د. محمد المهدي تتزايد كل يوم أسماء المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية في مصر، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن: من هو صاحب الفرصة الأكبر لهذا المنصب الرفيع ؟.. والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى سؤال آخر قبله وهو: على أي معيار سيختار المصريون رئيسهم؟؛ فالأمر هذه المرة مختلف إذا وضعنا في الاعتبار أن الانتخابات ستكون نزيهة ونظيفة وحقيقية وليست كالتمثيليات الهزلية في العهود السابقة قبل ثورة 25 يناير. والإجابة البديهية المرغوبة والمثالية قد تكون: "من يقدم برنامجا انتخابيا موضوعيا وواقعيا ويحقق طموحات الشعب بعد الثورة".. وهذا صحيح تماما، ولكن في الحالة المصرية قد لا يكون الأمر كذلك نظرا للظروف التي مر بها المصريون ولتركيبتهم النفسية، فقد حكمهم مبارك ثلاثين سنة وهو يفتقد لأدنى متطلبات المنصب هو والعصابة التي أحاطت به، فسلبوا ونهبوا وأضاعوا مكانة مصر وهيبتها وأهانوا المصريين وقهروهم وعذبوهم وأمرضوهم وأفقروهم. معايير مصرية ومن هذا المنطلق نتوقع أن يهتم المصريون في اختيارهم لرئيسهم القادم بمعيارين غابا عن مبارك وعصابته، وهما: الكاريزما والضمير، وفيما يلي إيجاز لمعنى هذين المعيارين وتأثيرهما في توجهات الناخب المصري: 1 – الكاريزما: وهي كلمة تعني سحر وجاذبية الشخصية وقدرتها على التأثير في الناس وقيادتهم، والشخص ذو الكاريزما العالية يمتع بقدر كبير من الذكاء الوجداني والذكاء الاجتماعي، ويمتلك القدرة على تحريك مشاعر الجماهير وإقناعهم بما يريده من خلال اللعب على وتر المشاعر الوطنية أو الدينية أو غيرها. والشخصية الكاريزمية تعطي للناس شعورا بالقيمة والكرامة والشرف، وترفع من سقف طموحاتهم الشخصية والوطنية، وتحفزهم للحركة والصعود، وقد يكون هذا كله حقيقيا أو زائفا، ولكنه في الحالتين يكون مؤثرا.. فكم من شخصيات كاريزمية قادت الناس لتحقيق أهداف عظيمة (غاندي ونيلسون مانديلا وعبد الناصر)، وكم من شخصيات كاريزمية قادت الناس إلى كوارث رهيبة (هتلر وموسيليني وستالين وصدام حسين). 2 – الضمير: وهو كلمة جامعة لما يملكه الشخص أو يوحي به من قيم الاستقامة والنزاهة ونظافة اليد والصلابة الأخلاقية والالتزام بالثوابت الدينية، وهذا ما نسميه الضمير الشخصي، ويضاف إليه الضمير الوطني بما يعنيه من تفاني في خدمة الوطن ومحافظة على مصالحه العليا والاعتزاز بالانتماء إليه ورفع رايته بين الأمم. والضمير مسألة مهمة لدى المصريين لأن أرض مصر شهدت مولد الضمير الإنساني، وهذا ما يتضح في كتاب "فجر الضمير" لجيمس هنري بريستيد، وعلى الرغم من ذلك فقد أطاح مبارك وعصابته بالضمير، وأوصل المجتمع على مدى ثلاثين سنة من حكمه المشئوم إلى حالة من تردي القيم ظهرت بوضوح للمراقبين المتخصصين وغير المتخصصين، وعكستها دراسات محلية ودولية كثيرة أثبتت تهتكات شديدة في الضمير العام وتنامي للقيم السلبية في عهد مبارك. وليس أدل على ذلك من خضوع مبارك وأفراد أسرته وحاشيته وحكومته وحزبه بعد الثورة المصرية للمحاكمة بتهم التربح واستغلال النفوذ وإهدار المال العام، وإذا جئنا لضميره الوطني فقد أدانته الثورة بالتفريط في حق الوطن وتضييع ثرواته وإهدار كرامته وتسليم قراره للإرادة الأمريكية والإسرائيلية وتقزيم دوره. دعوة للقراءة ولذلك فسوف يصطف المرشحون الجدد أمام معياري الكاريزما والضمير ليختار الشعب من بينهم من يعيد إليه ثقته وحفاوته واحترامه لهذا المنصب الجليل (أو المفترض أن يكون كذلك)، وخاصة أن ثمة أزمة بين الشعب المصري وملوكه ورؤسائه في العقود الأخيرة انتهت نهايات مأساوية بدءاً من الملك فاروق وجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك، وهذا يشير إلى الحاجة لعقد جديد بين الشعب ورئيسه يضمن الأداء الجيد للرئيس والعلاقة السوية بينه وبين الشعب، ثم النهاية الطبيعية لتلك العلاقة بعد انتهاء فترة الرئاسة حتى لا ينتهي مخلوعا بثورة أو مسموما أو مقتولا أو مسجونا أو مشنوقا. وأدعو القارئ أن يحاول قراءة كل مرشح بناءا على هذين المعيارين ويعطيه درجة من عشرة على كل معيار ليرى أيهم سوف يختار، وقد يقول قائل مرة أخرى: "إننا يجب أن نخرج من أسر هذه المعايير الشخصية والذاتية إلى معايير أكثر موضوعية؛ وهي تاريخ المرشح السياسي والوطني وبرنامجه الانتخابي ومدى قدرته على تحقيقه بصرف النظر عن كاريزميته أو ضميره، فالكاريزما لا تصنع إنجازا والضمير شئ يعود للشخص ولا يمكننا الإطلاع عليه". وهذا قد يكون صحيحا في المستقبل، أما في اللحظة الراهنة فما زال المصريون يتحركون (على الأقل في أغلبهم) وفقا لهذين المعيارين. ودعني أيها القارئ الكريم أبدأ بنفسي – في الحلقات القادمة - في هذه القراءة مع بعض المرشحين المعلنين حتى الآن وأترك لك كل الحرية في الاتفاق أو الاختلاف حول ما سأورده من رؤية بعضها شخصي وبعضها من قراءة للتوجهات المؤيدة أو المعارضة لكل شخصية.. فإلى لقاءٍ مع "د. محمد البرادعي"..