لستَ مضطراً أن تزور الأندلس لتبصر جمال الفنّ المعماري في قصر الحمراء أو في قرطبة أو قرطاجة، وحسبك قول تميم البرغوثي من قصيدته في القدس: "تعريف الجمال مثمن الأضلاع أزرق، فوقه – يا دام عزّك – قبة ذهبية تبدو برأيي مثل مرآة محدبة، ترى وجه السماء ملخصاً" لتدرك رقيّ حس الفنان المسلم، هذا الحسّ الذي يعظم الفنّ والذي كان له الأثر وما زال في الدفاع عن أكبر قضايا الإسلام اليوم وهي قضية المسجد الأقصى المبارك. الفنّ هو الحجة والبرهان على أن المسلمين عمّروا هذه الأرض يوماً وبنوا حضارة لم تذب وإن جار عليها الزمن ببلوى من كل صنف لعلّ أبرزها هو الحفريات التي تقام تحتها مما يؤدي إلى زعزعة بنيتها التحتية، وأنه ليس بحاجة إلى أن يحفر تحت الأرض ليثبت حقه فيها مقابل من يحفر يومياً منذ أكثر من ستين عاماً ويا ليته وجد. لدى دخولك باحات المسجد الأقصى المبارك، وأنت ذاهب للصلاة تستوقفك في المسجد القبلي خشوع ريشة الرسم بين يديّ شاب يعيد ترميم زخرفة تعود إلى الفن المصري وهو يعيد رسمها على أعمدة المسجد. تلاحظ الدقة في عمله، وتترائى إليك صورة مختلفة من صور الإحسان. الإبداع في الإحسان إلى بيوت الله، وتشرع في النظر تارة إلى تقلبات يديه، وتارة أخرى إلى السقف المعقود، هذه العقد المستخدمة في البناء من شأنها أن تجعل المبنى بارداً صيفاً دافئاً شتاءاً، وتظل تجول بناظرك من سقف إلى عامود وإلى أن تصل القبة، وهي كفيلة بأن تثير غريزتك الجمالية، وهي عبارة عن بناء دائري مقعر من الخارج، وهناك العديد من القباب القائمة المنتشرة في ساحات المسجد الأقصى، وقد أنشئت هذه القباب في فترات زمنية مختلفة، من الفترة الأموية وحتى العثمانية، ويبلغ عددها 15 قبة، تجملت بعدة أنواع من الزخارف أهمها الزخارف الفسيفسائية، الرخامية، الخشبية والقاشانية. وبعد أن تبحث في تاريخ القباب ومساحاتها، وتتأمل جمالها لا بد أن تعي أن للفن في المسجد الأقصى مساحة وأيّ مساحة. هذه المساحة التي تأبى إلا أن تقول لليهودي في القدس: "ابن ما شئت وعمّر ما شئت حولي فالقبة الذهبية والقبة الرصاصية ستشهدان بأن الأرض ليست لك مهما شيّدت من المستوطنات والكنس" هذه المساحة التي تملأ نفس المسلم ثقة واعتزازاً بأنه ينتمي إلى دين يرفع شعار "الله جميل يحب الجمال" وأن عباداته ليست جافة فمن جمال روحه إلى جمال قماش سجادة الصلاة إلى جمال المسجد الذي يصلّي فيه. هذه مساحة الفنّ في المسجد الأقصى، فنّ لم نبتكره إلاّ لأننا خُلفاء الله في أرضه وجب علينا عمارتها بالحكمة وحماية المقدسات من كل دنس قد يصيبها فللبيت رب يحميه وإن كان بريشة صغيرة لكنها تصنع فرقاً.