سئلت خلال زيارتي إلى تونس من طرف أحد الإخوة الأجلاء المثابرين على متابعة كل ماينشر في شبكة الحوار نت عن سبب توقفي عن الكتابة منذ شهر فيفري الفارط . فأجبته مازحا أن مهمتي انتهت وبلغة الكوارجية علقت الصباط ، لقد عملت لفترة طويلة مع الصادقين والشرفاء من بني وطني على تخليص البلاد والعباد من الظلم والإستبداد ، والحمدلله لم تذهب دماء شهدائنا سدى وبتوفيق منه عز وجل توج الشعب التونسي العظيم هذه النضالات المباركة و التضحيات الجسام بخلع السفاح وإسقاط نظامه وطرده شر طردة ورميه في مزبلة التاريخ. وأردت استفزازه أكثر فقلت : حان الوقت الآن لكي أسلم المشعل لجيل مابعد الثورة وأحيل نفسي طائعا على التقاعد المبكر قبل أن أحال مكرها على التقاعد الإجباري. فانفجر رضي الله عنه غاضبا وخاطبني : لا ياأخ هذا ليس كلام عقلاء ، تونس مابعد بن علي تحتاج لجميع الجهود ، فمرحلة البناء أصعب من مرحلة الهدم ومرحلة الإصلاح أعسر من مرحلة الإفساد خاصة وأن التركة ثقيلة والمتربصون بالثورة من أبناءها غير الشرعيين ( اللائكيين والعلمانيين الحاقدين ) والإنتهازيين وفلول الردة كثيرون. طريقنا هذا الذي سلكناه طريق سماه القرآن طريق ذات الشوكة ، طريق لا استراحة ولا تقاعد مبكر ولا مؤخر فيه ، طريق أوله نضال وأوسطه نضال وآخره نضال. فهدأت من روعه ووعدته بالعودة إلى الكتابة إن شاء الله كلما سنحت الظروف. احترت بعدها كثيرا في اختيار الموضوع المناسب الذي سأصافح به القراء الأعزاء من جديد ، هل أكتب عن تونس التي وجدت ، هل أكتب عن التحديات التي تواجه الإسلاميين بعد أن منحوا الترخيص القانوني ، هل أكتب عن قناة نسمة وقاذوراتها التي لا تنتهي وإلى متى سيسكت الشعب التونسي عنها ، هل أكتب عن الثورات العربية وأثرها على الصراع مع الصهاينة ، هل أكتب عن النجاح التاريخي للتجربة الإسلامية التركية ودفنها للعلمانية إلى الأبد ؟ اهتديت أخيرا إلى موضوع قد يساهم ولو بقدر يسير في إثراء المسيرة الجديدةلتونس التحول. فمن المعلوم من الثورات بالضرورة أنها تعصف بالدكتاتوريات و ترفع أقواما وتضع آخرين وهذا ما فعلته الثورة التونسية المباركة . فقد رفعت أسهم : - الشعب التونسي ( وأقصد هنا الشباب منه خاصة ) الذي أنجز أنظف وأسرع وأشرف ثورة في التاريخ المعاصر، ثورة اكتسب بفضلها الريادة والسيادة في العالم العربي ، ثورة أعتق بها نفسه وأعتق بها غيره من الشعوب ، ثورة رفعت رؤوسنا عاليا ووهبتنا الإحترام حيثما كنا . فجزى الله شباب الثورة عنا خيرا. وأعادت الإعتبار لكل المناضلين في الداخل والخارج الذين قالوا لا لبن علي ودفعوا من أجل ذلك الغالي والنفيس وثبتوا على المبادئ ولم يهنوا ولم يحزنوا ولم يغيروا ولم يبدلوا وعلى رأس هؤلاء : - مساجين الرأي بكل أطيافهم السياسية الذين لم يضيع المولى عز وجل آهاتهم وعذاباتهم ومعاناتهم داخل المعتقل وخارجه وحررتهم الثورة من كل القيود ، وفي مقدمتهم عميد السجناء الصادق شورو الذي كانت مظلمته المتمثلة في إعادته للسجن إحدى إرهاصات سقوط الطاغية. - المهجرون الذين حرموا من وطنهم لأكثر من عقدين ذاقوا خلالها كل أنواع مرارة البعد والفراق. - المحجبات اللواتي تعرضن خلال الحقبة النوفمبرية وتحت يافطات حرية ومكاسب المرأة لأبشع حملة اضطهاد عرفها تاريخ تونس. الآن وبفضل الله الحجاب يزين كل شبر من تراب الجمهورية ، والمحجبة تساهم بلباسها الشرعي في صنع تونسالجديدة وفي كل الميادين والساحات كما ساهمت من قبل في إنقاذها من براثن الطاغية. - أهل المساجد الذين طهروها من أئمة السوء وبلطجية التجمع وقوافل المخبرين وأعادوا لها دورها الطبيعي في تربية الأجيال وإصلاح المجتمع. - أصحاب الأقلام السيالة الزكية التي ساهمت بأحرف من ذهب من خلال مواقع الحوار نت وتونس نيوز والفجر نيوز وغيرها في فضح جرائم السفاح وتنويرالرأي العام الداخلي وتأليبه على سلطة القمع والفساد والتصدي للمتخاذلين . أخص بالذكر منهم الإخوة الكرام المنصف المرزوقي وسليم بوخذير وزهير مخلوف وعبد الله الزواري والشيخ راشد الغنوشي والهادي الزمزمي والهادي بريك وعبد الحميد العداسي وعبد الباقي بن خليفة وطه البعزاوي ورافع القارصي ونصرالدين السويلمي والعمري التونسي وأبو جعفر العويني وحمادي الغربي والأسعد الدريدي ولطفي زيتون وعلي بن عرفة وعادل النهدي وعبد الواحد قرط والأخوات الفضليات هند الهاروني ومنجية العبيدي ونادية الشريف . هذه الأسماء اللامعة سعى البعض ( حتى من أولي القربى ) لتشويهها من خلال اتهامها بخشبية الخطاب وعدم العقلانية ونقص الوعي السياسي. فالحمدلله الذي أيد أصحاب الخطاب الخشبي والفقه البدوي بنصره وخذل الخطاب العقلاني الواقعي الرصين الواعي سياسيا وأهله.