عبد العزيز التميمي لئن اتفق العالم على تخصيص الأول من ماي من كل عام ليصبح موعدا للاحتفال بحلول الذكرى العالمية للأحداث المتصلة بقضية هايماركت عام 1886. فإن يوم 8 ماي يذكّر بالمجزرة التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بالجزائر سنة 1945 وأصبحت منطلقا ملحميا لتأسيس ثورة التحرير الجزائرية. ولو تم رصد جميع الأحداث الكبرى التي حصلت في شهر ماي لأصبح دهرا لذاكرة الشعوب وخبراتها. فمن يوم العمال العالمي إلى ذكرى سنوات الجمر لحرب التحرير الجزائرية، بعبارة المنتج والمخرج السينمائي الجزائري المعروف محمد لخضر حامينا. وحرب التحرير الجزائرية ما هي إلا فصل من فصول حركة التحرير العربية والمغاربية التي تمثل العمق الاجتماعي الثقافي والسياسي للمصير العربي والمغاربي الوحدوي المشترك. ففي الثامن من ماي من سنة 1945 اقترف الاستعمار الفرنسي جريمته النكراء في حق جزائريين لم يكن يحسبهم من الآدميين. جريمة تعالت أصوات ضحاياها شاهدة في التاريخ على ما اقترفه السادة المتحضرون باسم المدنية من مجزرة سجلت كجريمة ضد الإنسانية، وسماها العديد من المؤرخين هولوكستا فرنسيا. كانت اللحظة فاصلة، حين وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وهزم المحور النازي والفاشي أمام الحلفاء الاستعماريين. تجمعت جماهير الشعب الجزائري أطفالا ورجالا ونساء بالساحات العامة للاحتفال بهزيمة النازيين أمام الحلفاء وانتهاء الحرب باعتبارها مقدمة لتحررهم من المستعمر الفرنسي بعد أن ذاقت فرنسا ويلات الحرب والاستعمار النازي على يد حكومة (فيشي ) التي أعلنها الماريشال فيليب بيتان في جويلية 1940 لتنتهي في سبتمبر من سنة 1944م. امتلأت الساحات العامة في الجزائر بالجماهير الشعبية في مسيرات سلمية حولتها فرنسا جريمة نكراء في حق النساء والرجال والأطفال العزل حيث قوبلت المظاهرات السلمية بالرصاص الحي للجيش والجندرمة الفرنسية في صدور الأبرياء الذين تطلعوا طويلا على امتداد أكثر من قرن إلى الانعتاق والحرية فكان جزاؤهم لئيما وأليما، تمثل في استشهاد أكثر من 45 ألف وطني مكافح، جندلهم رصاص الاحتلال الاحتلال في شوارع سطيف وأفران الجير بهليوبوليس، وقالمة وخراطة وقسنطينة، وانتهكت قرى عديدة في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها. ولكن تلك المجزرة التي فضحت آنئذ فاشية المستعمر مثلت بداية النهاية لسقوطه وانسحابه من الجزائر المجاهدة وبات الاستقلال الجزائري أفقا تراه العين. فقد كان انتصار الحلفاء يعني خروج فرنسا من الأرض الجزائرية بعد احتلال دام أكثر من قرن. وقد تتالت أجيال المقاومين من الأمير عبد القادر الجزائري إلى جمعية العلماء إلى بوعمامة إلى حزب الشعب ومصالي الحاج، إلى جبهة التحرير الوطني وأحمد بن بلا ورفاقه. كم كان المستعمرون واهمين حين اعتقدوا أنهم بوحشيتهم سيتمكنون من إجهاض الحرية ولو إلى حين· إلا أن مجازر 8 ماي كانت المقدمة الميدانية والروحية للثورة التحريرية التي فجرها الشعب الجزائري في فاتح نوفمبر من سنة 1954. وكانت الثورة التي حررت الجزائريين وسجلت تاريخا من البطولات التي لازال يراكمها العرب والمغاربيون عساها تفتح على أفق لوحدتهم الوطنية الشعبية والديمقراطية بمرجعياتها الإسلامية ومساراتها في استراتيجيات التنمية. ولئن كانت انتصارات جويلية 2006 في لبنان على العدوان الصهيوني الغاشم، والصمود البطولي في غزة في جانفي 2009 أمام الرصاص المصبوب الفاشي الحاقد على النساء والأطفال والأبرياء العزل، وأمام تخاذل النظام الرسمي العربي. فليكن يوم 14 جانفي 2011 التونسي يوما سنويا عربيا وعالميا للثورة.. ويوم 8 ماي 1945 الجزائري يوما عربيا وعالميا للحرية. المصدر: الفجر عدد 5 الجمعة 6 ماي 1991