مأساة التونسيين في ايطاليا تابعت كما تابع التونسيون التصريحات التي أدلى بها السيد الباجي قائد السبسي رئيس الوزراء المؤقت، أمام ممثّلي الأحزاب التونسية بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، حول الاتفاق الثنائي الذي وقع بين تونس و ايطاليا يوم الاربعاء 6 أفريل الجاري بشأن تسوية أوضاع التونسيين الذين وصلوا الى الضفة الأخرى اذ قال الوزير: "أنّه سيتم بمقتضي الاتفاق تسوية وضعية 22 ألف تونسي سيمكنون من تصاريح تسمح لهم بالإقامة والتنقل في أنحاء أوروبا الموقعة على اتفاقية شنقن، كما ستتم إعادة حوالي 800 مهاجر إلى تونس" حسب تعبيره. و قد هلل وزير الداخلية الايطالي بهذا الاتفاق عندما اعتبره صمامة أمان أمام الهجرة المرتقبة من تونس للسواحل الايطالية و الذي ستتولى تونس بمقتضاه منع أي تونسي ينوي ذلك مقابل مائة و خمسون سيارة رباعية الدفع و بعض الزوارق الصغيرة اضافة الى الاقامة المؤقتة للتونسيون الذين وصلوا الى السواحل الايطالية قبل التوقيع على الاتفاقية الا أنه استدرك أمام البرلمان الايطالي يوم الخميس من أن التسوية سوف لن تشمل ما عبر عنهم بالخطيرين اجتماعيا و من أطرد من قبل و كذلك من لديه سوابق عدلية، كما أضاف أن أغلب هؤلاء المهاجرين أبدوا رغبتهم، من خلال مسائلتهم، في التوجه الى البلدان الناطقة بالفرنسية و هو ما دفع بفرنسا الى رفض ذلك حيث هددت بغلق حدودها مع ايطاليا بحكم أنها أكثر بلد يحتمل أن يتوجه لها التونسيون أو أن تنسحب من اتفاقية "الشنغن"، و هو ما دفع بوزير الداخلية الايطالي الى عقد لقاءا مع نظيره الفرنسي الجمعة قصد توضيح الاتفاق و اعطائه رسالة طمئنة و الذي نتج عنه اتفاق بينهما يتلخص في جملة من الاجراءات تتمثل أساسا في أن فرنسا لا تقبل التونسيين الا شريطة أن تمنحهم ايطاليا اقامة وقتية لمدة ستة أشهر و أن يستظهروا بوثيقة سفر و الأهم من ذلك استظهار بالامكانيات المادية اللازمة للاقامة في فرنسا، و التي لا تتجاوز الثلاثة أشهر في أي حال، و هذه الامكانيات المادية تتمثل في توفير مبلغ 31 يورو للفرد الواحد يوميا اذا أثبت أن له من يستضيفه في فرنسا و 62 يورو لمن ليس له ذلك كما طرح الوزير الايطالي على نظيره الفرنسي تسيير دوريات مشتركة فرنسية - ايطاليا لشرطة الحدود (بحرية و جوية) على السواحل التونسية تتولى مراقبة و منع المهاجرين من الابحارالى ايطاليا و ارجاعهم ان لزم الأمر. و لحقت بفرنساألمانيا التي رفضت من جهتها الاتفاق التونسي - الايطالي في انتظار ما سيسفر عنه اجتماع الدول الأوربية في لكسومبورغ الاثنين المقبل. و بحكم طول فترة اقامتي في ايطاليا و ما عايشته من بيوقراطية ادارية قاتلة في استخراج و تجديد الاقامة أود أن أطرح جملة من الأسئلة الغير بريئة على رئيس وزرائنا الموقر خاصة و أنا حكومة بلادنا عودتنا على الشفافية التامة. لماذا اتفقتم على اعادة ال 800 مواطن تونسي دون غيرهم؟ و ما هي مقاييس اختياركم لذلك؟ ما المقصود بتصاريح الاقامة الوقتية؟ هل يعني ذلك أنهم سيعودوا الى بلدهم بعد ذلك؟ و هل التونسيون الذين "حرقوا" الى ايطاليا غايتهم البحث عن العمل أم أنهم رموا بأنفسهم في أعماق البحار ليتمكنوا من التنقل و التجوال في شوارع أوروبا؟ و أي تونسي يمكنه أن يوفر ما بين 60 و 120 دينارا يوميا حتى يتسنى له الاقامة في جنة الأرض فرنسا؟ خلال الستة أشهر لابد للتونسي أن يتحصل على عقد شغل قانوني يدفع بموجبه الأداءات حتى يتمكن من تجديد الاقامة و من خلال تجاربنا لعشرين سنة فانه عادة ما يتولى العامل دفع الضرائب عوضا عن صاحب الشغل بحكم أن أن أغلب العقود هي للاقامة و ليست للشغل فمن أين لأحدهم أن يدفع آلاف اليوروات لضمان بقاءه في ايطاليا بصفة قانونية و هو الذي استدان ما احتاجه لبلوغ "لامبدوزا"؟ و اذا انتهت الستة أشهر، و التي عادة ما يكون الأجنبي خلالها ليس لديه سوى وصل ايداع بالاقامة، و لم يجد عقد عمل هل يصبح مقيما غير قانوني و بالتالي متابع من طرف الشرطة الايطالية و من نظيرتها الأوروبية لارجاعه الى بلده؟ وكيف لوزير داخلية ايطاليا أن يبرم اتفاقيات مع فرنسا أو غيرها لمراقبة حدود بلادنا و يتولى ارجاع من ينوي الهجرة من تونس؟ أين سيادة تونس اذا يا سيادة الوزير؟ سيدي الوزير، لقد كانت شعار الثورة التونسية تدعو لكرامة التونسي و اعادة الاعتبار للمواطن فاذا به نراه اليوم يتسكع على أبواب روما و ميلانو عسى أن توفر له بعض الجمعيات الخيرية الايطالية لقمة يسد بها رمقه في حين أن البعض منهم مازال في "لامبدوزا" يفترش الأرض و يلتحف السماء مقابل رغيف يتناوله من السلطات الايطالية، بل لقد رأينا الحكومة الايطالية تعرض على الأقاليم استقبال هؤلاء الوافدين فيأتي الرد بالسلب كما حصل مع مقاطعة روما عندما صرح واليها بأن منطقته لم يعد بها مكان للأجانب هكذا، كما قامت بعض الأحزاب الايطالية باحتجاجات لدى القنصلية التونسيةبميلانو و غيرها حتى ذهب الأمر ببعض القساوسة الى اعتبار هؤلاء "الحارقين" خطر يهدد المسيحية في ايطاليا. و لم نرى أحدا من قناصلنا أو بعثاتنا الديبلوماسية قام و لو بزيارة تفقدية لهؤلاء الشباب لمواساتهم أو لتقديم الخدمات لهم حتى قام بعضهم بجرح أنفسهم كنوع من الاحتجاج بمجرد سماع نية الدولة الايطالية اعادتهم الى تونس. الى هذا الحد هان الشباب التونسي صانع الثورة و محرر البلاد من ظلم الطاغية فأصبح الايطاليون يتوجسون منه خيفة بسبب الشحن الاعلامي الايطالي الذي قدمه كمحتل لا كباحث عن لقمة العيش الكريم. هناك مقولة شعبية خلاصتها أنه من لم يجد العز في بلده لن يجده في بلد غيره و قد انطبق ذلك على التونسيون بايطاليا هاته الأيام فأصبحوا على كل لسان و في كل الأخبار بل وصل بهم الحال أن يتجول بهم في مراكب بحرية بحثا لهم عن أرض تقلهم و عن سماء تظلهم ... ان الأمر عظيم و الخطب جلل، فليس المسألة مسألة اقامة من عدمها انما مسألة كرامة و عزة نفس قامت الثورة من أجلها فاذا بنا نسقط من أول امتحان. اني في خلاصة هذه الرسالة أناشد السلطات التونسية و الأحزاب السياسية و كل أطياف المجتمع المدني أن يعملوا، كل من جانبه، ما يستطيع لارجاع كرامة التونسي و حتى لا تتكرر هذه المآسي فقد رأينا بعض التونسيين مازال عليهم أثر الأملاح التي خرجوا بها من البحر بعد أكثر من أسبوع و هم يتجولون في شوارع نابولي لا يجدون ما يسدوا به رمقهم الا ما تجود به الجمعيات التبشيرية كالكاريتاس . منذ 2005 فان الحكومة الايطالية تستدعي سنويا أكثر من 170 ألف عامل أجنبي للاقامة بصفة دائمة و 90 ألف بصفة مؤقتة و تجني منهم ملايين اليوروات في حين نراها تتباكى و تطلق ناقوس الخطر و تجند كل أوروبا لأجل 20 ألف دفعتهم الظروف الصعبة الى البحث عن مورد رزق لأنهم لن يدخلوا لصندوق الدولة شيئا. رجاء أخير لا تبيعوا أبناء بلدي ببعض السيارات رباعي الدفع !!! رضا المشرقي / ايطاليا