مجلس الحرب الصهيوني يقرر استمرار العملية العسكرية في رفح    هل يساهم تراجع التضخم في انخفاض الأسعار؟.. خبير اقتصادي يوضّح    أريانة.. غلق المصب العشوائي بسيدي ثابت    طقس الليلة: مغيم مع هبوب رياح قوية في كافة مجالاتنا البحرية    ياسمين الحمامات.. القبض على تونسي وامرأة اجنبية بحوزتهما كمية من المخدرات    مدنين: حجز أكثر من 11 طن من الفرينة والسميد المدعم وحوالي 09 أطنان من العجين الغذائي    فتح بحث تحقيقي ضدّ المنصف المرزوقي    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة 'سينما تدور'    لأول مرة في مسيرته الفنية: الفنان لمين النهدي في مسرحية للأطفال    وزير الداخلية يلتقي نظيره الليبي اليوم في تونس    وفاة مقدم البرامج والكاتب الفرنسي برنار بيفو    رياض دغفوس: لا يوجد خطر على الملقحين بهذا اللقاح    الكاف: برنامج للتسريع في نسق مشاريع مياه الشرب وتدعيم الموارد وايجاد حلول للمشاريع المعطلة    زين الدين زيدان يكشف عن حقيقة تدريبه لنادي بايرن ميونيخ الألماني    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    التحديث الجديد من Galaxy AI يدعم المزيد من اللغات    عاجل : القاء القبض على السوداني بطل الكونغ فو    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    كرة اليد: المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري من 6 إلى 8 ماي الجاري بالحمامات.    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    النادي الصفاقسي يتقدم بإثارة ضد الترجي الرياضي.    التيار الشعبي : تحديد موعد الانتخابات الرئاسية من شأنه إنهاء الجدل حول هذا الاستحقاق    بداية من مساء الغد: وصول التقلّبات الجوّية الى تونس    تعرّض أعوانها لإعتداء من طرف ''الأفارقة'': إدارة الحرس الوطني تُوضّح    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    ناجي جلّول يترشح للانتخابات الرئاسية    عاجل/حادثة اعتداء تلميذة على أستاذها ب"شفرة حلاقة": معطيات وتفاصيل جديدة..    سليانة: حريق يأتي على أكثر من 3 هكتارات من القمح    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    الرابطة الأولى: البرنامج الكامل لمواجهات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة تفادي النزول    جندوبة: تعرض عائلة الى الاختناق بالغاز والحماية المدنية تتدخل    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    عاجل/ حزب الله يشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا على مستوطنات ومواقع صهيونية    اليوم: طقس بمواصفات صيفية    مطالب «غريبة» للأهلي قبل مواجهة الترجي    صادم: قاصرتان تستدرجان سائق سيارة "تاكسي" وتسلبانه تحت التهديد..    مصادقة على تمويل 100 مشروع فلاحي ببنزرت    جندوبة .. لتفادي النقص في مياه الري ..اتحاد الفلاحين يطالب بمنح تراخيص لحفر آبار عميقة دون تعطيلات    ثورة الحركة الطلابية الأممية في مواجهة الحكومة العالمية ..من معاناة شعب ينفجر الغضب (1/ 2)    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة السابعة    إسرائيل وموعظة «بيلار»    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ مقتل شخصين في اطلاق نار بضواحي باريس..    عمر كمال يكشف أسرارا عن إنهاء علاقته بطليقة الفيشاوي    أنباء عن الترفيع في الفاتورة: الستاغ تًوضّح    منافسات الشطرنج تُنعش الأجواء في سليانة    القيروان ...تقدم إنجاز جسرين على الطريق الجهوية رقم 99    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    أهدى أول كأس عالم لبلاده.. وفاة مدرب الأرجنتين السابق مينوتي    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل مثقّفونا على قدر المسؤوليّة؟؟
نشر في الحوار نت يوم 27 - 06 - 2011


محمود محمد أسد
الساحة العربية في حالة غليان واضطرابات مقلقة .وكأنّها على بركان حانق ,لايعرف الخمود , أو استيقظ بعد نوم مديدعلى جنباتها التي أدمنت الثبات والسّبات.استيقظ ليقذف حممَه فوق ملايين العرب وأسرّتهم التي ضجرت من ركونهم,لقد استولت عليهم الغفلة ولعقود وقرون طالت , استسلموا فيها للتّنظير والبكاء على الماضي والتغنّي به . راحوا فيها بعيدا بحثا عن آراء وخلافات ولّدت اختلافات زعزعت العقل الذي أصبح معتقلا . ليت النقاش والخلاف والتنظير ولّد أو أنجب حالات فاعلة منتجة ومنشّطة , فقد انعكست الحالة وتحوّلت إلى صيغة قاسية وأحكام قطعيّة جائرة من تكفير وتخوين وزندقة وعمالة وآخرها الإرهاب والسّلفية .كلّ هذا دون تأكّد ودون دراية لطبيعة هذه التّهم وما تجرّ على المجتع, وذاكرة أبنائه الذين اكتفوا بعناوين الصّحف والأخبار ورؤوس الموضوعات , فأنتجوا ثقافة الخبر المتداول . واحترق معنويّا وحقيقةً الكثيرون ممّن ظنوا المناخات مناسبة ومعافاة وحدّث عن النتائج ..
الأرض العربية تستيقظ على حين غرّة , وتسلك الدّرب دون ربّان أسّس ,ودون وعي ثقافيّ كوّن كوادره, ودون خطاب دينيّ عصريّ ملازم تطوّرات الحياة ,خطاب لم يستطع حلّ الكثير من المستجدّات الراهنة بل عقّدهاعندما اقترب منها,الذين استيقظواشباب قستْ عليهم الظروف , وتخلّى عنهم المجتمع الذي غرق بالسلبيّات التي انتشرت روائحها , وشاعت أساليبها , وتفاقم أمرها أمامَ الممارسات والتجاوزات التي جاءت على حساب الوطن والمواطن . وهنا مركز الداء وأضفْ إلى ذلك استسلام المثقّفين للتنظير والبحث عن صورة ولقاء ودولة تمنحهم حقّ اللجوء السياسي الذي يخوّلهم لتنصيب أنفسهم بالمنقذين ,وكأنّهم لا يعرفون أنّ الناس تعرف الصغيرة والكبيرة وكلَّ أساليبهم وما فيها من تلاعب ولفّ ودوران .
الأرض العربيّة تتجرّع حَنَق المعتوهين المرضى ,توخزها التجاوزات ,تفتح صدرها وصفحاتها للحبّ وهي صفحات كتبها الواقع والألم والإحساس بالضياع والمصادرة بعيدا عن نتاج المحلّلين والمثقّفين الذين استسلموا لذاتهم المتضخّمة , ولعقولهم المعتقلة التي تريد الانعتاق ,فتذهب بعيدا بعيدا ,تسدّد الكرة بأقدام عرجاء,وخارج الملعب الميدان . ومع ذلك تقول لي:" الكرة في ملعبك" وأيّةَ كرة يقصدون ؟ وأيَّ ملعب يريدون ويتحدّثون ؟ الكرات تناثرت وتفرّقت . هي كرات من الثلج وعليكم الحكم.والملاعب امتلأت حفراوصديدا وإصابات,وأضفْ إليها أنّها لم تُحدّدْ أبعادها , وقد غُيِّب حكّامُها . وتوارى عن الأنظارربّانُها , والحكَمُ المحاصر يتأمّل , ويبحث عن نصيبه وحصّته من لقاء إعلاميٍّ, يبرّر له صمتَه المشؤوم ,فلم تبق له سوى الإشارة وبيد مكفوفة .
عجيب أمرُنا يا أهلي , وغريب شأنُنا نحن- أهل الضاد – تجاوزت كلمة يا عرب .نمنا قرونا على عسل الوعود , واستسلمنا للأحلام والأماني , فأسكرتْنا الخطبُ الرّنّاتةُ و تلك القصائد العصماء , وصفّقنا للطلّة البهية . وزغردت النساء لأجمل الشعارات التي تنادي بحرّيتهن , ورجالُهنّ في الأصفاد والضّياع . لقد تجوّلنا في غيرمدننا وغير أحيائنا , واستعرْنا معاجم لغوية من غير لغتنا ,وارتدينا أفكارا سرعان ما تذوب مع أوّل قطرة ماء تقذفها سيّارة مستوردة
يقودها سائق من نتاج الحياة الراهنة,لم يوقفْه إنسان عند إشارة ,ولم يخالفْه درويش من هذا الزمان.ذهبنا أبعد من ذلك ,فبحثنا عن أساليب تتفوّق على الأبالسة فمنحتْنا رتبة أستاذ
رحْنا نفتح بصرَنا وجيوبنا وأفواهَنا قبل أن نفتّح بصيرتنا . وما لَنا وهذا التعب ؟ رحْنا نُغلق أعيُننا وأفواهنا حرصا على شعور أهل نِعَمنا , وخوفا من غضب زوجاتنا وصديقاتنا وأولادنا . وحرصا على سلامة العباد والأسياد وأولي النِّعمة علينا , ومن يقبلُ على نفسه أن يكون جاحدا وكافرا بالنِّعمِ التي غمرته ,وملأت عليه البيت ؟ حملْنا مشاريعنا الكبرى , وتاجرْنا بها سلوكا وقولا وشعارات وأسلحةً تتناسب مع كلّ الأنواء .أعدْنا صياغتَها, ورتّبناها مناسبة لكلِ مقام , أليست البلاغة حسنَ التصرّف وحسنَ التَطلّع للأمام ؟؟
استيقظناعلى أرصفة الموت المجّاني برصاص وراجمات الأخوة والأصدفاء والزّملاء والرّفاق ولكم أن تعدّوا بقية الألقاب .استيقظنا على أصوات ليست أصواتَنا , تلاحقنا الخناجر والجِمال والنياشين التي تحوّلت رشّاشات وبنادق ويالحسن الختام .
نعم استيقظنا ولم نقرأ كتابا أو بيانا ولم نقتنِ صحيفة أ وكتابا , ولم نتّبع عالما ولا شيخا ولا قادة الأحزاب .استيقظنا دون منبّه ودون هزّة خصر أو لكزة تقول : قم للصّلاة . تسألني :
كيف حصل, وكيف كان؟ وتسألني أين المكان؟ ومتى الزّمان ؟ومن الأشخاص ؟ ولمن يتبعون ؟ وما الشهادة التي يحملونها ؟
انتظرْنا الحريق الأولَ من رجل مفجوع فتح كلّ الأبواب الموصدة بعود ثقاب. انتظرناها من قادم بعيد لم تلوّثه ترّهات الحوار والطائفيّة والسّياسة المصنوعة بقرار . كان يعيش في أضيق المعابروالمسافات.أنهضَنا على بعد خطوة مفاجئة لم يسبقْها القرار. فكان الشّرارة ونحن نتحادث ونتحاور وندّعي الجَمال والنقاء والبهاء ولكنّ الحياة الصّعبة أغرقتنا فهربنا لشهوة الحوار الذي يعرّينا ويبعدعنّا الدّثار.نهضنا من صحونا ونحن نرسم ربيعا للورد والزهر والياسمين والخزامى والأقحوان غير أنّا أضعنا الألوان .
سرْنا على خطوط بيضاء وأرصفة مصافحة نقاءَنا ,لا نشتم,ولانكسر, ولا نحطّم .لخطانا طعم الزيتون ولحديثنا رائحة البيلسان.سرنا نحمل راية الأوطان ,وتركناكم تفكّرون بلغة تحضن هذا المقام .
نهضنا من سُبات هدّ رجولتَكم , وأنهك ظهوركم , لانبغي دما يُراق, ولا عظما يكسّر , ولانريد الحزن لبيتٍ أُشعِل فيه الضّياء. سرنا راياتُنا الحبّ, والولاءُ للخير والوطن .نقلّب صفحات الخير ,ونسطّر صفوَ المسار .ننظر للزّمان والمكان والانتماء بمشيئتنا . لا يقودنا شاعرٌ يعادي الشّعور بالفصاحة والبيان . ولم نقرأ لصحفيّ يعمل للدولار ويُحاسِب على الكلمة والحرف والعنوان . ولم نتّبع منظِّرا يصادق الأحلام وهو عاطل عن العمل في سبيل أسرته وأهله والجيران . أبعدْنا عنّا كلّ لوثة , أبعدْنا كلّ التيّارات سوى تيّار الوطن , جمّعنا كلّ الفئات والطوائف والأطياف وجعلْنا هوية الانتماء الوحيد للوطن .سرنا دون ألقاب وصفاتٍ ,ودون هوّيّات سوى هوِّيّة الوطن والصّلاح والإصلاح . فاجأْناكم وأيقظناكم من نومكم , وعكّرْنا عليكم صراعاتِكم الفكريّةَ التي نخرتْ عظامَنا , وثقبتْ عقولَنا , وجمّدت بصيرتَنا وأحاسيسنا لأنّنا لم نكن نرى إلا ما يُملى علينا ,ويُرسم لنا ,ويُنحت ويسمَّى ,ويعلّق فتعبْنا وأتعبناكم بعد ذلك . لقد انفضّ النّاس عنكم , واستعذبوا العفويّة والبساطة ونفروامن العقد والبذلات الأنيقة والحقائب الملأى بالبهتان والتورية والتفقّد للحضور والغياب والتصفيق وعدمه ,فيها المشاريع والتركة وأسماء الموتى القادمين .
الآن لستُ القاضي ولست الحاكم , ولست الباحث إلا عن درب جميل يتغنّى ويحيا له العباد . ولستم السادة والأشراف والمنزّهين , ولستم الأوّل والآخر والعالم والحكيم والقدير والمعطي , خسرتم الرّهان الأخير . خسرتم أنفسَكم وأقلامَكم ولحاكم وعماماتِكم وأدعيتكم ودعواتكم .قبل أن يحين موعد الحصاد .
خسرتم الكثير من القصائد والخطب والمقولات .وخسرتم رصيدكم إن وُجد .وربحتم طلّة بهيّة وحوارا أعو أصمّ من قناة شوهاء.ماذا تركتم لأنفسكم ؟تركتم انقساماتِكم .فالحزب صار أحزابا , والحداثة صارت حداثات . والوطن عندكم أضحى أوطانا .والين أمسى أديانا ,سوف ترتاح المقاهي والمنابر والصحف والأقلام من كلّ هذه اللّوثات .
إنّنا جمعنا كلَّ ذلك في ثوب واحد,وعقل واحد وعلى مائدة واحدة ,لا حصّة فيها لمنتهز ومنافق ومراءٍ وتاجر فاجر. لا تحاولوا بعد هذا اليوم ,فلم يعُدْ عقلُكم معتقَلاً لأهوائكم ونزواتكم وأولادكم وبنوكِكم في الخارج .أين كنّا أيّها المثقّفون ؟ أين صرنا أيّها المثقّفون ؟ قدّموا بياناتِكم , أم أنّكم لنومكم وأنفسكم مستسلمون . ولصوركم تنظرون . وبأنفسكم تعجبون . ولغيركم لا ترحمون , وبهم لا تعترفون ...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.