ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تكون المساجد محاضن للثورة.. قل : صدق تشرشل !
نشر في الحوار نت يوم 30 - 07 - 2011

يروى أن ونستن تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق قال : لا سبيل للقضاء على الإسلام مادام المسلمون يحتفظون بهذا الثلاثي العجيب : القرآن الكريم وصلاة الجمعة والأزهر الشريف.

لا يرتاب عاقل في أن قالة الرجل تنضح عن جانب كبير ومهم من شخصيته التي تختزن ذكاء وقادا حتى إنك لا ترتاب في أن الرجل بقالته أدرك بعقله المقصد الأسنى من صلاة الجمعة بل قل : نفذ إلى ما لم ينفذ إليه عدد غفير من المسلمين.

أي علاقة بين صلاة الجمعة والثورة؟

منذ ثورة تونس في 14 يناير مطلع هذا العام 2011 وحتى اليوم : أي بعد مضي أزيد من ستة أشهر كاملة .. ومحرار الثورة العربية الراهنة التي تنقل الأمة من حال إلى أخرى بل هي أكبر حدث دولي على الإطلاق وعلى إمتداد نصف عام كامل يتخذ له مربطا ثابتا وموئلا محفورا في الزمن. ليس ذلك المربط الثابت المحفور سوى : يوم الجمعة من كل أسبوع جديد. كل جمعة جديدة تتخذ لها في قاموس الثورة العربية الراهنة شعارا جديدا ونقلة جديدة متقدمة على درب تحرير الأمة من نير الإستبداد الحالك.

بل إن الجمعة هي التي خلعت عصابات النهب ولن تزال تخلع.

هل تكون صدفة عجيبة أن يرحل الذيل المخلوع بن علي من تونس يوم الجمعة 14 يناير؟ ثم تكون جمعة أخرى موعد رحيل الذيل المخلوع مبارك من مصر ( الجمعة 11 فبراير )؟ ثم تكون جمعة أخرى موعد رحيل الذيل المخلوع علي عبد الله صالح من اليمن ( الجمعة 3 يونيو حزيران)؟

هل يكون ذلك كله صدفة أم يجب علينا أن نرقب جمعات أخرى مباركات لعل السفاح المجرم القذافي يرحل في جمعة قابلة ثم يلتحق به سفاح سوريا في جمعة أخرى؟

هل تنكشف لنا مقاصد جديدة للإسلام؟

للأمانة التاريخية فإن أول من أطلق قالة : المساجد خنادق الثورة .. هم الإيرانيون بمناسبة إندلاع ثورتهم في فبراير 1979 ميلادية. كانت المساجد هناك أيام الثورة محاضن تلد الثائرين وخنادق تنظم صفوفهم وأما حنونا تطيب فلذات أكبادها بالمسك والكافور لتبعث بهم إلى ساحة الوغى. فلا تبخسوا الناس أشياءهم حتى لو كنتم تعتبرون مثلي أن الثورة الإيرانية كانت رحمة للشيعة الإثناعشرية بقدر ما كانت نقمة حامية علينا نحن أهل السنة في كل مصر عربي تقريبا. الثورة الإيرانية ثورة مجلجلة من حيث أنها خلعت أحد أوفى حرس أمريكا والصهيونية في الخليج ولكن جنى عليها تعصبها المذهبي غير المحدود.
سؤال طرحته على نفسي طويلا.

طرحت هذا السؤال على نفسي طويلا منذ الأيام الأولى للثورتين التونسية والمصرية. ثم لم يلبث السؤال أن عاودني بلوعته يتقحم علي مخدعي كلما إنفجرت ثورة في هذا البلد العربي أو ذاك وكانت المساجد منطلقا للحشود المليونية الهادرة بصوت واحد : الشعب يريد إسقاط النظام .. عقب صلاة الجمعة. قلت في نفسي : أليس هذا مقصدا جديدا من صلاة الجمعة؟

المقاصد لا تتجدد ولكن تتجدد سبل الكشف عنها.

لا أعلم رجلا بحث بصورة تفصيلية في سبل الكشف عن المقاصد الإسلامية غير رجلين ألفا في ذلك الموضوع بحثا خاصا به. أولهما الدكتور عبد المجيد النجار وثانيهما الدكتور أحمد الريسوني. عكف الرجلان على بحث سبل الكشف عن المقاصد الإسلامية من خلال المقارنة بين منهجي إمامي المقاصد : صاحب الموافقات الإمام الشاطبي وصاحب السفر المعاصر في الموضوع الإمام إبن عاشور. ثم ظل الموضوع يتيما بمثل ما ظل الموضوع الأم : أي بناء علم أصولي لمقاصد الإسلام ( أو الشريعة بمثل ما يكون التعبير السائد قصورا) مستقل عن علم أصول الفقه بسبب أن جهد الإمامين الشاطبي وإبن عاشور على علو قدرهما فإنهما لا يجاوزان نحت المقدمات الأولية الضرورية لعلم مقاصد الإسلام وذلك هو الذي حدا بإبن عاشور إلى صياغة نداء حار إلى أهل الفقه في هذا الباب الكبير من أبواب الفقه أن يواصلوا البحث حتى يستنبطوا لعلم المقاصد قواعد يحتكم إليها بمثل ما يتوفر لعلم أصول الفقه. فقر أدقع حط برحاله على ما تشتد الحاجة إليه في أيامنا هذه ولو كان ذلك الفقر في جانب آخر لهان أمر ما كان له أن يهون.

قلبت الأمر طويلا ثم إطمأننت إلى أن المقاصد العامة وليس الجزئية والكلية وليس الفرعية لا تتجدد ولكن الذي يتجدد هو : سبيل الكشف عنها. هي مخبوءة بعضها في النص مباشرة عبارة أو إشارة أو إقتضاء وبعضعا لا يلتقط بغير الإستقراء.

سبيل رصد الواقع للكشف عن المقاصد : سبيل مغمور.

للأمانة كذلك لم يسبق لباحث مقاصدي قبل الدكتور عبد المجيد النجار أن غامر بالإشارة إلى أن الواقع المعيش للأمة يمكن أن يكون مقداحا تنقدح منه بعض المقاصد الإسلامية. عني الإمامان الشاطبي وإبن عاشور كثيرا بسبيل النص ومقصده وبسبيل الإستقراء وبسبيل العلم الصحيح والعميق بالأوامر والنواهي حتى قال الإمام الشاطبي أن أمية الشريعة تودي دورا في ذلك في إشارة منه إلى دور اللسان العربي المبين في إبراز التحدي وغير ذلك مما أفاض فيه وأطنب.. فلما كشف الباحثان النجار و الريسوني عن منهجيهما في الكشف عن مقاصد الإسلام ولم يلفيا إتجاهات متباينة بين الرجلين بل إن منهج الكشف واحد في الأصل حتى لو تركز الإهتمام من هذا على هذا الجانب أو من ذاك على غيره.. لما كشف الباحثان عن ذلك لم يجاوزاه. فلما كتب الدكتور النجار كتابه الجديد أو الأخير في القضية المقاصدية : مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة.. لامس موضوع دور الواقع بإعتباره سبيلا من سبل الكشف عن المقاصد الإسلامية. لامس ذلك ملامسة عميقة فكانت إضافته المقاصدية هي أن حفظ البيئة مقصد من مقاصد الإسلام إلى جانب حفظ الضروريات الخمس المعروفة تقليديا. يبدو ذلك منطقيا معقولا بسبب أن البيئة هي الوعاء الذي يأوي إليه الإنسان المراد حفظ دينه ونفسه وعقله وماله وعرضه أو نسله.. يبدو ذلك كذلك ولكن بالبحث الأصولي المقاصدي المطعم بصورة دسمة جدا بإفرازات الواقع ومتطلباته وتحدياته من مثل تحدي البيئة وهو تحد عالمي حقيقي يبدو ذلك بالبحث الأصولي المتفاعل مع الواقع والمنفتح على التحديات الحقيقية الجديدة .. يبدو أن ذلك جانب مهم جدا لطرح هذا السؤال الكبير : إلى أي حد يتدخل الواقع للكشف عن المقاصد الإسلامية على معنى أن المقاصد لا تنتج ولا تخلق ولا تصنع ولكنها مخبوءة بقصد الكشف عنها من لدن الإنسان العاقل المعلم المجتهد المجدد المعاصر.

دعنا نطبق ذلك على صلاة الجمعة.

لم يعد عندي ريب بمثل ما أردد ذلك دوما في الدروس والخطب والمقالات منذ سنوات في أن المقصد الأسنى لصلاة الجمعة ليس هو المقصد التعبدي المحض. لو كان المقصد التعبدي المحض هو المقصد الأسنى من صلاة الجمعة لحرضنا على صلاة الجمعة مجرد تحريض أو تحريضا كبيرا. لو كان المقصد الأسنى من صلاة الجمعة هو ذكر الله سبحانه لقوله سبحانه في مقصد من مقاصد الصلاة : „ وأقم الصلاة لذكري " .. فضلا عن قصر ذلك على التعبئ بالتقوى والتزود بالطاعة .. لو كان ذلك كذلك لتأخر فرض صلاة الجمعة من بعد إستواء الصلاة اليومية على سوقها سنوات. ألا ترى أن صلاة الجمعة مخصوصة بسورة مدنية كاملة في القرآن الكريم ثم بآية كاملة في خاتمتها؟ ألا ترى إلى الأحاديث النبوية الصحيحة التي تحرض عليها تحريضا كبيرا جدا وتتوعد المتخلفين عنها دون عذر؟ حتى عد المتخلف عنها ثلاثا دون عذر منافقا. لولا صلاة الجمعة لما كانت الحاجة ماسة وشديدة إلى المساجد بعمرانها الإسلامي الثر الذي كان سببا في إسلام عدد غير يسير من غير المسلمين. ألم يكن يؤذن لها الفاروق ثلاثا بإجماع من الصحابة : آذان واحد على الأقل من تلك الآذانات الثلاثة قبل الوقت إستثناء لإعلام الناس بصلاة الجمعة وتحريضهم على التهيء لها بمثل ما هو الحال في صلاة الفجر؟

لو كانت صلاة الجمعة مقصورة مقاصدها على التعبدي منها فأي دور لخطبة الجمعة التي يمكن أن تتناول موضوعا سياسيا أو إقتصاديا أو إجتماعيا أو بيئيا أو عسكريا؟ بل إن ذاك هو المقصد الأصلي من خطبة الجمعة التي يجتمع فيها الناس ليكون موضوع الخطبة من بعد الخطبة محل مدارسة بينهم وحوار ونقاش بمثل ما قال سبحانه : „ ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ". وهو أمر من أمور الأمن والخوف بمثل ما ورد في سياق الآية. هو أمر أمني عسكري قح لا بد من رده لأولي العلم وهم العلماء هنا لإستنباط غثه من سمينه.

لو كانت صلاة الجمعة ذات مقصد تعبدي قح لا تتجاوزه لصلينا أربعا أو ستا أو عشرا ولما إحتجنا إلى خطبة تكون هي الجزء الأول من صلاة الجمعة. بل هي خطبة تسبق الصلاة بما يوحي بأن المقصد الأسنى الأول من صلاة الجمعة ليس تعبديا فحسب. فإذا نظرت إلى بعض الشروط التي وضعها بعض الأئمة من مثل الإمام مالك الذي إشترط لصحة إنعقادها إثني عشر مصل أو غيره ممن إشترط أربعين أو أكثر من ذلك أو أقل .. لو نظرت إلى ذلك لأزددت إقتناعا بأن المقصد الأسنى ليس تعبديا فحسب. لو كان تعبديا فحسب لأنعقدت الجمعة حتى بإثنين يؤم أحدهما الآخر لتقام الصلاة التي هي ذكر. إلا الفقيه الثائر إبن حزم الأندلسي الذي أجاز إنعقادها بإمام ومأموم واحد فحسب. ولعمري فإن ضارعته الواسعة في النفاح والحجاج بما قاس الجمعة على الجماعة رغم أنه من أشهر نفاة القياس المتطرفين فيه رجحت كفة بقية الإجتهادات. ليس هذا موضوعنا على كل حال سوى أن الحديث عن مدرسة إبن حزم لا يلجم لعابه لاجم.

مقاصد الجمعة دنيوية أكثر منها دينية.

عندما يكون الحديث في الشأن العلمي لا بد لنا من إستخدام مصطلحات خاصة به. قد يجري التجديد على تلك المصطحات بمثل ما أقر الفاروق تبديل إسم الجزية كلما أن المقصد باق ولكن ذلك لا ينفي أن نعمد إلى التقسيم سبرا لمختلف الحقول وهو شأن المباحث العلمية كلها حتى خارج إطار الشريعة الإسلامية. المقصود من ذلك هو أن إستخدام الدين والدنيا هنا يفهمه طلبة العلم وليس هو من باب الفصل بين الإسلام والدنيا كما يتبادر للأغرار الذين قصروا علمهم على بعض الشعارات الكلية الصحيحة دون أن يكلفوا أنفسهم مزيدا من البحث والإستقصاء.

قولك أن مقاصد الجمعة دنيوية أكثر منها دينية لا يخرج من دائرة المقصد الإسلامي الأعم الأسنى والأغلب للدين الذي إرتضاه سبحانه منهاجا للحياة يقيمها على صراط مستقيم. إنما يعني ذلك خدمة الحاجات التعليمية والمقاصد البيداغوجية بلغة رجال التعليم.

أسنى مقصد لصلاة الجمعة هو : مقصد الإجتماع وما يثمره الإجتماع.

تفرست في الأمر طويلا وتدبرته كثيرا فلم أجد سواه. لم ألف مقصدا تنجمع به مقاصد الجمعة تحت سقف واحد ولا مانع من أن تقطن تحت ذلك السقف الواحد مقاصد أخرى جزئية أو فرعية. لم أجد مقصدا سوى هذا المقصد : تثبيت خلق الإجتماع البشري بثابت ديني معلوم من الإسلام بالضرورة على أمل أن إجتماع البشر سيما المسلمين منهم لا بد له أن يولد المقاصد الإسلامية الأخرى من مثل : مقصد التعارف ومنشؤه إفشاء السلام ورده والسؤال عن الحال المتبادل ومن ذا يألف الناس بعضهم بعضا فيعودوا المريض ويتعاونون على فك العاني ثم يتكافلون على ثلاثة مطالب أخرى عظمى لا قوام لحياتهم إلا بها : التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة. ومن ذا كله يكون التآخي والتحابب ورص الصف الداخلي. كل ذلك ينشئ فيهم عقيدة الإعتصام بالله سبحانه أولا ثم الإعتصام بالجماعة التي هي الأمة حتى لو تفرقت أمصارها وتباعدت أعصارها أو تنوعت أفكارها وتعددت أنظارها فيما يقبل الإختلاف الإيجابي المثمر لسنة الحركة وقانون التدافع.


ثم لك أن تولد من ذلك المقصد الأسنى أي : الإجتماع الدوري أسبوعا من بعد أسبوع في مسجد ومن بعد الإستماع إلى توجيه من إمام إلى واجب الوقت الذي لا تقوم حياة تلك الجماعة إلا به. لك أن تولد من ذلك مثلا أن ذلك الإجتماع يثمر التناكح بينهم ثم التعاون على إنكاح العزب الذين لا يجدون نكاحا كما يمكن أن يثمر ذلك الإجتماع تكافلا على مقتضيات المقاومة وهو مقصد لا يحتاج إلى كلمة واحدة بسبب أننا نعيش تحت وطأة الإحتلال الصهيوني كما يمكن أن يثمر ذلك الإجتماع تعاونا على طلب العلم والإنفاق على مرافقه وطلابه ..

ذلك هو المقصد الأسنى لصلاة الجمعة فيما رأيت.
ذلك لا ينفي المقصد التعبدي ولكن يؤخره.
لا يؤخر المقصد التعبدي لهوانه أو لتقدم مقاصد الإجتماع والتعارف والتعاون عليه.
إنما يتزود المؤمن من 34 صلاة في الأسبوع ما شاء له الله أن يتزود من التقوى والخشوع وله أن يفعل ذلك في صلاة الجماعة التي ندبنا إليه خمس مرات في اليوم والليلة وهي لا تخلو كذلك من مقاصد دنيوية مقدمة ..
فإذا كانت الصلاة عدد 35 في الأسبوع أي صلاة الظهر من يوم الجمعة كان لا بد أن تنفعل محطات التزود بالتقوى التي حصلها المصلي على إمتداد أسبوع كامل ببعد آخر لا تنفك الحياة عنه وهو البعد الجماعي. هو بعد الإجتماع على العبادة حتى توصل حبال العبادة بحبال الدنيا وصلا لا مكان فيه للعالمانية السخيفة أو اللائكية المتهافتة.

هما مقصدان دون ريب : مقصد ديني يحتفظ بحقه في صلاة الجمعة. ولكن يتقدمه المقصد الدنيوي القائم على الإجتماع والتعارف وما يثمره من تآخ وتحابب لا بد منهما للحياة.

هل الثورة مقصد جديد؟

الثورة ضد الظلم والجور والقهر هي الأسد الحامي للدين والنفس والعقل والمال والعرض والنسل. ألم ينحن دعاة وخطباء إلى الحق الأبلج في الثورة العربية الراهنة لما رأوا بأم أعينهم أن الدندنة منهم على موضوع واحد هو : موضوع القبر والآخرة وحياة الإنسان بعد موت الإنسان .. تلك دندنة لم تعد تؤسس إيمانا ولا تجدد دينا ولا تشف غليلا ولا تحرك ساكنا ولا تسمن ولا تغني من جوع. إضطر أولئك إضطرارا إلى الإعتراف بأن الثورة من الإسلام بل هي كلبه المستأسد الحامي يذب عنه هاشا وناشا. إضطروا إلى الإعتراف بأن الإنطواء بالناس في خويصات أرواحهم أمر طوته الثورات المتلاحقة. إضطروا إلى الإعتراف بأن الإشتغال بالسياسة هو من صميم الإسلام ولبه وإلا لما قام حق وإزدهرت حضارة وأينعت ثقافة ولا تحرر وطن سليب ولا أرهب عدو يخاصم الأمة بجيشه ولجبه وعسسه وحرسه ورجله.

الجديد هو : لصلاة الجمعة مقصد وسائلي إسمه : تفجير الثورة.

من طبيعة التشريع الإسلامي أنه لا يكشف عن المقاصد إلا قليلا وما كشف عنها فإنه عادة ما يبوأه مبوأه التاريخي أو مبوأه الأغلب. شرح ذلك يتطلب إسهابا وإطنابا لا يتسع لهما هذا المقام الضيق. إنما المراد قوله هنا هو أن تفجير الثورة لأجل الإنعتاق والتحرر هو مقصد تابع من مقاصد صلاة الجمعة.

المقصد الأسنى هو الإجتماع وما يثمره الإجتماع كما تبين ذلك آنفا. ولكن لذلك المقصد الأسنى محاور وحقول ومجالات. منها التآخي ومنها التحابب ومنها التطبيب ومنها التعليم ومنها الجهاد والمقاومة ومنها الإغاثة ومنها الدعوة إلخ ...

من تلك الحقول التي تقتضيها بالضرورة صلاة الجمعة هو حقل : تفجير الثورة لأجل التحرر والإنعتاق وهو أمر لا بد أنه حصل حوله حديث من لدن الأئمة أو من لدن المصلين أو تداولته وسائل إعلام أخرى أو تمخضت به أرحام الناس ثم جأرت به أفئدتهم ولهجت به ألسنتهم ثم تهيأت الظروف ناضجة لتتفجر الثورة.

الثورة لا بد أن تكون ثمرة لذلك الحراك النفسي والشعوري والروحي والعقلي على مستويات جماعية كثيرة منها : صلاة الجمعة.

ليس ذلك مقصد أصيل ثابت شأنه شأن الإجتماع وما يثمره الإجتماع. ولكنه مقصد يمكن أن نطلق عليه إسم : مقصد وسائلي. قسم فقهاء المقاصد مقاصدهم إلى مقاصد وسائليه ومنهم من سماها ذرائعية و مقاصد غائية. ثم أنتجوا القاعدة الأصولية المقاصدية المشهورة جدا عند طلبة العلم : للوسائل حكم المقاصد.

الثورة إذن مقتضى من مقتضيات صلاة الجمعة ومقاصد صلاة الجمعة.

تلك هي خلاصة هذا القالة المتواضعة. لم يكن ذلك الأمر واضحا في المكتوب والمدون بسبب أن التشريع الإسلام في الأمر العام قام على أساس إسمه : الإقتضاء. أي كل ما يقتضيه التشريع الإسلامي هو واجب ولذلك سن الفقهاء القاعدة الأصولية الشهيرة : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ذلك هو الذي يحير بعض طلبة العلم غير النابهين عندما يستعجبون من عدم النص من الوحي على قضية الدولة. الإسلام وسطي دوما : لم تكن الدولة شأنا عقديا كما هو الأمر عند الشيعة الذين إضطرا في سبيل ذلك لخلع أردية العصمة على إئمتهم ولم تكن الدولة في مقابل ذلك شأنا خاصا أو شأنا لا شأن له في الحياة. بل إنتحى الإسلام منهاجا وسطيا قوامه أن ترتب الجماعة الإسلامية ( الأمة ) أمرها العام على أساس أن تجد تشريعات الإسلام ( من مثل الشريعة الجنائية والقضائية ) سبيلها إلى النفاذ ولن يكون ذلك السبيل سوى إقامة حكم يتولى إنفاذ الحق والواجب ولذلك قالوا في شأن الدولة : هي من الواجب الذي لا يتم الواجب إلا به فهي إذن واجب. أما العميان اليوم ومثلهم العشيان فإنهم أتلفوا ذلك وظلوا يتجادلون في إسم ذلك الحكم هل هو خلافة أم ملك أم إمارة أم جمهورية!!!. لم يكن ذلك جليا في المدون ولكنه كان حاضرا في التاريخ الإسلامي الذي شهد إحتضان المساجد إنطلاقا من صلاة الجمعة تحديدا لثورات إسلامية كبيرة معروفة في التاريخ الإسلامي كما تشهد بذلك أيامنا الحاضرة. لم يكن ذلك جليا في التدوين ولكنه كان جليا من حيث مقتضاه أي أنه مقتضى من مقتضيات المقصد الأسنى لصلاة الجمعة أي : مقتضى من مقتضيات الإجتماع.

الثورة مقتضى من مقتضيات الإجتماع.

يجتمع الناس في المساجد مرة كل أسبوع فتنشأ عن ذلك أعمال منها العلم والإجتهاد والبحث ومنها الإغاثة ومنها الجهاد والمقاومة ... هذه المرة كان المقتضى : تفجير ثورة عربية عنوانها التاريخي : الشعب يريد إسقاط النظام.

أي فصل إذن بين الإسلام والثورة.

أي خلط هذا؟ إذا كانت المساجد هي التي تحتضن الثورات وكانت الثورات أعمالا سياسية بإمتياز شديد وبتفجير لأعلى تخوم السقف السياسي السائد.. إذا كان ذلك كذلك فأي فصل إذن بين الإسلام وبين الدنيا أو بينه وبين السياسة أو بينه وبين الثورة!!!

ذلك هو الإسلام وتلك هي طبيعته.
منهاج ثوري تحرري جامع.
منهاج لخدمة مصالح الإنسان ولكن بالإنسان ذاته.

أجل. قل : صدق تشرشل.

صدق تشرشل في حدسه وحسن فهمه لمقاصد صلاة الجمعة التي عدها سلاحا فتاكا خطيرا بيد المسلمين الذين يلبون نداء الإجتماع مرة واحدة كل أسبوع لا يتخلف عن ذلك الإجتماع إلا مريض أو مسافر أو خائف. صدق تشرشل لأنه أدرك أن صلاة الجمعة يمكن أن تفجر ثورة ضد الخيار الغربي إذا ما داهم ذلك الخيار ديار المسلمين أو أعان على ذلك. أجل. قل : صدق تشرشل. ولنأخذ من تشرشل هذه الحكمة : هي دعائم ثلاث إذا حافظنا عليها حيينا وإذا فرطنا فيها متنا. أجل. متنا والسلام. أجل. متنا حتى لو بقينا نأكل ونشرب وننزوي على أناثينا. هي دعائم ثلاث : دعامة الكتاب العزيز الذي عد الثورة ضد القهر والجور عبادة قال فيها : الجنة تحت ظلال السيوف و ليس للثائرين العرب اليوم من سيف سوى سيف الكلمة التي تلهج بها الحناجر ( الشعب يريد إسقاط النظام ) + دعامة صلاة الجمعة ذلك الإجتماع الأسبوعي المنتظم الذي يتيح لنا فرصة دورية للحوار والتنبه إلى واجبات الوقت + دعامة الأزهر في إشارة إلى دور العلم والبحث والإجتهاد والتجديد. أجل. قل : صدق تشرشل.

أجل. قل : صدق تشرشل. والدليل على ذلك أن بعض البلدان الإسلامية أطاعت الغرب الذي ينحدر منه تشرشل فحاولت القضاء على دعامة صلاة الجمعة وذلك من خلال جعل يوم الجمعة يوم عمل عادي بما يضيق على المسلمين من فرص إقامة صلاة الجمعة والحضور إلى الإجتماع الأسبوعي الدوري المنتظم. باءت تونس والمغرب بذلك الشر الوبيل. فماذا كانت النتيجة؟

كانت النتيجة : إنفجرت شرارة الثورة من البلاد التي منع حكامها صلاة الجمعة إلتفافا عليها للحد من إمكانيات إنفجار الثورة من المساجد التي تحتضنها.

أجل. قل : صدق تشرشل وهو كذوب.



الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.