عندما فرض على جحا الخروج من المسكن الذي اكتراه قام بدق مسمار في أحد جدرانه, وطالب بعدم نزع هذا المسمار مهما كانت الظروف ثم طالب بحقه في دخول المنزل متى شاء لتفقد مسماره... وصادر حق المالك الحقيقي في التصرف بمنزله.. نفس الشئ, حدث في ثورة تونس عندما ابتدأت الثورة وابتدأ الرصاص يزرع الجثث في كل الأماكن, فقد هرب الساسة والمثقفون والجبناء والانتهازيون من ساحة المعركة, ودق كل واحد منهم مسماره في مكان ما من الوطن, وعندما سقط المخلوع وهرب, عاد هؤلاء جميعهم ليرد الركوب على دماء الأحرار وسرقة انجازهم. فمسمار نجيب الشابي, كانت مواقفه في سنوات الضياع, ونسي الشابي بأنه يوم واحد قبل هروب المخلوع قد آثر بقاه وطالب بحكومة إنقاذ تحت عباءة هذا الرئيس. ومسمار الإتحاد العام التونسي للشغل, هو تأطيره للحركة الثورية, ونسي عبد السلام جراد بأنه التقى المخلوع يومين قبل رحيله مؤكدا له مساندته على طول الخط, ونسي جراد أيضا بان 67% من الكتاب العامين في الإتحاد هم من التجمع, ونسي أيضا بأنه إبان الثورة قد هرب الكثير من النقابيين من اتحاداتهم واختفوا تماما إلى إن سقط بن علي.. ونسي ونسي ونسي. ومسمار رموز الأعلام المرئي والمكتوب والمسموع, بأنهم غانوا يقومون بعملهم في خدمة الشعب ولكن مقص الرقيب كان لهم بالمرصاد.. ونسوا بأنهم كانوا يتفننون في تمجيد السابع من نوفمبر تلقائيا وكانوا لا يفكرون حتى مجرد تفكير في تقديم أو كتابة إي شئ لصالح المواطن مهما كان الثمن. ومسمار الطبقة المثقفة من مسرح وسينما هو أنهم كانوا يقدمون أعمالا إيحائية مضمونها فلسفي وميتافيزيقي يندرج ضمن تغيير المجتمع من أسسه, ونسوا بأنهم تحولوا إلى الحمامات لتصوير النساء العاريات والى القبح والإيحاءات الجنسية بمختلف ألوانها.. وحتى المسرحيون كانوا لا ينجحون إلا بالكلام البذئ الخادش للحياء والذي في الحقيقة يعاقب عليه القانون. ومسمار المحامين بأنهم كانوا يجابهون النظام الظالم القاتل بالقانون, ونسوا بأن هذا القانون الذي استعملوا على مدى أجيال لم يكن سوى آلة قمع لمواطن أذلوه.. ونسوا بأنهم لم يفتكوا حرية رجل واحد على مدى هذه السنوات.. وحتى خروجهم في المسيرات الحاشدة.. كان ذلك بعد إن انقطع الرصاص وامتلأت المقابر بالأجساد الغضة الحرة المغدورة. وحتى أصحاب أغاني الرأي الذين يدعون بأنهم هم الذين اسقطوا بن علي, كان مسمارهم أغنية واحدة قدمت أسبوع واحد قبل رحيل الرئيس.. ونسوا بان بعد الثورة سمع الأحرار أغنيتهم لأنها تكلمت على بعض من معاناتهم, والقادم سيثبت إليهم عكس قناعاتهم وتشدقهم بالثورية.. وإنهم خارج الثورة.. ومسمار الساسة من أحزاب الديكور, إنهم كانوا يناضلون من داخل المنظومة الديمقراطية التي أرساها بن علي, ونسوا بأنهم كانوا يقبضون الأموال على صمتهم أمام توحش التجمع وقمعه للفقراء.. والمسامير كثيرة وكثيرة جدا, وبعد رحيل الدكتاتور, عاد كل هؤلاء للاطمئنان على مسماره لتمتد أيديهم لسرقة الوطن مرة أخرى