البريطانيين المسلمين الآسيويين والأفارقة غالبا والذين شاركوا في»مخيمات» تدريب على استعمال السلاح في غابات وجبال حول لندن؟
فما هي أحوال ال 4 ملايين مسلم بريطاني ؟ وكيف يعيشون في بلد يعد الشريك الأول للولايات المتحدةالأمريكية في حروبه في العراق وأفغانستان وباكستان، أي في المنطقة التي ينحدر منها حوالي نصف مليون مسلم عربي بريطاني وأكثر من 3 ملايين بريطاني باكستاني؟ تنقلنا بين عدد من المراكز والجمعيات الثقافية البريطانية الإسلامية واليهودية والمسيحية شرقي لندن وغربها وشمالها وجنوبها، فإذا بأغلبها يرفع نفس اليافطة تقريبا: الدعوة للحوار بين الشباب من معتنقي مختلف الأديان، ودعم قيم الانفتاح والتعايش ونبذ العنصرية و»الاسلاموفوبيا»(الخوف من الاسلام)، ومحاولة معالجة مشاغل ملايين الشباب والعائلات المسلمة لحماية أبناء المهاجرين من ظواهر استفحلت بينها تعاطي المخدرات والاتجار فيها، والعنف والايدز والامراض النفسية والعصبية والتطرف الديني والارهاب..الخ.
وإذ تتحرك آلاف المراكز والجمعيات الثقافية والشبابية والنسائية البريطانية الاسلامية في تجمعات المهاجرين في كامل بريطانيا وخاصة في لندن ومانشستر وليتستر واوكسفورد تتعاقب «الإشارات الحمراء» التي تؤكد تورط نسبة من أبناء المسلمين مع التنظيمات المتطرفة المسلحة مثل»القاعدة» والتي سبق لها أن نظمت تفجيرات 7جويلية 2007 الشهيرة وحاولت تنظيم هجمات أخرى بعد ذلك بأسابيع. ولعل من بين»رموز» هذه المجموعات شاب يدعى «محمد حميد» سمى نفسه «أسامة بن لندن» تعبيرا عن «ولاء معنوي» لزعيم القاعدة في أفغانستان السعودي أسامة بن لادن. وكان حميد ورفاقه من بين المجموعات التي أنشأت معسكرات للتحريض على قتل الأبرياء وتدريب الارهابيين على حمل السلاح وعلى العمليات الإرهابية» على حد تعبير السيد «حنيف قادر» مدير البرامج في مؤسسة رياضية ثقافية خيرية اسسها مع اثنين من إخوته رجال الاعمال اختصت في محاولة إنقاذ الشباب المسلم من التطرف والإرهاب عبر سلسلة من البرامج الثقافية والرياضية «Active Change Foundation.
معسكرات.. ومخيمات ترفيه
ولعل أطرف ما في تجربة هذه المؤسسة الشبابية والخيرية أنها تجمع شبانا وفتيات ممن «تورطوا سابقا» مع التنظيمات المسلحة مثل «القاعدة» أو بداوا يتعاطفون معها. ولاكتفي القائمون على هذه البرامج بتنظيم حوارات سياسية ودينية وثقافية ونفسية مع الشباب والفتيات بل ينظمون لفائدتهم أنشطة ترفيهية وتثقيفية ومسابقات في الالعاب الفكرية والرياضية من بينها السباحة بعضها في مقر الجمعية الذي خصص للغرض قاعات شاسعة لذلك دعمتها ماليا بعض الهيئات الخيرية المستقلة وجزئيا البلديات وقسم «الوقاية من الارهاب» في وزارة الخارجية البريطانية. واستبدلت معسكرات التدريب بمخيمات ترفيه وأنشطة رياضية وصلاة جماعية للمسلمين يحضر بعضها معتنقو ديانات أخرى مثل اليهودية والمسيحية، إلى جانب حصص «امتصاص عدوانية»هؤلاء الشباب عبر تنظيم دورات لاستخدام السلاح في الصيد وصرف أنظارهم عن استخدامه في قتل البشر والاعتداء على الأبرياء.
خطة للوقاية.. في وزارة الخارجية
الفتاة الباكستانية «زايبا موغال» موظفة سامية في قسم «الوقاية من الارهاب» في المقر المركزي بوزارة الخارجية بلندن. استقبلتنا باسمة مع زميليها في نفس الادارة بمكتبهم السيدان سيون ستافل ودان ويليامس بحضور السيدة أنجيلا وولترز الديبلوماسية البريطانية السابقة في السودان. الحوار مع المسؤولين الاربعة في وزارة الخارجية أعربوا عن تقديرهم الكبير للجهود التي تبذلها آلاف الجمعيات والمنظمات والمراكز الثقافية الاسلامية البريطانية والمؤسسات المتعددة الديانات والثقافات من أجل «إنقاذ الشباب البريطاني وخاصة أبناء المهاجرين من الوقوع ضحايا التطرف والارهاب». رغم كثير من اسئلتي»الاستفزازية»حافظ مخاطبونا على برودة دمهم»الانقليزي» وأكدوا على الصبغة الاستراتيجية «لجهود الوقاية من الإرهاب» في نظرهم. لكنهم اعترفوا أن «التحرك الوقائي ضد الارهاب وضد الخلط بين الإسلام دينا وثقافة وإيديولوجيات الإرهابيين أصبحت أكثر حساسية ودقة «بعد هجمات 11 سبتمبروحرب أفغانستان والانتفاضة الفلسطينية الثانية وحرب العراق وتفجيرات لندن».
ناجية من تفجيرات محطة القطارات
إلا أن خطورة «إنقاذ الشباب والنساء من معسكرات التدريب» ودفعه نحو «مخيمات الرياضة والترفيه» ونوادي»التكوين المهني» و»الاستماع النفسية والاجتماعية» تبدو أكثر إلحاحا حسب السيدة «ساجدة موغال» التي كانت من بين الناجين القلائل في محطة القطارات في « بيكادلي» يوم 7 جويلية 2007 عندما كانت في طريقها إلى البنك الذي تشتغل فيه موظفة سامية مختصة في العلاقات العامة.
يومها قررت «ساجدة» وهي مسلمة كينية أن تتفرغ مع والدتها للانشطة الاجتماعية والثقافية التي استفاد منها خلال الاعوام الماضية الاف الاطفال والشباب ونحو 40 ألف إمراة وفتاة مسلمة. واعتبرت السيدة ساجدة أن «الرد على التطرف والعنف يكون بالاعتدال والحوار ومعالجة مشاكل الشباب والنساء سواء كانت نفسية أو عائلية أو ثقافية ودينية إلى جانب تعليمهم مهنا يعتمدون عليها في توفير حاجياتهم المادية «في بلد أعباؤه كثيرة ومغرياته أكثرمثل بريطانيا».