يعرف شباب السبعينات من القرن الماضي صحيفة "الرأي" التي كانت تصدر كل أسبوع وهي لسان مجموعة من المسؤولين الذين إنشقوا عن الحزب الحاكم آنذاك و كونوا حلفا ديمقراطيا ضد نظام بورقيبة من أمثال السادة أحمد المستيري وحسيب بن عمار والحبيب بولعراس.هذه الصحيفة كانت غاية في الجرأة و تبدي معارضة واضحة ضد حكومة بورقيبة وحزبه الحاكم. وللتاريخ فقد وقفت هذه الصحيفة في وجه المتشددين من الحزب الحاكم الذين قادوا البلاد إلى مواجهة دموية بين النظام والعمال ممثلين في منظمتهم الإتحاد العام التونسي للشغل وكان الخميس الأسود ذات 26 جانفي 1978 و هو يوم إضراب عام دعا إليه الإتحاد العام التونسي للشغل وأسفر عن سقوط عشرات القتلى برصاص البوليس ومليشيات الحزب الحاكم. وبما أن التاريخ لا يرحم فقد أوردت جريدة "الرأي" آنذاك واصفة مدى القمع الذي تلاقيه جماهير العمال المحتجة أن طائرة مروحية هليكوبتر- كانت تحلق يوم الخميس الأسود فوق الشوارع الرئيسية للعاصمة على إرتفاع منخفض ومنها برز ضابط كان يحمل رشاشاومشدودا بحزام لأن نصفه كان في الطائرة ونصفه الآخر ظاهر منها للعيان ويعرف بالعين المجردة. هذا الضابط لم يكن سوى زين العابدين بن علي المسؤول الأمني آنذاك. وللتذكير فإن جريدة "الشعب" لسان حال إتحاد الشغل وجريدة "الرأي" ومكونات المجتمع المدني كانت فاعلة إلى حد كبير وتتمتع بقدر كبير من الحرية في حين كان يجب أن تتطور الحياة السياسية وحرية الإعلام ولكن جاء السابع من نوفمبر و كبل هذه القوى وألجم الأفواه لتصل إلى طريق مسدود بعد عقد من إنطلاق القرن الواحد والعشرين وعوض أن نتقدم تراجعنا إلى الوراء وليس ذلك بغريب في ظل نظام رأسه دكتاتور كان منذ أكثر من ثلاثين سنة يقمع الشعب بواسطة رشاش وطائرة مروحية.