قبلي ...ملتقى سفراء البيئة والعمل التطوعي في سوق الأحد    ورشة علمية حول النفاذ للمعلومة والأزمة البيئية    بنك QNB يقدم رؤيته في مجال التمويل المستدام لمجابهة المخاطر المناخية    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    سحق الإفريقي برباعية: المنستيري يُشعل المنافسة    بطولة ايطاليا المفتوحة: قارورة مياه تصطدم برأس ديوكوفيتش أثناء توقيع التذكارات    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    فرنانة تحتضن الدورة الأولى ل"مهرجان براعم الفرنان"    اليوم وغدا بمدينة الثقافة.. "من السماء" و" البلوار" بمسرح الأوبرا    ملتقى ربيع الشعر بحاجب العيون: " شعر المقاومة...صرخة حبر و نِزال كلمة "    أمير الكويت يعلن حل مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور    عاصفة شمسية شديدة تضرب الأرض للمرة الأولى منذ 2003    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    النادي الإفريقي.. القلصي مدربا جديدا للفريق خلفا للكبير    إقالة مدير عام وكالة مكافحة المنشطات وإعفاء مندوب الرياضة ببن عروس    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    بايدن يخطئ مجددا و"يعين" كيم جونغ رئيساً لكوريا الجنوبية    بالفيديو: سعيّد: هذا تقصير وسيحاسب الجميع حتى المسؤولين الجهويين    لأول مرة/ الاتحاد البنكي للتجارة والصناعة يشارك في دعم النسخة 18 من دورة "كيا" تونس المفتوحة للتنس..(فيديو)    عاجل/ بعد حادثة ملعب رادس: وزارة الشباب والرياضة تتخذ هذه الاجراءات..    بنزرت...بتهمة التدليس ومسك واستعمال مدلّس... الاحتفاظ ب 3 أشخاص وإحالة طفلين بحالة تقديم    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    عاجل: قيس سعيد: من قام بتغطية العلم التونسي بخرقة من القماش ارتكب جريمة نكراء    المسابقة الأوروبية الدولية بجنيف: زيت الزيتون 'الشملالي' يفوز بميدالية ذهبية    حالتهما حرجة/ هذا ما قرره القضاء في حق الام التي عنفت طفليها..#خبر_عاجل    عاجل/ ديلو: قوات الأمن تحاصر عمادة المحامين للقبض على سنية الدهماني..    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    طقس الليلة    عاجل/ الأمم المتحدة: 143 دولة توافق على عضوية فلسطين    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    بالصور/بمشاركة "Kia"و"ubci": تفاصيل النسخة الثامنة عشر لدورة تونس المفتوحة للتنس..    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    ماء الصوناد صالح للشرب لكن التونسي تعود على شرب المياه المعلبة... مدير عام الصوناد يوضح    عاجل/ إندلاع حريقين متزامنين في جندوبة    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    عاجل/ جندوبة: العثور على جثة طفل مشنوقا بمنزل أهله    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    اليوم: فتح باب التسجيل عن بعد بالسنة الأولى من التعليم الأساسي    كاس تونس (الدور ثمن النهائي) : تقديم مباراة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى الى يوم الجمعة 17 ماي    وزير التشغيل والتكوين المهني: الوزارة بصدد إعداد مشروع يهدف إلى التصدي للمكاتب العشوائية للتوظيف بالخارج    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    أنس جابر في دورة روما الدولية للتنس : من هي منافستها ...متى و أين ؟    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    عاجل/ هجوم مسلح على مركز للشرطة بباريس واصابة أمنيين..    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    نبات الخزامى فوائده وأضراره    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس الغد .. أو عندما يؤسس الطغيان لعودة الإيمان


بسم الله الرحمان الرحيم
تونس الغد .. أو عندما يؤسس الطغيان لعودة الإيمان
صحيح أن الصور الاستباقية و أن الخلفيات السمعية تصنع قناعات أولية تكاد تكون راسخة , فالإنسان ابن سمعه كما يقال يشكل آراءه بناء على ما ينقل إليه , و لهذا كانت مسؤولية السمع كبيرة في القران الكريم : ﴿ إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ و تقديم السمع على البصر والفؤاد في الآية يكاد يكون من هذا الباب , و لهذا ورد أيضا في القرآن الكريم الأمر بالتثبت عند السماع : ﴿ يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ﴾ الحجرات 06 , فكم من قناعات صنعناها لأننا سمعنا , و كم من آراء تبنيناها لأن الخبر دق طبول آذاننا .
حقيقة تتقدم بين يدي هذا الموضوع الذي يتناول واقعا قد يكون خفيا و لكنه واقع ؛ واقع أرض اختارها الصحابة عليهم رضوان الله لتكون بوابة الفتح للمغرب الأوسط و المغرب الأقصى ( الجزائر و المغرب ) و لكل إفريقيا , و لتكون منطلق النور الذي ولج أوروبا عبر بوابة الأندلس ؛ واقع أرض احتضنت في جنباتها المسجد العظيم بالقيروان الذي كان مركزا للعلم و الدعوة و الجهاد و الثبات , إنه واقع افريقية أو تونس البيضاء[1].
إذا هي صورة قاتمة معاصرة تحملها الخلفية الفكرية و الدينية لغالبيتنا عن تونس العهد الجديد : انحلال , تفسخ , علمانية متطرفة , مجاهرة بمحاربة الصلاة و الحجاب , مساجد مغلقة , مخامر مفتحة , شعب لا يعرف من الإسلام إلا طقوسا في رمضان و المولد النبوي .., شباب لا يعرف من الإسلام لا اسمه و لا رسمه ..., إلى غيرها من الصور التي ترسخت في أذهاننا مع أخبار سجن الدعاة , و مع حملات الفئة الحاكمة التي تسمى بحملات التنوير و التونسة[2]. تونس العهد الجديد أو عهد التحول أصبحت مرتعا لمن أراد أن يعصى الله تعالى بمناسبة و بغير مناسبة , و أصبحت قبلة يهاجر إليها الشباب من الدول العربية المجاورة بل حتى الأوروبية .. فهناك المتعة مضمونة بأرخص الأثمان .
و تزداد هذه الصورة ثباتا و ترسخا وأنت تطوف في شوارع مدن رئيسية كالقيروان و سوسة و الحمامات و نابل و صفاقس و جزيرة جربة و العاصمة ... و غيرها في الشريط الساحلي , أين لا ترى من أثر الثقافة العربية أو الإسلامية إلا الشيء القليل و على حياء ؛ تبحث في وسط ذلك الزخم الأوروبي عن ما يشير إلى وجود الإسلام فلا تكاد تراه , الحجاب منعدم , صوت الآذان غائب , أثر التدين عملة نادرة , حتى و لو ظهرت امرأة محجبة لتبين لك بعد لحظات أنها جزائرية أو ليبية .
فهي صورة مشاهدة تؤكد ما ثبت في المخيلة من أن النظام العلماني التونسي نجح في القضاء على الإسلام و كل ماله علاقة بالإسلام و لو شكليا , عبر سياسات قاد كِبَرَها الحبيب بورقيبة أول رئيس لجمهورية تونس , و أتم نسجها زين العابدين بن علي ثاني رئيس عرفته تونس , و ختم زخرفتها حرم الرئيس الثاني الحاملة للواء حرية و حقوق المرأة .
من هذا المشاهدات السريعة ترسخت تلك الأقوال و أصبحت تونس قطعة أوروبية مغروسة في المغرب العربي ؛ فهل حقا نجح النظام العلماني في إماتة التدين في تونس ؟ و هل أصبحت تلك المظاهر الغربية من التميع و الانحلال هي شأن تونسي صميم ؟ هل أصبحت أرض الزيتونة مرتعا لكل طال شهوة ؟
ü تجفيف منابع التدين :
انطلقت خطة تجفيف منابع التدين في تونس من أواسط السبعينات من القرن الماضي خلال حكم الرئيس بورقيبة , أين ركز في خطته الأولى على ما يسمى توْنسة المظاهر العامة و الأفكار و الأخلاق , منطلقا من انتماءاته اليسارية بدأ في تحقيق ذلك عبر مراحل اتسمت في بدايتها بنوع من تحبيب الصورة الجديدة للرجل التونسي و المرأة التونسية , و التي تميزها مظاهر التحرر و التركيز على البناء و التطوير , فاقترن التحرر بنزع الحجاب و اقترن البناء بالدعوة إلى الأكل في رمضان . ثم انتقلت هذه الخطة إلى المرحلة الثانية و التي انتهجت أسلوب الضغط و الإكراه لإبعاد الناس عن الدين , بحجج تتعلق بصورة تونس الدولية و بالتنمية و التنوير إلى مستوى آخر ليكتسب صبغة شمولية خلطت بين مظاهر التدين و بين ما يسميه العلمانيون الإسلام السياسي , ليتحول أدنى مظهر للتدين كالحجاب و اللحية بل مجرد التردد على المساجد علامة على الانتماء لحركة النهضة الإسلامية التي قادت الصحوة , و بالتالي فذلك المظهر يعد تهمة قد تصل بصاحبها إلى السجن و التعذيب .
فأصبح الحجاب بذلك زيا طائفيا , و أصبحت الكتب الدينية منشورات مهددة للأمن القومي , و أصبحت صلاة الشباب للفجر دلالة على ميولاته المتطرفة , و بالحديد و النار و القهر و الإفقار [3] تمكن العلمانيون المسيطرون على السلطة - و بعصا الأمن العسكري و البوليس السياسي - من تفكيك أركان النهضة ظاهريا و قتل كل محاولة للعمل الإسلامي في مختلف الميادين وصولا إلى القضاء على الكثير من مظاهر التدين , فأصبح الحجاب مثلا عملة نادرة لا تراه إلا على حياء في بعض المناطق الداخلية . كل ذلك متزامناً مع فتح المجال لقنوات الانحراف و لزوايا الرذيلة بشكل ممنهج ساعده ودعمه إقبال السياح الأجانب , فأصبحت أرض الزيتونة في عهد التحول الجديد مصبا للمعاصي و مرتعا للانحراف و قبلة لعشاق الشهوة .
ü الخطاب الديني :
تزامنت عمليات التجفيف مع خطاب ديني عبر المساجد و قنوات التلفزة وبعض الإذاعات أقل مل يقال عنه أنه خطاب تخديري
صميم , خصوصا في الفترة التي سبقت انتشار القنوات الفضائية . فكان هذا الخطاب المسمى دينيا مسوغا بشكل مبالغ فيه في
أحيانا لسياسة النظام العلماني الحاكم , فهو الخطاب الذي أعطى شرعية لنزع الحجاب بحجة أن الشكل الموجود لا علاقة له بتونس و واقعها و أعرافها و تقاليدها , وهو الخطاب نفسه الذي أدخل غالب التونسيين في قبضة الفوائد الربوية عندما اعتمد تعميم الضرورة و التي تعد في الفقه الإسلامي من الحالات الاستثنائية التي تقدر بقدرها , و لكنها تحولت في تونس الحداثة إلى أصل يقاس عليه و يعمم .
و يتجاوز هذا الخطاب نطاق المعاملات الشخصية و العبادات الفردية إلى نطاق العلاقات الدولية بمفهومها البسيط , أي العلاقات مع غير المسلمين ( اليهود و النصارى خصوصاً ) الذين يمثلون ثلثي من يزور تونس من أجل السياحة ؛ فمن أجلهم اختفى من الخطاب الديني كل توجيه متعلق بمفهوم الولاء و البراء , بل اختفت حتى بعض المعاني التي يعرفها الكبير و الصغير في تفسير القرآن الكريم , فمثلا يركز بعض الخطباء على أن معنى : ﴿ غير المغضوب عليهم ﴾ هم العاملون بغير علم , و معنى: ﴿ الضالين ﴾ في سورة الفاتحة هم العالمون بغير عمل , في حين يختفي إطلاق اليهود على المغضوب عليهم و إطلاق النصارى على الضالين , في الوقت الذي يستغرق مفهوم الأخوة الإنسانية مع الجميع غالبية الخطاب في المساجد التونسية .
طبعا و لا حاجة إلى ذكر موقف هذا الخطاب من قول الله عز وجل : ﴿ و اضربوهن ﴾ , حيث أصبح مجرد قراءة الآية حدثاً يذكر عند المصلين .
و يقع هذا في ظل إغلاق المساجد حيث لا تفتح إلا خمس ( 05 ) دقائق قبل الآذان , و تغلق خمس ( 05 ) دقائق بعد الآذان مع الخمس دقائق المخصصة للصلاة .
أيضا في ظل تقديم نماذج لمسمى الأئمة و الدعاة و دكاترة الشريعة و أساتذة الفقه و العقيدة و الحديث ... تجسد ذلك الخطاب شكلاً و معناً , فتقدم فلانة[4] على أ،ها دكتورة في علم الحديث و أستاذة الحديث في جامعة الزيتونة و هي متبرجة بلباس يستحي المسلم من وصفه فما بالك النظر إليه و إليها[5] .
و يزداد التخدير إغراقا من خلال انتشار الطرق الصوفية الضالة بشكل كبير حتى أصبحت تمثل أحد أعمدة النظام الحاكم , و لا يخفى ما تفعله في العقول و القلوب و الجيوب , مع انتشار مكاتب في كل أنحاء تونس لشيء يسمى العالم الروحي أو الشيخ الروحي أو الخبير الروحي ... و هي عبارة عن نماذج معاصرة للمشعوذين و لكن ببدلة و مكتب و موعد مسبق , و يكفي الإطلاع على أي جريدة لتجد الإعلانات الإشهارية لهؤلاء تشغل حيزا مهما من الصفحات المعدة للّإشهار .
و لكن يشاء الله تعالى أنه خلال السنوات القليلة الماضية أصبح هذا الخطاب معزولاً عن غالبية المصلين خصوصا الشباب , الذين وجدوا ضالتهم في القنوات الفضائية الدينية و في بعض مواقع الانترنيت .
ü الطغيان يؤسس لعودة الإيمان :
أن تصلي في تونس و تلتزم صلاة الجماعة فهذه جريمة تستحق التزامك مرتين في اليوم بالحضور إلى مركز الأمن . أن تكون لك لحية
- و لو كانت خفيفة - فقد أعلنت الحرب على نفسك . أن ترتدي الحجاب : فأنتِ إذا مصرة على نشر الأزياء الطائفية المهددة للأمن العام و الاستقرار الاجتماعي . أن تأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر فتلك حالة دونها قطع الرقاب و تهمة نتيجتها حبل المشنقة ...
بالحديد و النار واجه النظام العلماني - المدعي للديمقراطية و الحرية - كل محاولة لالتزام الشباب . و لكن هل حقق هذا نتيجة ؟
الناظر نظرة عامة يقول : نعم ؛ و لكن مهلاً .. فالغوص في ثنايا المجتمع و في أحياء سوسة الشعبية و في أركان مساجد القيروان و القصرين , و في صفوف الطلبة و الطالبات , و عبر مجالس الشباب - العامة و الخاصة - , و عبر الصفحات الالكترونية الاجتماعية ... ينبيك بالخبر اليقين .
يقين يعْلمك أن التدين لم يختف من تونس و ن كان قد توارى عن الأنظار خلال السنوات العجاف , فموجات العودة إلى الله تعالى تزداد هديراً في صفوف الشباب بشكل كبير و آخذة أشكالاً كثيرة :
Ø العودة إلى المساجد و التزام الصلوات , و يكفيك أن تزور جامع حمزة رضي الله عنه في مدينة حمام سوسة لترى كيف أن الشباب يملأ أركانه صادحاً بذكر الله تعالى , إلى درجة أنك لن تجد مكاناً إذا كان قدومك متأخراً إلى صلاة الجمعة , فالمصلى و الساحة الداخلية و الساحة المجاورة للمسجد كلها عامرة بالذاكرين في مشهد كان غريباً عن تونس قبل سنوات.
Ø عودة الخطاب الديني الحقيقي و الصحيح و الواعي لبعض المساجد , فهذا الشيخ لحبيب خماري إمام جامع حمزة[6] يمل لواء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في جرأة و صراحة لا توجد حتى في بعض الدول التي تنعم بالحرية كالجزائر .....
Ø بداية انتشار الحجاب المقترن بالتحدي إل درجة استفزاز النظام البوليسي من خلال الإصرار على الزي الإسلامي في الجامعات و الأحياء , حتى أن لبس النقاب و الذي يعتبر - عند النظام - جريمة بدأ يظهر بشكل مثير للانتباه .
Ø بروز بعض علامات التدين - و إن كانت قليلة - نتيجة موجات التوبة , و التي أصبحت حديث العام و الخاص , فأن يقوم صاحب فندق مشهور بسوسة[7] بإغلاق فندقه لمدة و إعادة فتحه من جديد بعد إغلاق الملهى الموجود فيه و تهديمه و بناء مصلى مكانه , فليس بالحدث العابر في تونس .
Ø إقبال العائلات على تحفيظ الأطفال الصغار القرآن الكريم إلى درجة التنافس المحمود , رغم شح مراكز التحفيظ و الكتاتيب , و لكن بعض الاجتهادات الفردية جعلت حفظ الأطفال القران الكريم ظاهرة ملاحظة .
إلى غيره من المظاهر الخفية و التي بدأت تنشئ جيلا جديدا و عقلية جديدة , ربما لم يحسب لها الطغيان حساباً , فلم يكن القهر إلا وسيلة لإخفاء التدين لا لإزالته , بل كان في كثير من الأحيان سبباً للعودة إلى تعاليم الإسلام , فحملات تشويه الملتزمين و تسويد صورة الحركة الإسلامية و الترهيب من الدعاة و الشباب المتدين و المحجبات ... جعلت البعض يبحث في حقيقة هذا
العدو التونسي المصطنع من طرف النظام و المسمى محليا : ( الاخوانجية )[8] , فكان البحث فتحاً من الله تعالى على الكثيرين فعادوا إلى ربهم و انظموا في شرعة النظام إلى المغضوب عليهم و المحذر منهم .
إذا في تونس .. الطغيان يؤسس لعودة الإيمان .. نعم : لم تفلح أبداً كل أساليب التجفيف و الترهيب و التخويف , بل صنعت موجات من التحدي و التمنّع و ردّات الفعل , و التي تزداد جرأة من فترات لأخرى ؛ فتزداد ظهوراً في المجتمع و يزداد انتباه الناس لها . و كأن الطغيان بفعله الأحمق قد أوقد شعلات الإيمان في قلوب الشباب , و هذا ما يحدث وحدث عبر مسارات الإيمان و صراعات الحق و الباطل : ﴿ و لله الأمر من قبل و من بعد ﴾ .
ü مستقبل التدين و مصير الطغيان :
يشاء الله عز وجل - و هذا المقال قد بلغ شطره - و دون سابق إنذار أن يتحرك الشعب التونسي في انتفاضة عفوية حركت بل هدمت أركان النظام العلماني الظالم , فخرج الشعب فيما أصبح يعرف بثورة 14 جانفي متحدياً كل التسلط و القهر و الإرهاب البوليسي , و ما هي إلا لحظات حتى فر الطاغية و هرب الزبانية أو قبض عليهم من طرف الشعب الذي استخفوا به طويلاً , في آية من آيات الله تعالى قذف ربنا فيها الشجاعة في قلوب المستضعفين , و قذف الرعب في قلوب الظالمين , لتكون حكاية تونس حكايةً أخرى , سطر فيها الشباب المتدين مع باقي فئات الشعب أسطورة أصبحت تونس الزيتونة رمزاً لها , لتكتسي ثورة الياسمين رونقاً تزين بدماء الشباب في القصرين و سيدي بوزيد ... و غيرها فكم من شاب متدين اغتيل خال تلك الأحداث بسلاح القناصة و هو خارج من المسجد . لتكون وفاة أولئك الشباب الطاهر شعلة أخرى تزيد من ضياء مشعل الحرية , و لتكون نهاية الطغيان و مصير الظلم الذل و الهوان : ﴿ فقطع دابر الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين ﴾ .
فيشاء الله تعالى أن تزول دولة الظلم بما تملكه من قوة وسلطان , و يبقى التدين بشكله البسيط ؛ و لكن هذه المرة ببروز أكبر و ظهور جلي في جنبات المجتمع , الأمر الذي يطرح واقعاً جديداً يحتاج إلى دراسة متأنية ارسم صورة مستقبلية للتدين في تونس .
إذ كما هو معلوم أن سياسات تجفيف التدين قد اضطرت الكثيرين من الدعاة و علماء الإسلام إلى الخروج و الهجرة من أرض الزيتونة , و أوصل القهر و التعذيب البعض الآخر إلى القبر أو القبو[9] , بينما لجأ آخرون - و هروبا بدينهم - إلى اعتماد سياسة الخمول و البعد عن الساحة الدعوية , فكانت منابع التدين الجديد تعتمد على القنوات الفضائية و بعض الكتب التي كانت تدخل إلى تونس من الجزائر أو عن طريق الحجاج ... و غيرها سراً و تطالع سراً . و هذا ما شكل نوعاً من التدين البعيد عن حضن العلماء و توجيهات الدعاة , فنشأت بعض الأفكار الشبابية المتطرفة أو القاصرة عن استيعاب حاجات المجتمع التونسي بواقعه الجديد .
فقد كان سقوط النظام البوليسي فرصة للشباب للعودة إلى المساجد , بل تحركت بعض الأنشطة الدعوية من دروس و محاضرات ..
في مختلف المساجد يشرف عليها بعض من تعرض للابتلاء في العهد السابق , أو بعض طلبة العلم العائدين من مصر و السعودية و سوريا من دون إتمام المشوار العلمي - باستثناء القلة القليلة - حيث عادوا مكرهين في إطار تسليم المتهمين بتهم متعلقة بالإرهاب و التطرف , فعادوا من الحلقات العلمية إلى السجن ليجدوا أنفسهم مباشرة رواداً في المنابر العلمية بالمساجد بعد خروجهم من المعتقل عند سقوط النظام . و يبقى بعض الدعاة المتمكنين قلة لا يمكنهم السيطرة على حماسة الشباب المقبل على المساجد , المتعطش للعدة إلى ربه سبحانه و تعالى .
هذا الواقع الجديد يضعنا - من وجهة نظر شخصية - أمام خطر قد يتهدد التدين في مجتمع مثل المجتمع التونسي الذي تغلُب عليه العلمانية و التدين الوراثي و انتشار الشهوات و الملذات ؛ فقد يغرق الخطاب الديني في إثارة صراعات داخلية أو خارجية تلهيه عن حقيقة المهمة الدعوية التي يجب أن يشرف عليها في المرحلة المقبلة . أو قد ينجح في صناعة عداوات مع باقي فئات المجتمع غير المتدينة , و يكرس من خلال ذلك التخوف من المتدينين الذي غرسه النظام السابق في المجتمع .
فلست أدري في أي نطاق يمكن أن نصنف طرح موضوع : " اللحية " مثلاً بشكل مبالغ فيه و بطريقة يغلب عليها إصدار الأحكام على غير الملتحين بعد أيام فقط من تحرر المساجد من سلطة البوليس , أخذا بعين الاعتبار أن الثقافة الدينية في المجتمع مازالت غائبة .
و هو نفس التساؤل يطرح أمام قيام بعض الشباب بتوزيع قصاصات عن " نواقض الإسلام " في كل مساجد مدينة سوسة , أليس من شأن ذلك أن يهون عند هؤلاء مسألة التكفير و هي مسألة خطيرة جدا ًإن ابتعدت عن الفهم الصحيح فقد تؤدي إلى استباحة الدماء و بإخلاص .
و بالتالي يبدو أن الأمر يحتاج إلى توقف من دعاة الإسلام في تونس , و يحتاج إلى تدخل من علماء الإسلام في الخارج ممن لهم مكانة كبيرة عند التونسيين - و الشباب المتدين خصوصاً - من أمثال : الشيخ يوسف القرضاوي , و الشيخ محمد حسان , و الشيخ أبي إسحاق الحويني ...لتوجيه الشباب , و وضع خطط لممارسة العمل الدعوي على بصيرة و علم و هذى , لاستثمار هذه العاطفة الرائعة من التدين , و توجيه هذه القوافل النيرة من العائدين إلى الله تعالى .
مع ضرورة التنبه إلى واقع جديد آخر قد يكون عائقاً أما التدين , و هو أن انتفاضة الشعب التونسي برغم مشاركة كل الفئات و الأفكار في صناعتها , إلى أن من تبناها و أصبح يتكلم باسمها في الغالب هم الشيوعيون و اليساريون و العلمانيون الجدد , مما قد ينبئ عن صراع قد ينشب في مستقبل الأيام يقوده هؤلاء ضد الإسلاميين و الملتزمين , خصوصاً في حالة بقاء ترسانة القوانين الحالية كما هي .
ü التدين مستقبل تونس :
صلى التونسيون قبل أيام صلاة الاستسقاء , و هي الصلاة التي غابت منذ 23 سنة , فأنعم الله تعالى بغيث لم يتوقف طيلة أيام , فاستبشر الجميع , و ثبت بحمد الله أن الخير ما يزال كثيراً في أرض الزيتونة , و أن مصير تونس و مستقبلها أن تعود إلى الإسلام ,
بشرط أن يحسن دعاة الإسلام العمل , و يحببوا الناس في دينهم , و أن يكونوا دعاة لا قضاة : و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله . ينصر من يشاء و هو العزيز الرحيم " الروم 4-5 .

و صلى الله على سيدنا محمد و آله و سلم

عبد الرحمان بن أحمد بوقرنوس
مدينة سوسة 01/02/2011 م

عبد الرحمان بوقرنوس . جمهورية الجزائر
البريد: [email protected]
------------------------------------------------------------------------
[1] - تسمى تونس الخضراء و استبدلتها بتونس البيضاء لأنها بيضت بالإسلام إفريقيا السوداء .
[2] - التونسة : فكرة أن التدين يجب أن يخضع للثقافة التونسية في الشكل و الجوهر بعيدا عن أي أزياء أو أشكال مخالفة لواقع تونس ... و هي كذبة ظاهرة .
[3] - نسبة إلى الفقر : حيث أدخل غالبية الشعب في فقر ممنهج لإلهائه عن أي تفكير آخر .
[4] - لم أذكر اسمها عمدا .
[5] - لابد من أن أذكر هنا الاحتفاء الرسمي ببعض الكتابات و الكتب التي تثير الشبهات أو تمس بعض المقدسات كتكريم صاحبة كتاب " دثريني يا خديجة " .
[6] - جامع حمزة ببلدية حمام سوسة الملاصقة لمدينة سوسة .
[7] - الطريق الساحلي بالقنطاوي .
[8] - الاخوانجية أو السلفية أو الخمينية كلها مصطلحات القصد منها تشويه صورة المتدين في تونس , و ارتبطت هذه المصطلحات بمصطلح آخر : الإرهاب .. و الاخوانجية نسبة إلى الإخوان و الخمينية نسبة إلى ثورة الخميني .
[9] - أسوأ أنواع الزنازين في السجون التونسية , و هي عبارة عن غرف مظلمة توجد تحت الأرض معزولة عن كل العالم , مخصصة للمسجونين السياسيين , من خرج منها حيا فقد وهبت له حياة ثانية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.