وزيرة الاقتصاد والتخطيط تترأس الوفد التونسي في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية    بوعرقوب: رئيس اتحاد الفلاحة يستنكر عدم اتّخاذ قرارات فعّالة للحد من انتشار الحشرة القرمزية    جامعة كرة السلة تهنئ الترجي الرياضي بلوغ نهائي أبطال إفريقيا والتأهل لكأس العالم للأندية    ملامحها "الفاتنة" أثارت الشكوك.. ستينيّة تفوز بلقب ملكة جمال    توقيع اتفاق بين الحكومة التونسية ونظيرتها البحرينية بشأن تبادل قطعتيْ أرض مُعدّتيْن لبناء مقرّين جديدين لسفارتيهما    فاطمة المسدي تطالب بترحيل الأفارقة.    هوغربيتس يحذر من زلزال قوي خلال 48 ساعة.. ويكشف عن مكانه    فرنسا تعتزم المشاركة في مشروع مغربي للطاقة في الصحراء    وزيرة التربية تطلع خلال زيارة بمعهد المكفوفين ببئر القصعة على ظروف إقامة التلاميذ    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة نجم المتلوي    رابطة الابطال الافريقية لكرة القدم - الاهلي المصري الى النهائي    دورة اتحاد شمال افريقيا لمنتخبات مواليد 2007-2008- المنتخب المصري يتوج بالبطولة    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    سيدي حسين : قدم له يد المساعدة فاستل سكينا وسلبه !!    سيدي بوزيد: المجلس المحلي بسيدي علي بن عون يطالب السلطات بحل نهائي لإشكالية انقطاع التيار الكهربائي    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الاحتفال بالدورة 33 لشهر التراث بفقرات ومعارض متنوعة    مسابقة أكاديمية الشّرق الأوسط للأطبّاء الشّبان بدبي: الدكتورة التونسية مريم بن عياد تفوز بالجائزة الأولى في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم السبت 27 أفريل    بنزرت: الافراج عن 23 شخصا محتفظ بهم في قضيّة الفولاذ    الرابطة الأولى: تشكيلة الإتحاد المنستيري في مواجهة الملعب التونسي    الناطق باسم محكمة تونس يوضح أسباب فتح تحقيق ضد الصحفية خلود مبروك    خبير تركي يتوقع زلازل مدمرة في إسطنبول    استشهاد شابين فلسطينيين وإصابة اثنين آخرين بنيران الاحتلال الصهيوني غربي "جنين"..#خبر_عاجل    عاجل/ الحوثيون يطلقون صواريخ على سفينتين في البحر الأحمر..    عاجل تلاميذ منطقة الحاج قاسم 2يستغيثون للمرة الثانية في نفس الأسبوع..الحافلة معطلة    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    كيف نتعامل مع الضغوطات النفسية التي تظهر في فترة الامتحانات؟    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    "حماس" تعلن تسلمها رد الاحتلال حول مقترحاتها لصفقة تبادل الأسرى ووقف النار بغزة    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    رقم قياسي جديد ينتظر الترجي في صورة الفوز على صن داونز    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    تقلص العجز التجاري الشهري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال العصر هو : هل يجوز لي أن أشتري كذا بالربا؟
نشر في الحوار نت يوم 20 - 07 - 2011


موعظة الحوار. نت
لا يكاد ينقضي أسبوع واحد لا أصطدم فيه مع هذا السؤال : هل يجوز لي أن أشتري مسكنا بالربا؟ هل يجوز لي أن أشتري سيارة بالربا؟ هل يجوز لي أن أقترض بالربا لإنشاء مشروع يضمن لي حق الحياة مع من أعول؟
حتى حفظت هذا الجواب عن ظهر قلب.
إعلم يا أخي أن المسألة مرتبة في الشريعة الإسلامية بمثل ما يلي :
الربا محرم معلوم من الدين بالضرورة.
محرم بالقرآن الكريم مرات منها ثلاث في البقرة من مثل :
- „ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (275 ) يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم (276 ).” ثم قال بعد ذلك بآية واحدة : „ يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون”( 278 ). ومنها واحدة في آل عمران التي تليها :
- „ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة وإتقوا الله لعلكم تفلحون”.( 130 ). ومنها واحدة في النساء:
- “ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلهم لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (160) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين عذابا أليما”.(161). ومنها واحدة في الروم وهو الموضع المكي الوحيد في شأن الربا:
- “ وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون”.(39 ).
وهو محرم بالحديث الشريف الصحيح من مثل :
- أخرج الشيخان عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ إجتنبوا السبع الموبقات”. قالوا : وما هي يا رسول الله؟ قال : „ الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات”. كما رواه أبو داود والنسائي.
- أخرج البخاري عن عون إبن أبي جحفة عن أبيه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ونهي عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين. كما أخرجه أبو داود.
- أخرج البخاري عن سمرة إبن جندب أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ رأيت الليلة رجلين أتياتي فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة فاقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان. فقلت : ما هذا الذي رأيته في النهر؟ قال : آكل الربا”.
- أخرج مسلم عن إبن مسعود قال : لعن رسول الله عليه الصلاة والسلام آكل الربا ومؤكله. كما أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي وصححه وإبن ماجة وإبن حبان في صحيحه من رواية عبد الرحمان إبن عبد الله إبن مسعود عن أبيه. وزاد بعضهم : وشاهديه وكاتبه.
- أخرج مسلم عن جابر إبن عبد الله قال : لعن عليه الصلاة والسلام آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء.
ماذا يستفاد مما أنف؟
1 أما في القرآن الكريم وهو الحاكم على كل ما سواه بما في ذلك السنة فإن النهي منصب دوما على الأكل ولا بد من مراعاة دقة التعبير القرآني لحسن الإستنباط والفقه.
2 أما في السنة : فعند البخاري ( أصح كتاب بعد القرآن الكريم ) ثلاثة أحاديث منصبة كلها على أكل الربا شأنها في ذلك شأن القرآن الكريم.أما عند مسلم ( أصح كتاب بعد البخاري ) فإن النهي منصب مرة على الأكل فحسب كما هو الحال في رواية أبي هريرة التي يتفق فيها مع البخاري ومرتين أخريين على الأكل والمؤاكلة معا بل زاد عليهما : الشاهد والكاتب في حديث جابر.
3 نصوص الوحي الكريم إذن مجمعة على تقديم الآكل في النهي واللعن بما لا يجعل الآكل مستويا في ذلك مع المؤاكل بله الشاهد والكاتب. وبذا نفهم أن الأكل محرم لذاته لأنه أكل لأموال الناس بالباطل أما المؤاكلة فهي محرمة لغيرها وليس لذاتها ولنا أن نلجأ إلى قاعدة أصولية محكمة معروفة عند الفقهاء : ما حرم لذاته يجوز للضرورة وما حرم لغيره يجوز للحاجة. غير أن حرمة الربا لذاته هنا أي أكل الربا لا يجوز حتى للضرورة لما فيه من تعد صارخ على حقوق الناس إلا أن يفدي إمرئ نفسه من القتل بأكل الربا وهي حالات نادرة جدا لا يقاس عليها. الذي يهمنا هنا أن مؤاكلة الربا بله شهوده وكتابته محرمة لأجل غيرها وليس لذاتها بما يجعلها عرضة للضرورات والحاجات التي تقدر بقدرها ولنا فيها من الآيات البينات ما يكفي وزيادة : „ وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما إضطررتم إليه”. وقوله كذلك : „ فمن إضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم “. وقوله : „ وما جعل عليكم في الدين من حرج “. إلى آخر ذلك مما حدا بالفقهاء إستنباط القاعدة الأصولية الشهيرة : الضرورات تبيح المحظورات.
4 أي أن مؤاكلة الربا وشهوده وكتابته محرمات بالإلحاق والتبعية وليس بالأصالة بالتعبير المعاصر أو سدا لذريعة تقوية جبهة الظلم وتغذية حلف القهر من المستكبرين ضد المستضعفين بالتعبير القديم. وما سد للذريعة وهو نفسه المحرم لغيره وليس لذاته يداخله الإجتهاد ليضيق عندما تتحقق تأديته إلى الحرام أو تغلب على الظن ويوسع عندما لا يرد ذلك عليه أوبة إلى الأصل أي : الإباحة والحلية.
السؤال المحير هو : ما هي الضرورة ومن يقدرها وبأي مقياس.
إستفدنا مما أنف أن الربا محرم مقطوع بحرمته بل هو من السبع الموبقات ولكن التحريم منصب على الأكل بالأساس وليس إيراد بقية مكونات المشهد الربوي إلا لإنسجام التشريع الإسلامي مع منهاجه القائم على سد كل ذريعة تفضي إلى الحرام ما أدت إلى الحرام وفتح كل ذريعة لا تفضي إلى الحرام ما لم تؤد إلى الحرام. أي أن الإختلاف في درجات حرمة أكل الربا ومؤاكلته إختلاف كبير يوجب بالضرورة إختلاف الحكم كما يوجب إعمال النظرات الإجتهادية عند التنزيل على هذه الحالة من الضرورة أو تلك الحاجة وهو ما يسميه الفقهاء : تخريج المناط ثم تهذيبه ثم تحقيقه.
ميزان الضرورات هو الوجه الآخر لميزان المصالح.
الضرورات درجات لا تكاد تحصى. أقصاها أن تلحق الأذى بالدين أو النفس أو المال أو العقل أو العرض والنسل بما يعطل جريان الحياة وسيرها بأقدار لا يطيقها الإنسان. وأوسطها أن تلحق الأذى بالحاجات البشرية التي هي أدنى منزلة من الضرورات بما يفضي إلى ورود الحرج والعنت والمشقة في جريان الحياة وسيرها. وأدناها أن تلحق الأذى بالتحسينيات في حياة الإنسان بما يجعل جريان الحياة وسيرها مفتقرا إلى الجمال والزينة وحسن المظهر. الضرورات فردية وجماعية ويتوسع في الضرورات الجماعية أكثر من التوسع في الضرورات الفردية لأن مصلحة الجماعة مقدمة أبدا على مصلحة الفرد ولكن مصلحة الفرد معتبرة مرعية في كل الأحوال لضمان الحد المقبول عرفا من الحياة الكريمة. كما تختلف الضرورات من رجل لآخر ومن عرف لآخر ومن عصر لآخر بحسب إختلاف العوائد والتقاليد والعادات والأعراف ومنازل الناس ومستويات عيشهم وحياتهم فلا تحمل الكافة على ضرورة فرد ولا يحمل الفرد على ضرورة الكافة. ولا فرق بين الضرورات في الدين والضرورات في الدنيا. من الضرورة في الدين أن ينطق المؤمن بكلمة الكفر تقية تجبنا للقتل إلا إن أختار غير ذلك عزيمة. ومن الضرورة المقابلة لذلك أن يقاتل الناس المعتدى عليهم مقاومة عن حقهم حتى ينتصروا أو يستشهدوا عزيمة لا رخصة فيها سيما إذا كانت مقاومة لدفع عدوان.
من يقدر الضرورة؟
إذا كانت ضرورة عامة فإن الأمة تقدرها تداولا للرأي والشورى بين من تصطفيهم لذلك. أما إذا كانت الضرورة فردية فإن الفرد نفسه هو الذي يقدرها وله أن يسأل ويستشير ويطلب النصيحة ويستفتي ولكن القرار النهائي لا يملكه غيره وذلك على أساس أمرين : أولهما أنه هو من يحاسب بين يدي ربه يوم القيامة ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : „ إستفت قلبك ولو أفتاك المفتون”. وثانيهما أنه هو من يملك تقدير الوضع بكل دقة ومن كل جوانبه بما أصيب فيه من أذى وحرج أو ضر. كل شروحه وتفصيلاته للمفتين والمسؤولين لا تزيد على تقريب الصورة ولكن لا يقدر الحالة حق قدرها غيره.
سؤال خاطئ.
بعد الفراغ من الإستماع إلى سؤال الرجل الذي يلح عادة على أن الضرورة قاهرة يبادرك السائل : هل أنا في موضع المضطر؟ ذاك سؤال خاطئ. إذا أجاب عنه المفتي فإن المفتي يفتئت على صاحب السؤال أي يتعدى على حقه في تقدير الضرورة وليس ذلك من حقه. وإذا سأل المستفتي عن ذلك فهو كذلك سؤال خاطئ. ولا يعدم بعض أولئك من رغبة جامحة في تعليق الإثم بالمفتي وهي طوية خبيثة جدا وتحايل على الله سبحانه بل هي أشد إثما من أكل الربا ومؤاكلته لأنها خبيثة قلبية وأعمال القلوب كما هو مقرر أشد إثما من أعمال الجوارح وطيباتها أكثر أجرا من طيبات الجوارح. تظل تشرح للسائل معنى الضرورة بعد شرحك ما أنف ذكره في الربا أكلا ومؤاكلة ثم يظل يلح عليك : هل أنا إذن في حالة ضرورة؟
هذا أوان : إستفت قلبك ولو أفتاك المفتون.
هو حديث صحيح. ولكن العمل به مشروط. لا يعمل به فيما تجلى أمره إباحة أو حرمة. ولكن يعمل به فيما سماه عليه الصلاة والسلام : „ وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن إتقى الشبهات فقد إستبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه..“. ذلك هو مجال العمل بالحديث. الغريب أن السائل يظل يلح عليك يريد منك جوابا صريحا من بعد ذلك : هل أقبل على شراء كذا لأني مضطر وإستفتيت قلبي فلم يفتني بشيء!!! أي يريد منك أن تحل محله في المسألة كلها بضروراتها وتقديراتها ثم حتى بفتاوى القلوب!!!
بعض الضرورات المعاصرة.
1 المسكن. المسكن ضرورة حياتية حقيقية سيما للعائل وصاحب الذرية وتشتد تلك الضرورة في البلاد الغربية وفي دار غير دارك بصفة عامة. بعض الناس يبرزون الدافع المادي فحسب بسبب أن ما يبذلونه شهريا من إيجارات كفيل بإقتناء أحسن المساكن وتشييدها. ذلك معطى صحيح وواقعي. ولكن زاوية أخرى لا تقل أهمية عن ذلك وهي طبيعة المسكن وتقسيمه ومكانه وبعده وقربه من المسجد والمدرسة وبقية المرافق اليومية فضلا عن بعده وقربه من المسلمين في بلاد أكثر سكانها ليسوا من المسلمين. الزاوية الحضارية الثقافية التربوية هنا أشد تقديما وهي محل رعاية حقا سيما لمن إضطرته الظروف للإقامة في هذه البلاد سنوات طويلات أو عقودا ومن ذاك شأنه فإن ذريته وأحفاده من صلب موطنه الجديد لغة ومهجعا وميلادا وتعليما وعملا ولن تكون صلته بالموطن الأم إلا صلة روحية سرعان ما تهزها العقود التي تطوي الحياة طيا.
2 السيارة. في ألمانيا مثلا بمثل ما عايشت ذلك بنفسي يقدم طالب العمل الحائز على رخصة قيادة ثم يقدم طالب العمل المالك لسيارة لحاجة بعض المؤجرين لذلك في نقل العملة أحيانا أو لحاجة في صميم العمل ذاته بما يقتضيه من تنقلات أو لحاجة تأمين وصول العامل الجديد المنتدب إلى مكان عمله حتى في حالات تعطل وسائل النقل العامة بسبب إضراب أو حادث مرور أو غير ذلك مما يحسن الألمان في التحوط له. أما عن الحاجة إلى السيارة فيما عدا ذلك بالنسبة للمؤجر الذي يعمل لحسابه بالكلية أو بالشراكة أو بالنسبة إلى رب العائلة الذي يحتاج إلى إصطحاب أبنائه إلى روضة الأطفال يوميا أو إلى المدرسة أو غير ذلك .. عن مثل تلك الحاجات فحدث ولا حرج.
3 الإحصان بالزواج. الإحصان في الحقيقة مقدم من حيث الحاجة على المسكن وعلى المركوب لولا أن بعض الأعراف تشددت في إتجاهات إثقال الشباب بآصار مالية تعمق من مشكلات العنوسة والمديونيات. الإحصان مسؤولية المجتمع لقوله عليه الصلاة والسلام :“ ثلاث حق على الله عونهم : المجاهد في سبيل الله والناكح الذي يريد العفاف والمكاتب الذي يريد الأداء”.


مستند خاطئ يعتمد عليه بعض المفتين ويأخذ به بعضنا.

هو مستند التعامل بالعقود الفاسدة ( من مثل عقد الربا ) في دار الحرب. المستند له أصل في الفقه بمثل ما قال بذلك علامة الفقهاء أبو حنيفة. ولكن تنزيل ذلك الإجتهاد أو تلك الفتوى أو ما يسميه الفقهاء تحقيق ذلك المناط على أرض الواقع .. ذلك هو فساد المستند. لسنا في دار حرب حتى نعمل بتلك الفتوى. إذا قلنا إنها دار حرب فيجب أن نعمل أشياء أخرى يقتضيها وجودنا في دار حرب. أما أن نعتبرها دار حرب تحايلا على خبيثة الربا ( مؤاكلة أما أكلا فإنه موبقة مهلكة ملعون صاحبها وقد لا يأمن على نفسه أن يغمس في النار يوم القيامة ما شاء له الله أن يغمس حتى يخرج من بعد ذلك إلى الجنة إذا كان قد فارق الدنيا وهو مؤمن).. ثم نعتبرها دار سلم أو دار دعوة أو دار عهد وأمان في حقل آخر من حقول نشاطنا ... ذلك هو ما نسميه اليوم : إزدواجية المعايير. حتى في دار الحرب فإن التعامل بالعقود الفاسدة مشروط بشروط ومرتهن بظروف ويحتاج إلى فقه ونظر وإجتهاد لئلا يجور الميزان فيصبح عدوانا على الناس الذين قال فيهم سبحانه حتى وهم محاربون : „ ولا تعتدوا “. و “ جزاء سيئة سيئة مثلها “.
حلول فردية وأخرى جماعية.
أما الحلول الجماعية فهي معلومة وتتطلب التوعية بها درجات أخرى جديدة من التفعيل بسبب أن أكثر المسلمين اليوم فارقوا الحس الذي يجعلهم يشعرون بالإنتماء لجماعة الأمة. حس الإنتماء ضعف في أكثر المسلمين ضعفا مزريا. ذلك داء وبيل وسرطان خبيث على الدعاة والمصلحين تداركه بكل الوسائل التوعوية والتربوية وكذلك بالوسائل الإصلاحية العملية التي تنشئ المحاضن الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تعاود تلقيح الجسم الإسلامي بلقاح الجماعة ولقاح الإنتماء للجماعة. تلك حلول حقيقية جذرية ولكن العمل لها يتطلب سنوات وعقودا ومبادرات لا تضمن لها النجاح من أول وهلة ولكن السير على ذلك الطريق هو الإتجاه الصحيح إذا ما ضمنا الصبر عليه والإنفاق دونه. الحل الجماعي هو الحل الصحيح على الطريق الصحيح ولكن دونه مصابرات ومغالبات ومجاهدات ومقاومات باللسان والقلم والإجتماع والتأسيس والتنظم جيلا من بعد جيل.
أما الحلول الفردية فهي مركبة من الآتي :
1 رفع التوعية في شأن الربا إلى حد الجريمة الكبيرة وفعلا هو كذلك. أي جريمة أشد جرما من إثم ورد عليه اللعن صحيحا صريحا واللعن طرد من رحمته سبحانه وهو لفرط رحمته لا يطرد من رحمته إلا متعد قال فيه آنفا : „ كفار أثيم”.
2 ومع ذلك فإنه ينبغي التفصيل والتمييز بين الجريمتين : جريمة أكل الربا وهي جريمة ما ينبغي على المسلم أن يتورط فيها أبدا ومهما كانت الظروف. وجريمة مؤاكلة الربا وهي جريمة إذا دفعت إليها الظروف القاهرة فإنه يجب مراعاة قدر الضرورة بدقة ما إستطاع المقهور إلى ذلك سبيلا. لا مساواة بين الأمرين وإلا فارقنا الفقه وأصبحنا نخبط خبط عشواء.
3 إلتزام الوسطية في أمر الإضطرار إلى مؤاكلة الربا. وسطية بين المنع البات على كل أحد وفي كل حال وبين الإباحة الباتة في وجه كل أحد وفي كل حال. المعيار في ذلك هو الضرورة من جهة وحال كل سائل من جهة أخرى.
4 ربط المسألة بتقوى الله سبحانه ربطا وثيقا وإثارة ذلك في نفس السائل ثم دعوته إلى مزاولة الصبر ما إستطاع إلى ذلك سبيلا أو إلى البحث عن سبيل آخر يمول به ما يحتاج إليه غير سبيل الربا دون أن نلجئ المستفتي إلى حياة الذلة والمهانة والوضاعة بدعوى تقوى الله أو الصبر. قال عليه الصلاة والسلام : „ لا يذل أحدكم نفسه. قيل : كيف يذلها؟ قال : يكلفها من البلاء ما لا تطيق “.
5 نحتاج إلى قاعدة أصولية لتنزيلها هنا : ما أسكر كثيره فقليله حرام. نقول هنا : ما أربى كثيره فقليله حرام. بعض الناس يعتقدون خطأ أن ما كانت نسبة الفائدة فيه قليلة قلت حرمته.
الخلاصة.
1 مؤاكلة الربا حرام لأجل غيره سدا للذريعة حتى لو كان أقل حرمة من أكله بكثير.
2 لكنه يباح للضرورة التي تقدر بقدرها من لدن المضطر وليس من لدن غيره إلا نصيحة أو إستشارة ومن أعلى أركان الضرورة : „ إستفت قلبك ولو أفتاك المفتون “.
3 من إبتلي بمثل تلك الضرورات القاهرة التي لم يجد عليها صبرا فلا يذلن نفسه وليلزم الإستغفار الذي هو باب من أبواب الرزق الحسن الطيب كما ورد في سورة نوح عليه السلام وليلزم التصدق سيما المنتظم منه قدر ما يستطيع ليكفر بهذا عن ذاك لأن فقه التدين يحمل قاعدة معروفة هي : „ إن الحسنات يذهبن السيئات “.
4 المسألة مسؤولية المجتمع بأسره وهي مسؤولية العلماء والفقهاء والمفتين والمصلحين وهي مسؤولية الناس أنفسهم من أهل الحاجات والضرورات. على المجتمع مسؤولية بناء المؤسسات الإقتصادية التكافلية التضامنية الإستثمارية لتوقي الإضطرار إلى قهر الربا. وعلى العلماء والمفتين التوسط بين التشدد والتوسع من حالة لأخرى ومكان لآخر وزمان لآخر. وعلى الناس ترتيب حياتهم على أساس عدم الوقوع تحت كلاكل القروض الربوية القهارة المذلة ما إستطاعوا إلى ذلك سبيلا ومن ذلك الإستعانة بالدعاء.
والله أعلم.
الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.