لئن حققت ثورة 14 جانفي أول أهدافها بخلع بن علي واجتثاث الحكم البائد فإن الآتي هو الأهم من حيث بناء الديمقراطية وإعادة التشكل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بما يضمن لهذه الثورة تحقيق أهدافها كاملة.. وفي ظل هذه المتغيرات برزت قوى ردة وجذب الى الخلف وانخرام الوضع الأمني في عديد المناسبات، وغرقت الجماهير الثائرة في المطلبيّة في المقابل تموقعت أطراف أخرى لرسم ملامح الخارطة السياسية في وقت يهتم فيه عموم الناس بالحالات الاجتماعية والأجور والترسيم والترقيات.. لهذا فتحت «الأسبوعي» ملف تونس بعد الثورة في ظل السيناريوهات السياسية.. والقوى الخارجية والأوضاع الأمنية وسألت أيضا عن السبيل لحماية الثورة؟ ----------------------------- مجلس النواب ماذا حدث؟.. لماذا اعترض البعض على حل المجلس وما هي الغايات؟ الجلسة الاخيرة لمجلس النواب والاولى بعد 14 جانفي التي أقيمت الاثنين الماضي لم تكن عادية بكل المقاييس فقد خرج النواب من سباتهم وصمتهم وأفصحوا عما يخالجهم (بعد أن وفرت لهم الثورة كل ضمانات الحديث بحرية)... وكانت الجلسة أيضا فرصة لجلد الذات ومحاسبة النفس بالنسبة الى كثيرين، كما لم تكن جلسة عادية لأن النواب وجدوا أنفسهم بين مطرقة الشرعية وسندان المشروعية... وأصبح الإشكال الأبرز هل يحل مجلس النواب؟ وفي أي مشاريع قوانين سينظر خلال الفترة النيابية المتبقية بعد المصادقة على تفويض رئيس الجمهورية المؤقت لامضاء مراسيم أي أنه لم يعد للنواب دور... ماذا يحدث لو يقع حل مجلس النواب؟ وهل أحيل النواب على البطالة لانهم «منتخبون» في النظام السابق؟ وأي دور لهؤلاء في الفترة المقبلة؟.. هذه الاسئلة وغيرها طرحت على بعض النواب الذين أجابوا «الأسبوعي» وكانت مواقفهم متباينة، بين مؤيد لحل المجلس ورافض لذلك؟ تبرئة الذمة بالنسبة الى خليفة بن سالم الطرابلسي (نائب عن الحزب الاجتماعي التحرري) فهو يرى أن مواقف حزبه كانت واضحة مبرزا أن نائب المعارضة لطالما تحدث ونبّه لكن لم تعره الجهات المعنية أي اهتمام إذ يقول محدثنا: «قلنا لابد من تحرير الاعلام وسميناه «الرجل المريض» ودعونا الى رفع القيود عنه كما دعونا الى ضرورة مراجعة المجلة الانتخابية وتحويل المجلس الدستوري الى محكمة دستورية وطالبنا بالعفو التشريعي العام ونددنا بقانون مكافحة الإرهاب حتى لا يتخذ تعلة لمحاكمات سياسية لا علاقة لها بمسألة الإرهاب.. لكن لا أحد أنصت الينا أو أخذ برأينا لاننا أقلية فقد طالبنا ببث جلسات مجلس النواب كاملة ولم تقع الاستجابة لذلك كما نادينا بضرورة تمويل جميع الأحزاب وصحافتها بصرف النظر عن تمثيليتها في المجلس من عدمها لكن... قانون التخوين لم تخمد أصوات بعض المعارضين خلال مداولات مجلس النواب لكنهم كانوا يلاقون التعتيم والملاحقة أحيانا فالمعارض طارق الشعبوني واحد من هؤلاء عندما قال لا للفصل 61 من المجلة الجنائية وهو الفصل الخاص بالتخوين لأسباب تضر باقتصاد البلاد إذ يقول النائب طارق الشعبوني (حركة التجديد): «هذا القانون سميته «قانون كمال الجندوبي وسهام بن سدرين وخميس بن بريك» فهو «يُلَفِق» تهمة الخيانة لكل من يتصل بمفاوض اقتصادي وقد صوت ضده أنا وعادل الشاوش فقط.. من جهة أخرى لابد أن نعترف بأنه لم يكن لمجلس النواب أي دور فقد ندد سعيد لسود مثلا (نائب تجمعي) بعادل الشاوش عندما قال لوزير الشؤون الاجتماعية كيف نعرف ما يجري في سيدي بوزيد عن طريق قنوات بعيدة واعلامنا لم يكن موجودا».. وأشار عادل الشاوش (نائب عن حركة التجديد) الى أن حزبه صوت ضد القانون المنظم للمجلس الاعلى للقضاة إذ يقول:«..يوم ناشد المجلس الرئيس المخلوع الترشح لانتخابات 2014 وحديالذي تكلمت وقلت هذا الشخص لا يلزمني وقلت هذا المجلس المناشد لا يلزمنا وقلت ذلك في قناة الجزيرة وأكدت رفضي للرئيس المخلوع رغم أني لم أتوقع يوما أنه سيتزحزح من مكانه، كما صوتنا ضد القانون المنظم للمجالس الجهوية وكل سنة نصوّت ضد ميزانية الدولة لا لشيء الا لأنها لا تشمل الأحزاب والإعلام.. ورفضت قطع الانترنات عن عامة الناس...» خلفيات ما حدث؟ أما عن خلفيات هذه الجلسة الساخنة التي لم يعرفها رحاب مجلس النواب في تاريخه يقول خليفة بن سالم الطرابلسي: «..كان المنطلق مناقشة وضعية مجلس النواب من جهة الشرعية القانونية وفي علاقة بالمشروعية التي أحدثتها الثورة... فعلى مستوى الشرعية القانونية وأرى أن الثورة بصدد تحقيق انجازاتها ومطالبها لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب الشرعية القانونية وخير مثال على ذلك هو انتقال السلطة الى رئيس البرلمان فؤاد المبزع وليس لمجلس الثورة مع بقاء مجلس النواب ومجلس المستشارين والمجلس الدستوري.. إذن نحن نعيش حالة جديدة لم يسبق أن عرفتها ثورات أخرى فقد أحدثت ثورتنا قطيعة كلية مع الخطاب السياسي ما قبل الثورة والخطاب الاعلامي ولكنها في نفس الوقت لم تقطع كليا مع المؤسسات السياسية السائدة ومع المرجعيات السياسية... وإن ثورة تونس التي صنعها الشباب لم تقص شيوخ العهد السابق وما قبله عن الادلاء بدلوهم فيها فحتى زعامات المرحلة البورقيبية ضمن المعادلة تعمل على صنع مستقبل تونس الشبابي..إنها ثورة كاشفة للجميع وجامعة لهم في الوقت نفسه. وكل ما حدث في مجلس النواب أن الخطاب السياسي بعد الثورة عرف انطلاقة جديدة والخطاب السياسي للاحزاب كان لابد أن يظهر في البرلمان». عبد الوهاب الحاج علي ----------------------------- بعد تفويض الرئيس المؤقت لإمضاء مراسيم من يراقب من.. للتوقي من الإنزلاقات...؟ تفويض رئيس الجمهورية المؤقت لاتخاذ مراسيم وفقا لمقتضيات الفصل 28 من الدستور التونسي في صيغته الحالية، هل يمكن أن تحدث بسببه انزلاقات؟ وكيف يمكن ضمان تطبيقه في هذه المرحلة الانتقالية حتى لا يكون تفويضا مطلقا قد لا يستجيب الى تطلعات الثورة. إجابة عن هذه التساؤلات بيّن الاستاذ شوقي طبيب (محام وناشط حقوقي وعضو الهيئة الوطنية للمحامين) أن تطبيق هذا الفصل يتم لأول مرة ببلادنا وبالتالي لا توجد حالة مقارنة أو تجارب سابقة اذ يقول محدّثنا: «ما يتعلق بالتفويض كان يتم اللجوء له في حالة العطلة النيابية لكن على مستوى التطبيق لم نجرّبه سابقا.. أما الحالة الثانية فإن النص فيه ابهام وغير واضح بطريقة كاملة ومحاذره واضحة فهو على ما يبدو يتعلّق بالرئيس المنتخب وليس المؤقت لكن بسبب وجود فراغ تشريعي تم اللجوء لهذا الفصل للقفز أو لتجاوز مجلس المستشارين ومجلس النواب (وهو سلطة تشريعية مطعون في شرعيتها) حيث تم اللجوء اللوح الوحيد للشرعية وهو المحافظة على رئاسة الجمهورية رغم أنه قادم من مجلس النواب... وبما أن الجميع مقر بأنه لا يجب الانطلاق من نقطة الصفر فكان اللّوح الوحيد للشرعية هو رئيس الجمهورية..» مشكلة المشروعية والمصداقية ولمزيد توضيح هذه المسألة تساءل الأستاذ شوقي طبيب، من سيتولى اعداد مشاريع هذه المراسيم؟ لكنه يجيب في الوقت ذاته بالقول:« المفروض أن تعدّها الحكومة المؤقتة لكن بما أنها حكومة تصريف أعمال وليس بامكانها اعداد مراسيم وضبط مسار سياسي للثورة لان عديد القرارات وتصريحات بعض أعضائها تدل على أنه لم يقع استيعاب مفهوم الثورة.. بالإضافة الى ذلك فإن الحكومة المؤقتة ذاتها مطعون في شرعيتها.. والحل في نظري لتفادي اللخبطة وتجنب مشكلة المشروعية والمصداقية التي تعاني منها الحكومة لابد أن يكون أول مرسوم يصدره الرئيس المؤقت هو احداث مجلس حماية الثورة أو مجلس وفاق وتلاقي يضم جميع الحساسيات السياسية والتنظيمات والمنظمات والجمعيات ومكونات المجتمع المدني كل هذه الاطراف يمكنها تشكيل مجلس من مهامه ضبط مسار سياسي للحكومة وفي نفس الوقت يوفّر ضمانات معنوية وسياسية للثورة باقتراح مشاريع مراسيم بعد التشاور وأن يكون أيضا همزة الوصل بين مؤسسة رئاسة الجمهورية والشعب لأن التواصل بين الحكومة والجماهير حاليا مفقود...». حلول أخرى وترى أطراف أخرى أن التفويض للرئيس المؤقت ليس تفويضا مطلقا لأن المراسم ستتخذ خلال فترة معينة وللضرورة في الظرف الراهن وهي تتعلق بالعفو التشريعي العام والمجلة الانتخابية وقانون الاحزاب وتمويلها والجمعيات والحريات كما أن هذا التفويض ينتهي بانتهاء مهمة الرئيس المؤقت بالإضافة الى أن هذه العملية من شأنها تسهيل مأمورية الحكومة الانتقالية بما يمكّن من استتباب الأمن ووضع قوانين جديدة... كما يذهب هؤلاء الى ضرورة انتخاب مجلس تأسيسي ووضع تنظيم مؤقت للسلطة العمومية على غرار ما حدث سنة 1957 نظرا للاشكالات العديدة التي يتضمنها الفصل 28 من الدستور.