قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    رابطة الهواة لكرة القدم (المستوى 1) (الجولة 7 إيابا) قصور الساف وبوشمة يواصلان الهروب    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سؤال العصر هو : هل يجوز لي أن أشتري كذا بالربا؟
نشر في الحوار نت يوم 20 - 07 - 2011


موعظة الحوار. نت
لا يكاد ينقضي أسبوع واحد لا أصطدم فيه مع هذا السؤال : هل يجوز لي أن أشتري مسكنا بالربا؟ هل يجوز لي أن أشتري سيارة بالربا؟ هل يجوز لي أن أقترض بالربا لإنشاء مشروع يضمن لي حق الحياة مع من أعول؟
حتى حفظت هذا الجواب عن ظهر قلب.
إعلم يا أخي أن المسألة مرتبة في الشريعة الإسلامية بمثل ما يلي :
الربا محرم معلوم من الدين بالضرورة.
محرم بالقرآن الكريم مرات منها ثلاث في البقرة من مثل :
- „ الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (275 ) يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم (276 ).” ثم قال بعد ذلك بآية واحدة : „ يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون”( 278 ). ومنها واحدة في آل عمران التي تليها :
- „ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة وإتقوا الله لعلكم تفلحون”.( 130 ). ومنها واحدة في النساء:
- “ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلهم لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (160) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل وأعتدنا للكافرين عذابا أليما”.(161). ومنها واحدة في الروم وهو الموضع المكي الوحيد في شأن الربا:
- “ وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون”.(39 ).
وهو محرم بالحديث الشريف الصحيح من مثل :
- أخرج الشيخان عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ إجتنبوا السبع الموبقات”. قالوا : وما هي يا رسول الله؟ قال : „ الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات”. كما رواه أبو داود والنسائي.
- أخرج البخاري عن عون إبن أبي جحفة عن أبيه قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ونهي عن ثمن الكلب وكسب البغي ولعن المصورين. كما أخرجه أبو داود.
- أخرج البخاري عن سمرة إبن جندب أنه عليه الصلاة والسلام قال : „ رأيت الليلة رجلين أتياتي فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة فاقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان. فقلت : ما هذا الذي رأيته في النهر؟ قال : آكل الربا”.
- أخرج مسلم عن إبن مسعود قال : لعن رسول الله عليه الصلاة والسلام آكل الربا ومؤكله. كما أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي وصححه وإبن ماجة وإبن حبان في صحيحه من رواية عبد الرحمان إبن عبد الله إبن مسعود عن أبيه. وزاد بعضهم : وشاهديه وكاتبه.
- أخرج مسلم عن جابر إبن عبد الله قال : لعن عليه الصلاة والسلام آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء.
ماذا يستفاد مما أنف؟
1 أما في القرآن الكريم وهو الحاكم على كل ما سواه بما في ذلك السنة فإن النهي منصب دوما على الأكل ولا بد من مراعاة دقة التعبير القرآني لحسن الإستنباط والفقه.
2 أما في السنة : فعند البخاري ( أصح كتاب بعد القرآن الكريم ) ثلاثة أحاديث منصبة كلها على أكل الربا شأنها في ذلك شأن القرآن الكريم.أما عند مسلم ( أصح كتاب بعد البخاري ) فإن النهي منصب مرة على الأكل فحسب كما هو الحال في رواية أبي هريرة التي يتفق فيها مع البخاري ومرتين أخريين على الأكل والمؤاكلة معا بل زاد عليهما : الشاهد والكاتب في حديث جابر.
3 نصوص الوحي الكريم إذن مجمعة على تقديم الآكل في النهي واللعن بما لا يجعل الآكل مستويا في ذلك مع المؤاكل بله الشاهد والكاتب. وبذا نفهم أن الأكل محرم لذاته لأنه أكل لأموال الناس بالباطل أما المؤاكلة فهي محرمة لغيرها وليس لذاتها ولنا أن نلجأ إلى قاعدة أصولية محكمة معروفة عند الفقهاء : ما حرم لذاته يجوز للضرورة وما حرم لغيره يجوز للحاجة. غير أن حرمة الربا لذاته هنا أي أكل الربا لا يجوز حتى للضرورة لما فيه من تعد صارخ على حقوق الناس إلا أن يفدي إمرئ نفسه من القتل بأكل الربا وهي حالات نادرة جدا لا يقاس عليها. الذي يهمنا هنا أن مؤاكلة الربا بله شهوده وكتابته محرمة لأجل غيرها وليس لذاتها بما يجعلها عرضة للضرورات والحاجات التي تقدر بقدرها ولنا فيها من الآيات البينات ما يكفي وزيادة : „ وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما إضطررتم إليه”. وقوله كذلك : „ فمن إضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم “. وقوله : „ وما جعل عليكم في الدين من حرج “. إلى آخر ذلك مما حدا بالفقهاء إستنباط القاعدة الأصولية الشهيرة : الضرورات تبيح المحظورات.
4 أي أن مؤاكلة الربا وشهوده وكتابته محرمات بالإلحاق والتبعية وليس بالأصالة بالتعبير المعاصر أو سدا لذريعة تقوية جبهة الظلم وتغذية حلف القهر من المستكبرين ضد المستضعفين بالتعبير القديم. وما سد للذريعة وهو نفسه المحرم لغيره وليس لذاته يداخله الإجتهاد ليضيق عندما تتحقق تأديته إلى الحرام أو تغلب على الظن ويوسع عندما لا يرد ذلك عليه أوبة إلى الأصل أي : الإباحة والحلية.
السؤال المحير هو : ما هي الضرورة ومن يقدرها وبأي مقياس.
إستفدنا مما أنف أن الربا محرم مقطوع بحرمته بل هو من السبع الموبقات ولكن التحريم منصب على الأكل بالأساس وليس إيراد بقية مكونات المشهد الربوي إلا لإنسجام التشريع الإسلامي مع منهاجه القائم على سد كل ذريعة تفضي إلى الحرام ما أدت إلى الحرام وفتح كل ذريعة لا تفضي إلى الحرام ما لم تؤد إلى الحرام. أي أن الإختلاف في درجات حرمة أكل الربا ومؤاكلته إختلاف كبير يوجب بالضرورة إختلاف الحكم كما يوجب إعمال النظرات الإجتهادية عند التنزيل على هذه الحالة من الضرورة أو تلك الحاجة وهو ما يسميه الفقهاء : تخريج المناط ثم تهذيبه ثم تحقيقه.
ميزان الضرورات هو الوجه الآخر لميزان المصالح.
الضرورات درجات لا تكاد تحصى. أقصاها أن تلحق الأذى بالدين أو النفس أو المال أو العقل أو العرض والنسل بما يعطل جريان الحياة وسيرها بأقدار لا يطيقها الإنسان. وأوسطها أن تلحق الأذى بالحاجات البشرية التي هي أدنى منزلة من الضرورات بما يفضي إلى ورود الحرج والعنت والمشقة في جريان الحياة وسيرها. وأدناها أن تلحق الأذى بالتحسينيات في حياة الإنسان بما يجعل جريان الحياة وسيرها مفتقرا إلى الجمال والزينة وحسن المظهر. الضرورات فردية وجماعية ويتوسع في الضرورات الجماعية أكثر من التوسع في الضرورات الفردية لأن مصلحة الجماعة مقدمة أبدا على مصلحة الفرد ولكن مصلحة الفرد معتبرة مرعية في كل الأحوال لضمان الحد المقبول عرفا من الحياة الكريمة. كما تختلف الضرورات من رجل لآخر ومن عرف لآخر ومن عصر لآخر بحسب إختلاف العوائد والتقاليد والعادات والأعراف ومنازل الناس ومستويات عيشهم وحياتهم فلا تحمل الكافة على ضرورة فرد ولا يحمل الفرد على ضرورة الكافة. ولا فرق بين الضرورات في الدين والضرورات في الدنيا. من الضرورة في الدين أن ينطق المؤمن بكلمة الكفر تقية تجبنا للقتل إلا إن أختار غير ذلك عزيمة. ومن الضرورة المقابلة لذلك أن يقاتل الناس المعتدى عليهم مقاومة عن حقهم حتى ينتصروا أو يستشهدوا عزيمة لا رخصة فيها سيما إذا كانت مقاومة لدفع عدوان.
من يقدر الضرورة؟
إذا كانت ضرورة عامة فإن الأمة تقدرها تداولا للرأي والشورى بين من تصطفيهم لذلك. أما إذا كانت الضرورة فردية فإن الفرد نفسه هو الذي يقدرها وله أن يسأل ويستشير ويطلب النصيحة ويستفتي ولكن القرار النهائي لا يملكه غيره وذلك على أساس أمرين : أولهما أنه هو من يحاسب بين يدي ربه يوم القيامة ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : „ إستفت قلبك ولو أفتاك المفتون”. وثانيهما أنه هو من يملك تقدير الوضع بكل دقة ومن كل جوانبه بما أصيب فيه من أذى وحرج أو ضر. كل شروحه وتفصيلاته للمفتين والمسؤولين لا تزيد على تقريب الصورة ولكن لا يقدر الحالة حق قدرها غيره.
سؤال خاطئ.
بعد الفراغ من الإستماع إلى سؤال الرجل الذي يلح عادة على أن الضرورة قاهرة يبادرك السائل : هل أنا في موضع المضطر؟ ذاك سؤال خاطئ. إذا أجاب عنه المفتي فإن المفتي يفتئت على صاحب السؤال أي يتعدى على حقه في تقدير الضرورة وليس ذلك من حقه. وإذا سأل المستفتي عن ذلك فهو كذلك سؤال خاطئ. ولا يعدم بعض أولئك من رغبة جامحة في تعليق الإثم بالمفتي وهي طوية خبيثة جدا وتحايل على الله سبحانه بل هي أشد إثما من أكل الربا ومؤاكلته لأنها خبيثة قلبية وأعمال القلوب كما هو مقرر أشد إثما من أعمال الجوارح وطيباتها أكثر أجرا من طيبات الجوارح. تظل تشرح للسائل معنى الضرورة بعد شرحك ما أنف ذكره في الربا أكلا ومؤاكلة ثم يظل يلح عليك : هل أنا إذن في حالة ضرورة؟
هذا أوان : إستفت قلبك ولو أفتاك المفتون.
هو حديث صحيح. ولكن العمل به مشروط. لا يعمل به فيما تجلى أمره إباحة أو حرمة. ولكن يعمل به فيما سماه عليه الصلاة والسلام : „ وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن إتقى الشبهات فقد إستبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه..“. ذلك هو مجال العمل بالحديث. الغريب أن السائل يظل يلح عليك يريد منك جوابا صريحا من بعد ذلك : هل أقبل على شراء كذا لأني مضطر وإستفتيت قلبي فلم يفتني بشيء!!! أي يريد منك أن تحل محله في المسألة كلها بضروراتها وتقديراتها ثم حتى بفتاوى القلوب!!!
بعض الضرورات المعاصرة.
1 المسكن. المسكن ضرورة حياتية حقيقية سيما للعائل وصاحب الذرية وتشتد تلك الضرورة في البلاد الغربية وفي دار غير دارك بصفة عامة. بعض الناس يبرزون الدافع المادي فحسب بسبب أن ما يبذلونه شهريا من إيجارات كفيل بإقتناء أحسن المساكن وتشييدها. ذلك معطى صحيح وواقعي. ولكن زاوية أخرى لا تقل أهمية عن ذلك وهي طبيعة المسكن وتقسيمه ومكانه وبعده وقربه من المسجد والمدرسة وبقية المرافق اليومية فضلا عن بعده وقربه من المسلمين في بلاد أكثر سكانها ليسوا من المسلمين. الزاوية الحضارية الثقافية التربوية هنا أشد تقديما وهي محل رعاية حقا سيما لمن إضطرته الظروف للإقامة في هذه البلاد سنوات طويلات أو عقودا ومن ذاك شأنه فإن ذريته وأحفاده من صلب موطنه الجديد لغة ومهجعا وميلادا وتعليما وعملا ولن تكون صلته بالموطن الأم إلا صلة روحية سرعان ما تهزها العقود التي تطوي الحياة طيا.
2 السيارة. في ألمانيا مثلا بمثل ما عايشت ذلك بنفسي يقدم طالب العمل الحائز على رخصة قيادة ثم يقدم طالب العمل المالك لسيارة لحاجة بعض المؤجرين لذلك في نقل العملة أحيانا أو لحاجة في صميم العمل ذاته بما يقتضيه من تنقلات أو لحاجة تأمين وصول العامل الجديد المنتدب إلى مكان عمله حتى في حالات تعطل وسائل النقل العامة بسبب إضراب أو حادث مرور أو غير ذلك مما يحسن الألمان في التحوط له. أما عن الحاجة إلى السيارة فيما عدا ذلك بالنسبة للمؤجر الذي يعمل لحسابه بالكلية أو بالشراكة أو بالنسبة إلى رب العائلة الذي يحتاج إلى إصطحاب أبنائه إلى روضة الأطفال يوميا أو إلى المدرسة أو غير ذلك .. عن مثل تلك الحاجات فحدث ولا حرج.
3 الإحصان بالزواج. الإحصان في الحقيقة مقدم من حيث الحاجة على المسكن وعلى المركوب لولا أن بعض الأعراف تشددت في إتجاهات إثقال الشباب بآصار مالية تعمق من مشكلات العنوسة والمديونيات. الإحصان مسؤولية المجتمع لقوله عليه الصلاة والسلام :“ ثلاث حق على الله عونهم : المجاهد في سبيل الله والناكح الذي يريد العفاف والمكاتب الذي يريد الأداء”.


مستند خاطئ يعتمد عليه بعض المفتين ويأخذ به بعضنا.

هو مستند التعامل بالعقود الفاسدة ( من مثل عقد الربا ) في دار الحرب. المستند له أصل في الفقه بمثل ما قال بذلك علامة الفقهاء أبو حنيفة. ولكن تنزيل ذلك الإجتهاد أو تلك الفتوى أو ما يسميه الفقهاء تحقيق ذلك المناط على أرض الواقع .. ذلك هو فساد المستند. لسنا في دار حرب حتى نعمل بتلك الفتوى. إذا قلنا إنها دار حرب فيجب أن نعمل أشياء أخرى يقتضيها وجودنا في دار حرب. أما أن نعتبرها دار حرب تحايلا على خبيثة الربا ( مؤاكلة أما أكلا فإنه موبقة مهلكة ملعون صاحبها وقد لا يأمن على نفسه أن يغمس في النار يوم القيامة ما شاء له الله أن يغمس حتى يخرج من بعد ذلك إلى الجنة إذا كان قد فارق الدنيا وهو مؤمن).. ثم نعتبرها دار سلم أو دار دعوة أو دار عهد وأمان في حقل آخر من حقول نشاطنا ... ذلك هو ما نسميه اليوم : إزدواجية المعايير. حتى في دار الحرب فإن التعامل بالعقود الفاسدة مشروط بشروط ومرتهن بظروف ويحتاج إلى فقه ونظر وإجتهاد لئلا يجور الميزان فيصبح عدوانا على الناس الذين قال فيهم سبحانه حتى وهم محاربون : „ ولا تعتدوا “. و “ جزاء سيئة سيئة مثلها “.
حلول فردية وأخرى جماعية.
أما الحلول الجماعية فهي معلومة وتتطلب التوعية بها درجات أخرى جديدة من التفعيل بسبب أن أكثر المسلمين اليوم فارقوا الحس الذي يجعلهم يشعرون بالإنتماء لجماعة الأمة. حس الإنتماء ضعف في أكثر المسلمين ضعفا مزريا. ذلك داء وبيل وسرطان خبيث على الدعاة والمصلحين تداركه بكل الوسائل التوعوية والتربوية وكذلك بالوسائل الإصلاحية العملية التي تنشئ المحاضن الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تعاود تلقيح الجسم الإسلامي بلقاح الجماعة ولقاح الإنتماء للجماعة. تلك حلول حقيقية جذرية ولكن العمل لها يتطلب سنوات وعقودا ومبادرات لا تضمن لها النجاح من أول وهلة ولكن السير على ذلك الطريق هو الإتجاه الصحيح إذا ما ضمنا الصبر عليه والإنفاق دونه. الحل الجماعي هو الحل الصحيح على الطريق الصحيح ولكن دونه مصابرات ومغالبات ومجاهدات ومقاومات باللسان والقلم والإجتماع والتأسيس والتنظم جيلا من بعد جيل.
أما الحلول الفردية فهي مركبة من الآتي :
1 رفع التوعية في شأن الربا إلى حد الجريمة الكبيرة وفعلا هو كذلك. أي جريمة أشد جرما من إثم ورد عليه اللعن صحيحا صريحا واللعن طرد من رحمته سبحانه وهو لفرط رحمته لا يطرد من رحمته إلا متعد قال فيه آنفا : „ كفار أثيم”.
2 ومع ذلك فإنه ينبغي التفصيل والتمييز بين الجريمتين : جريمة أكل الربا وهي جريمة ما ينبغي على المسلم أن يتورط فيها أبدا ومهما كانت الظروف. وجريمة مؤاكلة الربا وهي جريمة إذا دفعت إليها الظروف القاهرة فإنه يجب مراعاة قدر الضرورة بدقة ما إستطاع المقهور إلى ذلك سبيلا. لا مساواة بين الأمرين وإلا فارقنا الفقه وأصبحنا نخبط خبط عشواء.
3 إلتزام الوسطية في أمر الإضطرار إلى مؤاكلة الربا. وسطية بين المنع البات على كل أحد وفي كل حال وبين الإباحة الباتة في وجه كل أحد وفي كل حال. المعيار في ذلك هو الضرورة من جهة وحال كل سائل من جهة أخرى.
4 ربط المسألة بتقوى الله سبحانه ربطا وثيقا وإثارة ذلك في نفس السائل ثم دعوته إلى مزاولة الصبر ما إستطاع إلى ذلك سبيلا أو إلى البحث عن سبيل آخر يمول به ما يحتاج إليه غير سبيل الربا دون أن نلجئ المستفتي إلى حياة الذلة والمهانة والوضاعة بدعوى تقوى الله أو الصبر. قال عليه الصلاة والسلام : „ لا يذل أحدكم نفسه. قيل : كيف يذلها؟ قال : يكلفها من البلاء ما لا تطيق “.
5 نحتاج إلى قاعدة أصولية لتنزيلها هنا : ما أسكر كثيره فقليله حرام. نقول هنا : ما أربى كثيره فقليله حرام. بعض الناس يعتقدون خطأ أن ما كانت نسبة الفائدة فيه قليلة قلت حرمته.
الخلاصة.
1 مؤاكلة الربا حرام لأجل غيره سدا للذريعة حتى لو كان أقل حرمة من أكله بكثير.
2 لكنه يباح للضرورة التي تقدر بقدرها من لدن المضطر وليس من لدن غيره إلا نصيحة أو إستشارة ومن أعلى أركان الضرورة : „ إستفت قلبك ولو أفتاك المفتون “.
3 من إبتلي بمثل تلك الضرورات القاهرة التي لم يجد عليها صبرا فلا يذلن نفسه وليلزم الإستغفار الذي هو باب من أبواب الرزق الحسن الطيب كما ورد في سورة نوح عليه السلام وليلزم التصدق سيما المنتظم منه قدر ما يستطيع ليكفر بهذا عن ذاك لأن فقه التدين يحمل قاعدة معروفة هي : „ إن الحسنات يذهبن السيئات “.
4 المسألة مسؤولية المجتمع بأسره وهي مسؤولية العلماء والفقهاء والمفتين والمصلحين وهي مسؤولية الناس أنفسهم من أهل الحاجات والضرورات. على المجتمع مسؤولية بناء المؤسسات الإقتصادية التكافلية التضامنية الإستثمارية لتوقي الإضطرار إلى قهر الربا. وعلى العلماء والمفتين التوسط بين التشدد والتوسع من حالة لأخرى ومكان لآخر وزمان لآخر. وعلى الناس ترتيب حياتهم على أساس عدم الوقوع تحت كلاكل القروض الربوية القهارة المذلة ما إستطاعوا إلى ذلك سبيلا ومن ذلك الإستعانة بالدعاء.
والله أعلم.
الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.