لا يختلف اثنان في أنّ الطواغيت والفراعنة والنماريد قد عدلوا عدلا يكاد يكون شاملا في كبت الحريّات وفي ملاحقة المخالفين لهم في الرأي وتهميش كلّ من أبدى مقاومة بشكل من الأشكال وطالت هذه السياسات كلّ ذي رأي مخالف. وحاول واستمات هؤلاء الطغاة في تنزيل مقولة (لا أريكم إلاّ ما أرى على أرض الواقع). لكنّ في نهاية المطاف انقلب السّحر على السّاحر وتحرّر المستضعفون أو كادوا (لأنّ طريق الحريّة مملوء بالأشواك...). فهنيئا لكم يا شباب الثورة وأنتم قد بدأتم ترتشفون كأس الحريّة فشدّوا على حريتكم بالنواجذ ولا تسمحوا لجيوب الردّة أن يسرقوها منكم خلّوها منهاجا لحياتكم مستقبلا لأنّها أعظم قيمة جاء بها الإسلام (متى استعبدتم النّاس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) وجاءت أيضا في مختلف الإيديولوجيات الأخرى. وتأكدوا أنّ من يخاف تلك الحرية فإنّ مبدأه وفكره ورآه لا تنتعش ولا تتمكّن إلاّ في مناخات الاستبداد والوصاية والتعالي والاستكبار. وتأكدوا أن لا أحد يملك الحقيقة كاملة بل الكلّ يجتهد في خدمة الشأن العام وينزّل أفكاره على أرض الواقع فيخطئ ويصيب. إنّ الحريّة تجعل مطلب الشعب (الشعب يريد...) يتحقق بنسبة كبيرة جدّا. إن اختار الشعب هذا الطرف أو ذاك فلا يحقّ للطرف الآخر أن يصادر أو يؤمّم إرادته بل يواصل العمل الدؤوب لإقناع الناس مستقبلا بما يراه. فالحريّة ليست قمّة في جبل نصل إليه ونستريح بل هي مبدأ وفكر وممارسة ونضال يومي ومجاهدة للنفس وللواقع وباختصار هي فعل ثوري متواصل عن النفس وعن الواقع، ينطلق من النفس فيغيّرها ثمّ يغيّر الواقع إلى الأفضل طبعا مصداقا لقوله تعالى " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ" كما أنّ من يجعل من نفسه ملاكا ويشيطن غيره فلا يرجى خيره فهو إنسان يخطئ ويصيب. إنّ على الكلّ تغيير الأنفس ليتغيّر الواقع ومن يصّر على عدم التقدّم خطوة نحو مخالفيه في الرأي ويكابر ويقول (من راسي وحدّت وأنا مناضل وبعدي الطوفان) فقد عاند سنّة الله في خلقه وسنّة التاريخ... هنيئا لكم يا شباب كأس الحريّة، حافظوا عليه سيّجوه بأرواحكم وأفكاركم وأخلاقكم وأبدانكم وافعلوا الخير لأنفسكم ولمواطنيكم ولبلدكم. لقد وفرتم الفرصة لأنفسكم ولنا نحن الهرمين. كل يوم تصبحون وتمسون وتبيتون على حريّة. تونسي مسلم عربي