تظل السيدة زينب الغزالي هي الرمز الواضح والمعروف لنساء الإخوان المسلمين، حيث تصدرت المشهد الإخواني جنبا إلى جنب مع قيادتها، بل إن صوتها في بعض الفترات كان أقوى حضورا وانتشارا من صوت قياداتها الرئيسية، وباستثنائها ظلت القيادات النسائية ودورها وكفاحها في حركة الإخوان المسلمين مجهولة وغائبة عن المشهد، على الرغم من أن تاريخ مشاركة النساء الإخوانيات خاصة في المجال الدعوي والاجتماعي كان مواكبا لبدايات نشوء الحركة وانتقالها إلى القاهرة عام 1932، ثم تطور مشاركتهن لتدخل المجال السياسي بدءا من عام 1944 حيث شهد هذا العام إطلاق أول لجنة تنفيذية "للأخوات المسلمات" بأمر مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا وبإشراف محمود الجوهري، وهي اللجنة التي ضمت 12 أختا برئاسة السيدة آمال العشماوي ووكيلتها السيدة فاطمة عبدالهادي. هذه اللجنة التي اشتغلت داخل المجتمع المصري بقدرات تنظيمية عالية توازي القدرات التنظيمية للإخوان، ولا عجب في ذلك إذ كان هناك إشراف وتوجيه من جانب الإخوان للأخوات، لكن ذلك لم يمنع أن تتمتع الأخوات المسلمات ببصيرة نافذة في الكثير من أمور دعم ومساندة وحماية الجماعة، والتعرف على تلكم النساء اللاتي يمكن ضمهن للجماعة وكسب ثقتهن وولاءَهن تماما، فاستطعن استقطاب نماذج من مختلف شرائح المجتمع. السيدة فاطمة عبدالهادي التي عاصرت وعايشت عن قرب البدايات الأولى للجماعة واقتربت من رموزها المؤسسين الكبار، وزوجة أهم شخصيات تنظيم 1965 "محمد يوسف هواش" الذي أعدم مع سيد قطب في عام 1966، نشرت أخيرا شهادتها تحت عنوان "رحلتي مع الأخوات المسلمات من الإمام حسن البنا إلى سجون عبدالناصر"، وفيها تكشف البعد الغائب لقدرة جماعة الإخوان المسلمين على الصمود والاستمرار والحفاظ على قوة زخمها في المجتمع المصري، فبعيدا عن التقنيات التكنيكية التي استخدمتها الجماعات لحفظ قدراتها التنظيمة والتجنيدية والاقتصادية والعقائدية وغيرها، كان جانب النساء وما تتمتع به المرأة المصرية من قوة وصلابة في التحدي، يلعب دورا حيويا بل جوهريا في الحفاظ على الكيان الأسري والعائلي لأفراد الحركة. وظهر هذا الدور جليا مع بدء سلسلة المحن والاعتقالات التي تعرضت لها الجماعة في العصر الملكي أو بعد قيام الثورة وفي عصر عبدالناصر خاصة وقضية تنظيم 1965 التي أودت بأبرز رموز الجماعة، "كان قسم الأخوات المسلمات من تولى رعاية أسرنا وقت غيابنا في السجون والمعتقلات، فكانت الأخوات يجمعن التبرعات ويدبرن نفقات البيوت التي غاب عائلها، وكن يوفرن الحاجات الأساسية لأي أسرة سجن عائلها أو فر هاربا من المعتقل". اللافت في تقدمة الكتاب التي كتبها د. محمد فريد عبدالخالق عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، وعضو مكتب الإرشاد الأسبق، مدير عام دار الكُتب والوثائق القومية سابقًا، هو إشارته إلى أن قضية الحجاب لم تكن حاضرة في الزمن الأول لتأسيس الجماعة "مثلا كانت أختي سعاد غير محجبة، وحين خطبها صلاح شادي لم تكن محجبة، وظلت هكذا فترة حتى تحجبت، فيما كانت زوجتي كوثر الساعي أسبق منها للحجاب، كان يكفي الإيشارب أو غطاء الرأس، وكانت الأخوات كلهن محتشمات بعيدات عن التبرج والابتذال، أما النقاب فلم نسمع به وقتها أبدا، وأستطيع القول إننا لم نشهد حالة نقاب واحدة ولم نسمع بمنقبة أو نر أختا من الأخوات ارتدت النقاب إلا بعد التغيرات التي شهدتها مصر في حقبة السبعينيات من القرن العشرين مع بداية نمط التدين الوهابي القادم من الخليج، والغريب تماما عن نمط التدين في مصر ولدى الإخوان المسلمين أيضا". تغلغلت الأخوات المسلمات في المجتمع وامتد نشاطهن من إقامة مشغل خياطة وتطريز وتعليم ودعم الأسر الفقيرة من خلال "دار الأخوات المسلمات" إلى الشارع والمؤسسات والهيئات الحكومية، لم تكن دعوتهن مقصورة على مكان الدرس الأسبوعي أو الزيارات الأسرية والعائلية بل امتدت إلى الأماكن العامة، وفي نشاط مواز لنشاط الجماعة قامت بنشر الدعوة بين النساء في كل مصر، وخرجن من القاهرة لتأسيس فروع لقسم الأخوات المسلمات في أنحاء القطر المصري "سافرنا إلى بورسعيد، وأسيوط والمنيا وكثير من المحافظات وأسسنا فروعات للأخوات المسلمات، وكان الأخوان يرتبون لنا برنامجنا في كل مدينة قبل أن نسافر إليها، فكنا ننزل في بيت معين تجتمع فيه السيدات، فكنا نعطيهن بعض الدروس ونوجهن للعمل والقراءة في كتب معينة، وكانت مدة الزيارة تختلف حسب الظروف". لا يملك المرء إزاء النماذج والتضحيات التي قدمتها نساء الإخوان المسلمين فتياتهن وزوجاتهن وأمهاتهن وتشير إليها السيدة فاطمة عبدالهادي في شهادتها إلا أن يقف أمامها بإجلال خاصة أنه كثيرا ما كانت تعتقل نساء عائلة بكاملها، وأمهات وبنات وزوجات معتقلين، فيما كانت أطفالهن في الخارج بلا عائل في كنف هذا أو ذاك، فالأب والأم والجد والجدة في السجن، "في المعتقل 1954 1965 كان معنا كل الأخوة المسئولات عن العمل النسائي في الجماعة تقريبا". وتقول فاطمة "كانت من مهازل النظام (تقصد النظام الناصري) اعتقاله لسيدات فوق الستين وفوق السبعين من العمر مثل والدة الأخ أحمد عيد من مصر الجديدة، وقد كان عمرها فوق السبعين، ولم يكن لها أي ذنب إلا أن ابنها كان قد قضى عشر سنوات في السجن ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى، وكذلك السيدة عالية السيد حسن والدة الأخ جودت شعبان الذي قضى عشر سنوات في السجن، وكانت قد تجاوزت الخامسة والستين وليس لها علاقة بالإخوان وقد اعتقلوها لأنها اعترضت على اعتقال زوجة ابنها الأخت زينب السيد حسنين سلام التي كان لديها أربعة أطفال أصغرهم طفل رضيع لم يتجاوز الأربعين يوما ومازالت في فترة النفاس، فما كان من الضابط إلا أن اعتقلها مع زوجة ابنها ورضيعها وأخذهم من بيتهم في منتصف الليل". بالطبع الشهادة تحمل الكثير من المآسي التي حلت ب "الأخوات المسلمات" وبأزواجهن وعوائلهن في فترة عبدالناصر، وجانبا من فترة السادات، وهي مآسي إن كشفت عن شيء فهي تكشف عن أن دور "الأخوات المسلمات" كان جوهريا في استمرار الجماعة وقدرتها على البقاء "لما بدأ الصدام بين حكومة ثورة يوليو وجماعة الإخوان وبدأت اعتقالات الإخوان في عام 1954 واجهت الجماعة أزمة كبيرة تمثلت في مئات الأسر التي صارت من دون عائل وخلّف الجميع أسرا لا عائل لها، فأصبحت إعالة الأسر ورعايتها هي أهم أعمال قسم الأخوات المسلمات الذي قام بدور كبير في هذه المرحلة من عمر الدعوة". تقول فاطمة عبدالهادي "قسمنا أنفسنا إلى مناطق لجمع التبرعات وإيصالها لبيوت الإخوان المعتقلين أو الهاربين من السلطات، كان لكل منطقة مندوبة لتلقي التبرعات من أهل المنطقة من محبي الأخوان أو الميسورين المتعاطفين معهم، كما كانت كل مندوبة تعتمد كذلك كشفا بأسماء المعتقلين وعناوينهم وعدد أفرادهم، ثم تأتيني كل المندوبات بهذه البيانات حيث نبدأ في تقسيم هذه المعونات وتوزيعها وفق البيانات والاحتياجات وكنت أنا المسئولة عن تنظيم هؤلاء المندوبات". ومن النماذج الكثيرة التي أشارت فاطمة إلى فضلها ودورها النضالي سواء قبل الثورة أو بعدها أثناء الفترة الناصرية ومحنة الإخوان، السيدة آمال العشماوي ابنة العشماوي باشا وزير المعارف المصري في الأربعينيات التي ترأست مجلس إدارة دار الأخوات المسلمات، وقدمت الكثير من التضحيات في سبيل دعم أسر الإخوان المعتقلين، وفي فترات اعتقالها كانت تحتضن النساء في داخل السجن، تقول السيدة فاطمة "اعتنت بي كثيرا لما أصابني النزيف في المعتقل، وكانت تدعو لي بالشفاء، وهي التي قادت احتجاج الأخوات على الاستمرار اعتقالي وأنا أنزف، وأجبرن الضباط على ضرورة نقلي إلى مستشفى قصر العيني". الكتاب ليس ضخما لكنه يمثل شهادة مهمة، فهو مثلا يؤرخ باليوم لمذبحة يونيو/حزيران 1957 التي راح ضحيتها 21 برصاص عساكر سجن الليمان بخلاف 28 مصابا، حيث دخلت كتيبة بمدافعها الرشاشة لتصفية معتقلي الإخوان في الزنازين، وغير ذلك. ويؤكد حسام تمام في تقديمه للكتاب أن "شهادة فاطمة عبدالهادي على قضية تنظيم 1965 أعدم فيها زوجها مع سيد قطب وآخرين الذي صار العنوان الأبرز في تاريخ العلاقة بين الإخوان والدولة شهادة فريدة واستثنائية ليس فقط لقربها بل واتصالها بكثير من وقائع القضية وتفصيلاتها، بل لأنها كانت من أبرز ضحاياها فقد عاشت تجربة السجن بنفسها ثم كان زوجها ثالث ثلاثة نفذ فيهم حكم الإعدام".