قبل وصف بداية الاعتقالات في صفوف حركة النهضة نلفت الأنتباه إلى أنّ الروايات متعددة و ذلك حسب خصوصية ما حدث في كل جهة والقاسم المشترك يتمثل في تنافس البوليس في التفنن في التعذيب وإلحاق أكثر ما يمكن من الأذى بالمعتقلين ولذلك في كل منطقة تعثر على قصص جديدة حول تصرف الشرطة بل وحتى في نفس المنطقة تتعدّد الرّوايات ذلك يرجع لعدد الموقوفين المرتفع وكل ما سأرويه يتعلق عادة بمجموعة محدودة العدد أكون ضمنها انطلاقا من بنزرت ثم تونس العاصمة ثم سجن المهدية و أخيرا سجن الهوا رب وهذه الوضعيات قد تكون أحيانا متعلقة بغرفة داخل السجن وأحيانا أخرى بكل السجون فالأوضاع تتغير ومعها المعطيات ولكن كل ما سأرويه فهو حقيقة رغم غرابته و ما عانته جماعة النهضة يعدّ من غرائب هذا الزمان والأغرب من ذلك أنّ أشدّ الناس عذابا في هذه المحنة أشدهم تمسكا بالخط و في كل خير إن شاء الله تصنّف ولاية بنزرت الثانية بعد تونس العاصمة في عدد الموقوفين وقد أصدر بن علي أوامره لقوات الداخلية بتمشيط ولاية بنزرت و ذلك لسببين: أ ورود اسم المدينة في المسرحية التي أعدها النظام و المعروفة بقضية ستنقر stinger[1] ب قرار الرئيس القيام بزيارة للمدينة بمناسبة ذكرى 15 أكتوبر تاريخ تحرير قاعدة بنزرت العسكرية من السيطرة الفرنسية وكان يجب, والنظام في أوج حملته على حركة النهضة, أن يظهر الجنرال في مظهر القائد المظفر القاهر لكل أعدائه حتى يخرس كل صوت مناوئ له وتموت المعارضة قبل أن تلد لأنه في سنة 1991 لم يكن يوجد على الساحة السياسية غير حركة النهضة و النظام الحاكم الذي يجر وراءه التجمع الدستوري و شتات من أحزاب صنعها النظام و أعطاها قيمة بعد أن رفضها صندوق الاقتراع بدأت الحملة الأمنية على ولاية بنزرت يوم السبت 5أكتوبر1991 بشراسة وتواصلت 23 سنة بلا هوادة أوقف خلالها ما يقارب 3000 شاب بتهمة الإرهاب و العمل على تغيير نظام الدولة [2] . ومثلما هو الحال عند الظلمة فقد بدأت الشرطة بالبحث عن خيط يمكنها من ولوج التنظيم ثم تفكيكه و كما يقول المثل الفرنسي من يبحث يجد ( Qui cherche trouve ) وأي إنسان يتوفر فيه شرط السكنى ببنزرتالمدينة أو بجرزونة يمكن بالنسبة للشرطة أن يؤدي المهمة متهما كان أو بريئا وكان لهم ما أرادوا فقد وقع بين أيديهم من يقطن بنزرت و له مشكلة مع الجمارك في بيع بضاعة بدون امتلاك حجة مكتوبة تبين مصدر اشترائها فاعتبرت تلك البضاعة مهربة و أحيل البائع على زبانية وزارة الداخلية و الغاية من ذلك طبعا اتهام أي شخص معروف بانتماءاته الإسلامية وكانوا يسألونه هل يعرف "محمد الهادي البجاوي أو عبد الرؤوف الماجري أو محمد قموع ..." و هم من الإسلاميين الذين سبق أن أوقفوا وسجنوا بتهمة الانتماء إلى جمعية غير معترف بها في عهد بورقيبة كما لوحظ عنهم نشاط غير عادي إلى جانب القائمة المستقلة أثناء الحملة الانتخابية سنة 1989 ولكن الشخص الموقوف أعطاهم اسما لم يكونوا يتصورونه ولو في المنام ذلك لأنه كان بعيدا كل البعد عن المجموعة العاملة من حركة النهضة وسرعان ما تحرك البوليس السياسي من وزارة الداخلية إلى مدينة بنزرت لإلقاء القبض على هذا الشخص وكانت تلك المرة الثانية في غضون شهرين تتدخل فيها وزارة الداخلية مباشرة في ولاية بنزرت و الأولى كانت عند إلقاء القبض على الشيخ الحبيب اللوز رئيس الحركة المختفي في مدينة بنزرت وذلك في أواخر شهر أوت من سنة 1991 وهاجمت فرقة من البوليس السياسي المسكن المؤثث الذي تسوغه الشيخ و تولت عربة شحن حمل كل الأثاث الموجود في المنزل على اعتبار أنه غنيمة من نصيب أعوان البوليس السياسي وكان أثاثا لم يسبق استعماله وألقي القبض مع الشيخ الحبيب اللوز على مالك المنزل وكان مواطنا عاديا و لكنه من عائلة عريقة في النضال الإسلامي وهي عائلة الجميلي المعروفة بمعارضتها للرئيس بورقيبة وأما أخو المالك فهو الأستاذ عثمان الجميلي الذي كان رئيس القائمة البنفسجية في ولاية بنزرت خلال انتخابات 1989 وقد حوكم أيضا في اعتقالات 1991 وقضى خمس سنوات سجنا نافذا هذا التدخل الثاني من طرف البوليس السياسي لوزارة الداخلية في مدينة بنزرت خلف لدى شرطة الولاية غضبا شديدا و سيصبون جامّ غضبهم هذا علينا أثناء فترة الاعتقال فأخذوا في جمع كل من يؤدي فريضة الصلاة من بين الشباب حتى ضاقت مراكز الإيقاف و عجزت عن الاستيعاب عند ذلك قرر رئيس منطقة الشرطة السياسية أن يقع توزيع المعتقلين على كافة زنازين الإيقاف في الولاية وخاصة منها التابعة للشرطة دون الحرس الوطني لأن هذه الفرقة تعد من بين الأجهزة الأمنية الأكثر تخلفا وجهلا نظرا لانعدام المستوى العلمي ولعدم خضوع عناصرها لدورات تكوينية مسترسلة لتعليمهم كيفية التعامل القانوني مع المواطن الريفي إذ أن نشاط هذا الجهاز مقتصر على الأرياف دون المدن. أصبح عدد الموقوفين في موجة الاعتقالات الأولى, التي سبقت زيارة الجنرال إلى قاعدة بنزرت, مهولا الشيء الذي أربك المشرفين على الحملة فقد وجدوا أنفسهم بين المطرقة و السنديان على حد تعبير المثل الفرنسي entre le marteau et l'enclume ) ( فمن ناحية نجد الرعب من حدوث محاولة لاغتيال الجنرال قد شل تفكيرهم ولو قام أحد اليائسين بهذه المحاولة فستجد كل الفرق الأمنية نفسها مطردة من الشغل ومحاكمة بتهمة التواطؤ والإخلال بالواجب ومن ناحية ثانية ارتفاع عدد المعتقلين قد خنقهم و أثقل عليهم أداء مهمتهم. لقد كانت ليلة الثلاثاء الخامس عشر[15] من أكتوبر1991 ليلة سوداء على مختلف أجهزة الشرطة ببنزرت ولم يستطع شرطي واحد حتى و لو كان من شرطة المرور أن ينام ليلتها وما أن انتهت الاحتفالات وغادر الجنرال المدينة على الساعة الواحدة بعد الزوال, حتى خلت المراكز من الأعوان طلبا لقسط من الراحة. في مساء ذلك اليوم بلغ عدد الموقوفين في زنزانتي 28 شخصا وكانت مساحة الزنزانة 12 متر مربع منها متر مربع للكنيف. وكانت درجة الحرارة جد مرتفعة نظرا لعدم وجود نافذة وكل التهوية تتم عن طريق بعض الثقب في أسفل الباب الحديدي السميك للزنزانة فكنا نتداول على تلك الثقب للتنفس كلما سمح لنا الأخ رضا لأن له رئة واحدة ورأت المجموعة أن له الأولوية في ان يقبع بجانب هذه الثقب و الغريب أن هذا المسكين قبض عليه عوضا عن أخيه و أبلغوه بأنه لن يقع إطلاق سراحه إلا بعد أن يسلم أخوه نفسه وإلى جانب رضا يوجد أيضا المهندس عبد الحق من مدينة منزل بورقيبة وقد شارف على الستين من العمر و يشتكي من حالة الربو المزمن و الغريب في هذا الأخ أنه لم يعلمنا بحالته إلا بعد أن بدأت تسوء وكان معنا ممرض مختص الصحبي بن القايد حسين فوضعه حذو ثقب الباب و أوصاه بان لا يتحرك حتى لا يصيبه الإجهاد. كان هذان الأخوان رحمة بالنسبة لنا إذ كلما ألمت بأحدهما أزمة تنفس نأخذ في طرق باب الحديد بقوة و بالتناوب حتى يأت أحد الأعوان و يفتح باب الزنزانة و تخرج المجموعة بأسرها إلى الرواق أمام الزنزانتين وهو بدون سقف فنأخذ حظا من الهواء النقي . [للحدبث صلة إن شاء الله] Le FIM-92 Stinger est un lance-missile sol-airaméricain à courte portée utilis [1] pour atteindre les hélicoptères ou les avions de combat à basse altitude. Il est du type « tire et oublie », c'est-à-dire qu'une fois la cible accrochée et le missile lancé, aucune opération au sol n'est nécessaire pour le guider. http://fr.wikipedia.org/wiki/FIM-92_Stinger [2] أخر بلاغ يهم ولاية بنزرت صدر بتاريخ 1 12 2010 : قام أعوان البوليس السياسي منذ عشرة أيام باعتقال الشاب محمد الهذلي البالغ من العمر 23 عاما والقاطن بمعتمدية العالية من ولاية بنزرت[ انظر الموقع التالي تجد فيه البلاغ ممضى من طرف رئيس منظمة حرية و http://www.hanein.info/vb/showthread.php?t=198946&page=2و انصاف ثم بتاريخ 8 جانفي 2011 أي أسبوع قبل سقوط الطاغية نجد هذا البلاغ على صفحات "مدونة بلاد تلمسان": اعتقلت الشرطة المخالف الإلكتروني صلاح الدين شكوك، الناشط في الاتحاد العام لطلبة تونس، في بنزرت[ 60 كلم شمال تونس ] وصادرت حاسوبه http://bilad-13.maktoobblog.com/1620113