حماية الثورة هو أوكد المطالب المرحلية لأنها لا تزال معرضة للانتكاسة وذلك لأسباب عدة أهمها : 1/ أن التاريخ يعلمنا أن لكل ثورة قوى ردة تعمل على فشلها أو سرقتها سواء من داخل البلاد أو من خارجها. 2/ أن ما حصل في تونس هو ثورة شعبية بلا قيادة ثورية تحميها حيث أن كل القوى التي كان بإمكانها أن تفجر الثورة و تقودها قد ضربها النظام السابق. 3/ أن الثورة تعرضت ولا تزال منذ أن حققت انتصارها الأول والمتمثل في الإطاحة برأس النظام إلى محاولات عدة تهدف سواء لإجهاضها بالقوة من قبل عصابات أمنية أو حزبية تابعة للنظام السابق عملت على ترويع المواطنين و الاعتداء على أملاكهم أو للالتفاف عليها سياسيا من خلال تشبث بعض رجالات النظام السابق بمراكز صنع القرار بل و تعيينهم رموزا آخرين للنظام في مواقع حساسة سواء في الحكومة أو على رأس الولايات. 4/ أن الحكومة الحالية لا تمثل أية ضمان لحماية الثورة وهي غير منسجمة سياسيا حيث تظم من بين أعضائها من كان مسؤولا رفيعا في حزب النظام السابق الذي يتحمل المسؤولية السياسية عن ما وصلت إليه البلاد و منهم من كان في أحزاب المعارضة وهو متلهف إلى السلطة و يعمل لحساباته الحزبية ومنهم من لم يمارس السياسة في حياته فلا تحصنه كفائتة الفنية أو نزاهته من أخطاء سياسية فلا هي حكومة تكنوقراط صرفة لتصريف الأعمال و لا هي حكومة وحدة وطنية باعتبار أن عدة أطراف سياسية لم تشارك فيها وهي تتخبط في عدة مشاكل أثرت على أدائها حتى في تعيين طاقمها كما أنها تسمي نفسها حكومة وقتية وتحاول في المقابل العمل على قضايا إستراتجية من قبيل إصلاح برامج التعليم وتنمية الجهات في وقت لم تتمكن فيه حتى من تحقيق الاستقرار الأمني للبلاد. أن اللجان التي أحدثت سواء لتقصي الحقائق وكشف الظلم الذي حصل قبل الثورة أو الجرائم الأمنية التي ارتكبت خلالها أو بغرض الإصلاح السياسي وهي كلها مسائل جوهرية تهم مستقبل البلاد، هذه الجان تكونت وفق إرادة الحكومة بل بعضها أعلن الرئيس السابق على تكوينها و لا يعرف أحد حدود صلاحياتها. لكل هذه الأسباب فإن الثورة مهددة في حاضرها وفي مستقبلها و أن حمايتها واجب مقدس يقع على عاتق كل من له مصلحة في نجاحها و المجلس الوطني لحماية الثورة هو أحد الروافد المهمة لحمايتها ولعله الأهم على الإطلاق لعدة أسباب: 1/ ان المجلس يستمد مشروعيته من الثورة رأسا باعتباره يهدف إلى حمايتها وهو أكثر مشروعية من الحكومة الحالية نفسها التي تستمد شرعيتها من رئيس مؤقت وهو يستمد بدوره شرعيته من دستور فقد شرعيته و قامت الثورة لاستبداله بدستور آخر. 2/ ان المجلس يتكون من 28 طرفا موزعين بين أحزاب و فعاليات مجتمع مدني تشترك جلها أو كلها في عدم ارتباطها بالنظام السابق مما يعزز مصداقيتها في حماية الثورة وقطع الطريق أمام قوى الردة. 3/ ان مشاركة مختلف فعاليات المجتمع المدني في المجلس يجعله قادرا من حيث الكفاءة على مراقبة قرارات الحكومة في مختلف الميادين وعلى متابعة أعمال اللجان المذكورة أعلاه كما أن احتواءه على أحزاب سياسية مختلفة فكريا و سياسيا يضمن عدم توافقها أو تحالفها حسب حسابات حزبية ضيقة ويفعل قدرته على مراقبة أداء الحكومة وهي ضمانة فعلية لحماية الثورة. الدكتور محمد عبد الحكيم كرشيد