بنات الغنوشي وشخصنة النقد.. الشعب يريد ترشيد الخطاب السياسي محمد بن جماعة، كاتب وناشط تونسي مقيم في كندا يبدو أن قدرنا في تونس أن نشهد جميع أشكال أخطاء الخطاب السياسي والفكري دفعة واحدة، منذ الأشهر الأولى لما بعد الثورة.. من محاسبة على النوايا، إلى التخويف من أخطار وهمية، إلى تحريف المواقف، إلى تشويه التاريخ.. وللأسف بدأت القائمة تطول وتطول. ومن بين الأشكال الجديدة هي الزج بأبناء السياسيين في الخطاب السياسي.. وأنا متأكد أن هذا الأمر لا يرضاه من يمتلكون قدرا من الوعي والنضج من السياسيين والناشطين والمواطنين، وهم كثيرون.. ولكن كيف يمكن احتواء مثل هذه الأمور كي لا تنتشر وتضيف للساحة السياسية التونسية رافدا آخر من روافد تسميم الأجواء؟ في معرض التباهي، نشر بعض شباب الفايسبوك من المتعاطفين مع النهضة صورة لإحدى بنات راشد الغنوشي ومعها التعليق التالي: مستقبل بنات تونس من خلال لمحة عن بنات الغنوشي: * تسنيم (دكتوراه دولة في السوسيولوجيا) * سميّة (إجازتان في الفلسفة والتاريخ، عدى دكتوراه دولة في التاريخ) * يسرى (إجازة في الفيزياء، وتعد رسالة دكتوراه في علم الذرّة) * انتصار (دكتوراه في الحقوق ومحامية).. وقد استفز هذا الأمر شبابا آخرين معتبرين أن نظام بن علي كان يشهد تضخيما لصورة ليلى الطرابلسي كنموذج للمرأة التونسية الناجحة، وأن هذا الكلام يهدف لتضخيم صورة بنات الغنوشي كنموذج جديد للمرأة التونسية.. شخصيا، أكره الشخصنة، وأكره التباهي بالإنجازات، خصوصا عندما يأتي من أشخاص ليسوا هم من يحق لهم التباهي.. فبنات راشد الغنوشي فخر لأبيهم وأزواجهم وأهليهم، وبنات المرزوقي فخر لأبيهم وأزواجهم وأهليهم.. وهذا شأن كل عائلات السياسيين وغير السياسيين.. وتفوق المتوفقات منهن أمر طيب وإيجابي، ويشكل بالفعل في الواقع التونسي ظاهرة تلفت الانتباه.. وقد تحدث عنها المنصف المرزوقي مؤخرا في حواره على قناة (التونسية) وذكر أنه لا عجب في أن أبناء أغلب المساجين والمناضلين من المتفوقين دراسيا، لأن ذلك كان نوعا من النضال وردة الفعل على القهر والحرمان وتغييب الآباء في السجون والتصرف كقدوة اجتماعية وسياسية ونضالية. وإن كان هناك من ضرورة لسوق نماذج بنات الغنوشي وبنات المرزوقي وأبناء السياسيين الآخرين، وباقي المناضلات، فيجب أن يكون هذا فقط في سياق التشجيع والتحفيز على التفوق، ونقطة وارجع للسطر.. أما التباهي بأن هؤلاء المتفوقين هم النموذج الوحيد في المجتمع، فهذا قد يصبح مغالطة ويؤدي إلى نتائج عكسية لما أراده ناشرو مثل هذه المسائل. ولكن في نفس الوقت: أعتقد أن طرح الموضوع بالشكل التالي: (أن المرأة التونسية ليس مكتوبا عليها أن تختزل شخصيّتها في أشخاص لا يمثّلونها) هو أيضا خطأ.. أعتقد من الضروري تفادي السقوط في مغالطة من يمثّل ومن لا يمثّل.. النماذج دائما مختلف في تقديرها، وهي تصلح لتحفيز البعض، وليس من الضروري أن تحفز الجميع.. أنا متأكد من أن لا راشد العنوشي ولا بناته، ولا المنصف المرزوقي ولا بناته، ولا حمة الهمامي ولا بناته، يرغبون في أن يتباهى المرتبطون والمتعاطفون معهم سياسيا بمثل هذه الأمور.. ولكن أهمس في آذان الناشطين والمتعاطفين مع أي رمز سياسي أو أي حركة سياسية (نهضة وغيرها): رجاءً: تجنبوا الشخصنة.. وتجنبوا المقارنات الاستفزازية.. وتجنبوا التباهي بالأشخاص وبالتجارب وبالنجاحات، وبالتاريخ.. والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الشخصنة وتعظيم الأشخاص لأنه يؤدي بشكل تدريجي وخفي إلى شكل من أشكال التقديس. ما نحتاجه هو قول الحق بتواضع.. والاقتصاد في المدح والثناء.. والترفع عن الانتقاص من الآخرين بحثا عن المكانة.. والترفع عن ادعاء طرف للوطنية أكثر من الآخرين. المكانة والدور في الحياة السياسية يجب أن يكون أساسهما: المصداقية، والأمانة، والإخلاص، والبرامج العملية التي تخدم الناس، وتساهم في تنمية البلاد، وتوفير الحياة الكريمة والسعيدة لجميع المواطنين بلا استثناء، وتعزز الشعور بالفخر بالانتماء لهذا البلد.