علوش العيد : اتحاد الفلاحة يطمئن... والقصّابون يحذرون    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    قفصة : القبض على مروّج مخدّرات وحجز 16 لفّافة من '' الكوكايين''    عاجل/ العاصمة: احتراق حافلة نقل حضري    وزير الشؤون الدينية يشرف على يوم الحجّ التدريبي الخاص بولايات سوسة المنستير والمهدية والقيروان    تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي في هذه الولاية..    تونس تستقبل أكثر من 2.3 مليون سائح إلى غاية 20 أفريل 2025    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    الرابطة المحترفة الاولى: صافرة مغربية لمباراة الملعب التونسي والاتحاد المنستيري    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    القضية الفلسطينية تتصدر مظاهرات عيد الشغل في باريس    نهائيات ماي: مواجهات نارية وأول نهائي لمرموش في مانشستر سيتى    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي بالفوز 3-1 على بودو/جليمت    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تكون المساجد محاضن للثورة.. قل : صدق تشرشل !
نشر في الحوار نت يوم 30 - 07 - 2011

يروى أن ونستن تشرشل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق قال : لا سبيل للقضاء على الإسلام مادام المسلمون يحتفظون بهذا الثلاثي العجيب : القرآن الكريم وصلاة الجمعة والأزهر الشريف.

لا يرتاب عاقل في أن قالة الرجل تنضح عن جانب كبير ومهم من شخصيته التي تختزن ذكاء وقادا حتى إنك لا ترتاب في أن الرجل بقالته أدرك بعقله المقصد الأسنى من صلاة الجمعة بل قل : نفذ إلى ما لم ينفذ إليه عدد غفير من المسلمين.

أي علاقة بين صلاة الجمعة والثورة؟

منذ ثورة تونس في 14 يناير مطلع هذا العام 2011 وحتى اليوم : أي بعد مضي أزيد من ستة أشهر كاملة .. ومحرار الثورة العربية الراهنة التي تنقل الأمة من حال إلى أخرى بل هي أكبر حدث دولي على الإطلاق وعلى إمتداد نصف عام كامل يتخذ له مربطا ثابتا وموئلا محفورا في الزمن. ليس ذلك المربط الثابت المحفور سوى : يوم الجمعة من كل أسبوع جديد. كل جمعة جديدة تتخذ لها في قاموس الثورة العربية الراهنة شعارا جديدا ونقلة جديدة متقدمة على درب تحرير الأمة من نير الإستبداد الحالك.

بل إن الجمعة هي التي خلعت عصابات النهب ولن تزال تخلع.

هل تكون صدفة عجيبة أن يرحل الذيل المخلوع بن علي من تونس يوم الجمعة 14 يناير؟ ثم تكون جمعة أخرى موعد رحيل الذيل المخلوع مبارك من مصر ( الجمعة 11 فبراير )؟ ثم تكون جمعة أخرى موعد رحيل الذيل المخلوع علي عبد الله صالح من اليمن ( الجمعة 3 يونيو حزيران)؟

هل يكون ذلك كله صدفة أم يجب علينا أن نرقب جمعات أخرى مباركات لعل السفاح المجرم القذافي يرحل في جمعة قابلة ثم يلتحق به سفاح سوريا في جمعة أخرى؟

هل تنكشف لنا مقاصد جديدة للإسلام؟

للأمانة التاريخية فإن أول من أطلق قالة : المساجد خنادق الثورة .. هم الإيرانيون بمناسبة إندلاع ثورتهم في فبراير 1979 ميلادية. كانت المساجد هناك أيام الثورة محاضن تلد الثائرين وخنادق تنظم صفوفهم وأما حنونا تطيب فلذات أكبادها بالمسك والكافور لتبعث بهم إلى ساحة الوغى. فلا تبخسوا الناس أشياءهم حتى لو كنتم تعتبرون مثلي أن الثورة الإيرانية كانت رحمة للشيعة الإثناعشرية بقدر ما كانت نقمة حامية علينا نحن أهل السنة في كل مصر عربي تقريبا. الثورة الإيرانية ثورة مجلجلة من حيث أنها خلعت أحد أوفى حرس أمريكا والصهيونية في الخليج ولكن جنى عليها تعصبها المذهبي غير المحدود.
سؤال طرحته على نفسي طويلا.

طرحت هذا السؤال على نفسي طويلا منذ الأيام الأولى للثورتين التونسية والمصرية. ثم لم يلبث السؤال أن عاودني بلوعته يتقحم علي مخدعي كلما إنفجرت ثورة في هذا البلد العربي أو ذاك وكانت المساجد منطلقا للحشود المليونية الهادرة بصوت واحد : الشعب يريد إسقاط النظام .. عقب صلاة الجمعة. قلت في نفسي : أليس هذا مقصدا جديدا من صلاة الجمعة؟

المقاصد لا تتجدد ولكن تتجدد سبل الكشف عنها.

لا أعلم رجلا بحث بصورة تفصيلية في سبل الكشف عن المقاصد الإسلامية غير رجلين ألفا في ذلك الموضوع بحثا خاصا به. أولهما الدكتور عبد المجيد النجار وثانيهما الدكتور أحمد الريسوني. عكف الرجلان على بحث سبل الكشف عن المقاصد الإسلامية من خلال المقارنة بين منهجي إمامي المقاصد : صاحب الموافقات الإمام الشاطبي وصاحب السفر المعاصر في الموضوع الإمام إبن عاشور. ثم ظل الموضوع يتيما بمثل ما ظل الموضوع الأم : أي بناء علم أصولي لمقاصد الإسلام ( أو الشريعة بمثل ما يكون التعبير السائد قصورا) مستقل عن علم أصول الفقه بسبب أن جهد الإمامين الشاطبي وإبن عاشور على علو قدرهما فإنهما لا يجاوزان نحت المقدمات الأولية الضرورية لعلم مقاصد الإسلام وذلك هو الذي حدا بإبن عاشور إلى صياغة نداء حار إلى أهل الفقه في هذا الباب الكبير من أبواب الفقه أن يواصلوا البحث حتى يستنبطوا لعلم المقاصد قواعد يحتكم إليها بمثل ما يتوفر لعلم أصول الفقه. فقر أدقع حط برحاله على ما تشتد الحاجة إليه في أيامنا هذه ولو كان ذلك الفقر في جانب آخر لهان أمر ما كان له أن يهون.

قلبت الأمر طويلا ثم إطمأننت إلى أن المقاصد العامة وليس الجزئية والكلية وليس الفرعية لا تتجدد ولكن الذي يتجدد هو : سبيل الكشف عنها. هي مخبوءة بعضها في النص مباشرة عبارة أو إشارة أو إقتضاء وبعضعا لا يلتقط بغير الإستقراء.

سبيل رصد الواقع للكشف عن المقاصد : سبيل مغمور.

للأمانة كذلك لم يسبق لباحث مقاصدي قبل الدكتور عبد المجيد النجار أن غامر بالإشارة إلى أن الواقع المعيش للأمة يمكن أن يكون مقداحا تنقدح منه بعض المقاصد الإسلامية. عني الإمامان الشاطبي وإبن عاشور كثيرا بسبيل النص ومقصده وبسبيل الإستقراء وبسبيل العلم الصحيح والعميق بالأوامر والنواهي حتى قال الإمام الشاطبي أن أمية الشريعة تودي دورا في ذلك في إشارة منه إلى دور اللسان العربي المبين في إبراز التحدي وغير ذلك مما أفاض فيه وأطنب.. فلما كشف الباحثان النجار و الريسوني عن منهجيهما في الكشف عن مقاصد الإسلام ولم يلفيا إتجاهات متباينة بين الرجلين بل إن منهج الكشف واحد في الأصل حتى لو تركز الإهتمام من هذا على هذا الجانب أو من ذاك على غيره.. لما كشف الباحثان عن ذلك لم يجاوزاه. فلما كتب الدكتور النجار كتابه الجديد أو الأخير في القضية المقاصدية : مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة.. لامس موضوع دور الواقع بإعتباره سبيلا من سبل الكشف عن المقاصد الإسلامية. لامس ذلك ملامسة عميقة فكانت إضافته المقاصدية هي أن حفظ البيئة مقصد من مقاصد الإسلام إلى جانب حفظ الضروريات الخمس المعروفة تقليديا. يبدو ذلك منطقيا معقولا بسبب أن البيئة هي الوعاء الذي يأوي إليه الإنسان المراد حفظ دينه ونفسه وعقله وماله وعرضه أو نسله.. يبدو ذلك كذلك ولكن بالبحث الأصولي المقاصدي المطعم بصورة دسمة جدا بإفرازات الواقع ومتطلباته وتحدياته من مثل تحدي البيئة وهو تحد عالمي حقيقي يبدو ذلك بالبحث الأصولي المتفاعل مع الواقع والمنفتح على التحديات الحقيقية الجديدة .. يبدو أن ذلك جانب مهم جدا لطرح هذا السؤال الكبير : إلى أي حد يتدخل الواقع للكشف عن المقاصد الإسلامية على معنى أن المقاصد لا تنتج ولا تخلق ولا تصنع ولكنها مخبوءة بقصد الكشف عنها من لدن الإنسان العاقل المعلم المجتهد المجدد المعاصر.

دعنا نطبق ذلك على صلاة الجمعة.

لم يعد عندي ريب بمثل ما أردد ذلك دوما في الدروس والخطب والمقالات منذ سنوات في أن المقصد الأسنى لصلاة الجمعة ليس هو المقصد التعبدي المحض. لو كان المقصد التعبدي المحض هو المقصد الأسنى من صلاة الجمعة لحرضنا على صلاة الجمعة مجرد تحريض أو تحريضا كبيرا. لو كان المقصد الأسنى من صلاة الجمعة هو ذكر الله سبحانه لقوله سبحانه في مقصد من مقاصد الصلاة : „ وأقم الصلاة لذكري " .. فضلا عن قصر ذلك على التعبئ بالتقوى والتزود بالطاعة .. لو كان ذلك كذلك لتأخر فرض صلاة الجمعة من بعد إستواء الصلاة اليومية على سوقها سنوات. ألا ترى أن صلاة الجمعة مخصوصة بسورة مدنية كاملة في القرآن الكريم ثم بآية كاملة في خاتمتها؟ ألا ترى إلى الأحاديث النبوية الصحيحة التي تحرض عليها تحريضا كبيرا جدا وتتوعد المتخلفين عنها دون عذر؟ حتى عد المتخلف عنها ثلاثا دون عذر منافقا. لولا صلاة الجمعة لما كانت الحاجة ماسة وشديدة إلى المساجد بعمرانها الإسلامي الثر الذي كان سببا في إسلام عدد غير يسير من غير المسلمين. ألم يكن يؤذن لها الفاروق ثلاثا بإجماع من الصحابة : آذان واحد على الأقل من تلك الآذانات الثلاثة قبل الوقت إستثناء لإعلام الناس بصلاة الجمعة وتحريضهم على التهيء لها بمثل ما هو الحال في صلاة الفجر؟

لو كانت صلاة الجمعة مقصورة مقاصدها على التعبدي منها فأي دور لخطبة الجمعة التي يمكن أن تتناول موضوعا سياسيا أو إقتصاديا أو إجتماعيا أو بيئيا أو عسكريا؟ بل إن ذاك هو المقصد الأصلي من خطبة الجمعة التي يجتمع فيها الناس ليكون موضوع الخطبة من بعد الخطبة محل مدارسة بينهم وحوار ونقاش بمثل ما قال سبحانه : „ ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ". وهو أمر من أمور الأمن والخوف بمثل ما ورد في سياق الآية. هو أمر أمني عسكري قح لا بد من رده لأولي العلم وهم العلماء هنا لإستنباط غثه من سمينه.

لو كانت صلاة الجمعة ذات مقصد تعبدي قح لا تتجاوزه لصلينا أربعا أو ستا أو عشرا ولما إحتجنا إلى خطبة تكون هي الجزء الأول من صلاة الجمعة. بل هي خطبة تسبق الصلاة بما يوحي بأن المقصد الأسنى الأول من صلاة الجمعة ليس تعبديا فحسب. فإذا نظرت إلى بعض الشروط التي وضعها بعض الأئمة من مثل الإمام مالك الذي إشترط لصحة إنعقادها إثني عشر مصل أو غيره ممن إشترط أربعين أو أكثر من ذلك أو أقل .. لو نظرت إلى ذلك لأزددت إقتناعا بأن المقصد الأسنى ليس تعبديا فحسب. لو كان تعبديا فحسب لأنعقدت الجمعة حتى بإثنين يؤم أحدهما الآخر لتقام الصلاة التي هي ذكر. إلا الفقيه الثائر إبن حزم الأندلسي الذي أجاز إنعقادها بإمام ومأموم واحد فحسب. ولعمري فإن ضارعته الواسعة في النفاح والحجاج بما قاس الجمعة على الجماعة رغم أنه من أشهر نفاة القياس المتطرفين فيه رجحت كفة بقية الإجتهادات. ليس هذا موضوعنا على كل حال سوى أن الحديث عن مدرسة إبن حزم لا يلجم لعابه لاجم.

مقاصد الجمعة دنيوية أكثر منها دينية.

عندما يكون الحديث في الشأن العلمي لا بد لنا من إستخدام مصطلحات خاصة به. قد يجري التجديد على تلك المصطحات بمثل ما أقر الفاروق تبديل إسم الجزية كلما أن المقصد باق ولكن ذلك لا ينفي أن نعمد إلى التقسيم سبرا لمختلف الحقول وهو شأن المباحث العلمية كلها حتى خارج إطار الشريعة الإسلامية. المقصود من ذلك هو أن إستخدام الدين والدنيا هنا يفهمه طلبة العلم وليس هو من باب الفصل بين الإسلام والدنيا كما يتبادر للأغرار الذين قصروا علمهم على بعض الشعارات الكلية الصحيحة دون أن يكلفوا أنفسهم مزيدا من البحث والإستقصاء.

قولك أن مقاصد الجمعة دنيوية أكثر منها دينية لا يخرج من دائرة المقصد الإسلامي الأعم الأسنى والأغلب للدين الذي إرتضاه سبحانه منهاجا للحياة يقيمها على صراط مستقيم. إنما يعني ذلك خدمة الحاجات التعليمية والمقاصد البيداغوجية بلغة رجال التعليم.

أسنى مقصد لصلاة الجمعة هو : مقصد الإجتماع وما يثمره الإجتماع.

تفرست في الأمر طويلا وتدبرته كثيرا فلم أجد سواه. لم ألف مقصدا تنجمع به مقاصد الجمعة تحت سقف واحد ولا مانع من أن تقطن تحت ذلك السقف الواحد مقاصد أخرى جزئية أو فرعية. لم أجد مقصدا سوى هذا المقصد : تثبيت خلق الإجتماع البشري بثابت ديني معلوم من الإسلام بالضرورة على أمل أن إجتماع البشر سيما المسلمين منهم لا بد له أن يولد المقاصد الإسلامية الأخرى من مثل : مقصد التعارف ومنشؤه إفشاء السلام ورده والسؤال عن الحال المتبادل ومن ذا يألف الناس بعضهم بعضا فيعودوا المريض ويتعاونون على فك العاني ثم يتكافلون على ثلاثة مطالب أخرى عظمى لا قوام لحياتهم إلا بها : التواصي بالحق والتواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة. ومن ذا كله يكون التآخي والتحابب ورص الصف الداخلي. كل ذلك ينشئ فيهم عقيدة الإعتصام بالله سبحانه أولا ثم الإعتصام بالجماعة التي هي الأمة حتى لو تفرقت أمصارها وتباعدت أعصارها أو تنوعت أفكارها وتعددت أنظارها فيما يقبل الإختلاف الإيجابي المثمر لسنة الحركة وقانون التدافع.


ثم لك أن تولد من ذلك المقصد الأسنى أي : الإجتماع الدوري أسبوعا من بعد أسبوع في مسجد ومن بعد الإستماع إلى توجيه من إمام إلى واجب الوقت الذي لا تقوم حياة تلك الجماعة إلا به. لك أن تولد من ذلك مثلا أن ذلك الإجتماع يثمر التناكح بينهم ثم التعاون على إنكاح العزب الذين لا يجدون نكاحا كما يمكن أن يثمر ذلك الإجتماع تكافلا على مقتضيات المقاومة وهو مقصد لا يحتاج إلى كلمة واحدة بسبب أننا نعيش تحت وطأة الإحتلال الصهيوني كما يمكن أن يثمر ذلك الإجتماع تعاونا على طلب العلم والإنفاق على مرافقه وطلابه ..

ذلك هو المقصد الأسنى لصلاة الجمعة فيما رأيت.
ذلك لا ينفي المقصد التعبدي ولكن يؤخره.
لا يؤخر المقصد التعبدي لهوانه أو لتقدم مقاصد الإجتماع والتعارف والتعاون عليه.
إنما يتزود المؤمن من 34 صلاة في الأسبوع ما شاء له الله أن يتزود من التقوى والخشوع وله أن يفعل ذلك في صلاة الجماعة التي ندبنا إليه خمس مرات في اليوم والليلة وهي لا تخلو كذلك من مقاصد دنيوية مقدمة ..
فإذا كانت الصلاة عدد 35 في الأسبوع أي صلاة الظهر من يوم الجمعة كان لا بد أن تنفعل محطات التزود بالتقوى التي حصلها المصلي على إمتداد أسبوع كامل ببعد آخر لا تنفك الحياة عنه وهو البعد الجماعي. هو بعد الإجتماع على العبادة حتى توصل حبال العبادة بحبال الدنيا وصلا لا مكان فيه للعالمانية السخيفة أو اللائكية المتهافتة.

هما مقصدان دون ريب : مقصد ديني يحتفظ بحقه في صلاة الجمعة. ولكن يتقدمه المقصد الدنيوي القائم على الإجتماع والتعارف وما يثمره من تآخ وتحابب لا بد منهما للحياة.

هل الثورة مقصد جديد؟

الثورة ضد الظلم والجور والقهر هي الأسد الحامي للدين والنفس والعقل والمال والعرض والنسل. ألم ينحن دعاة وخطباء إلى الحق الأبلج في الثورة العربية الراهنة لما رأوا بأم أعينهم أن الدندنة منهم على موضوع واحد هو : موضوع القبر والآخرة وحياة الإنسان بعد موت الإنسان .. تلك دندنة لم تعد تؤسس إيمانا ولا تجدد دينا ولا تشف غليلا ولا تحرك ساكنا ولا تسمن ولا تغني من جوع. إضطر أولئك إضطرارا إلى الإعتراف بأن الثورة من الإسلام بل هي كلبه المستأسد الحامي يذب عنه هاشا وناشا. إضطروا إلى الإعتراف بأن الإنطواء بالناس في خويصات أرواحهم أمر طوته الثورات المتلاحقة. إضطروا إلى الإعتراف بأن الإشتغال بالسياسة هو من صميم الإسلام ولبه وإلا لما قام حق وإزدهرت حضارة وأينعت ثقافة ولا تحرر وطن سليب ولا أرهب عدو يخاصم الأمة بجيشه ولجبه وعسسه وحرسه ورجله.

الجديد هو : لصلاة الجمعة مقصد وسائلي إسمه : تفجير الثورة.

من طبيعة التشريع الإسلامي أنه لا يكشف عن المقاصد إلا قليلا وما كشف عنها فإنه عادة ما يبوأه مبوأه التاريخي أو مبوأه الأغلب. شرح ذلك يتطلب إسهابا وإطنابا لا يتسع لهما هذا المقام الضيق. إنما المراد قوله هنا هو أن تفجير الثورة لأجل الإنعتاق والتحرر هو مقصد تابع من مقاصد صلاة الجمعة.

المقصد الأسنى هو الإجتماع وما يثمره الإجتماع كما تبين ذلك آنفا. ولكن لذلك المقصد الأسنى محاور وحقول ومجالات. منها التآخي ومنها التحابب ومنها التطبيب ومنها التعليم ومنها الجهاد والمقاومة ومنها الإغاثة ومنها الدعوة إلخ ...

من تلك الحقول التي تقتضيها بالضرورة صلاة الجمعة هو حقل : تفجير الثورة لأجل التحرر والإنعتاق وهو أمر لا بد أنه حصل حوله حديث من لدن الأئمة أو من لدن المصلين أو تداولته وسائل إعلام أخرى أو تمخضت به أرحام الناس ثم جأرت به أفئدتهم ولهجت به ألسنتهم ثم تهيأت الظروف ناضجة لتتفجر الثورة.

الثورة لا بد أن تكون ثمرة لذلك الحراك النفسي والشعوري والروحي والعقلي على مستويات جماعية كثيرة منها : صلاة الجمعة.

ليس ذلك مقصد أصيل ثابت شأنه شأن الإجتماع وما يثمره الإجتماع. ولكنه مقصد يمكن أن نطلق عليه إسم : مقصد وسائلي. قسم فقهاء المقاصد مقاصدهم إلى مقاصد وسائليه ومنهم من سماها ذرائعية و مقاصد غائية. ثم أنتجوا القاعدة الأصولية المقاصدية المشهورة جدا عند طلبة العلم : للوسائل حكم المقاصد.

الثورة إذن مقتضى من مقتضيات صلاة الجمعة ومقاصد صلاة الجمعة.

تلك هي خلاصة هذا القالة المتواضعة. لم يكن ذلك الأمر واضحا في المكتوب والمدون بسبب أن التشريع الإسلام في الأمر العام قام على أساس إسمه : الإقتضاء. أي كل ما يقتضيه التشريع الإسلامي هو واجب ولذلك سن الفقهاء القاعدة الأصولية الشهيرة : ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. ذلك هو الذي يحير بعض طلبة العلم غير النابهين عندما يستعجبون من عدم النص من الوحي على قضية الدولة. الإسلام وسطي دوما : لم تكن الدولة شأنا عقديا كما هو الأمر عند الشيعة الذين إضطرا في سبيل ذلك لخلع أردية العصمة على إئمتهم ولم تكن الدولة في مقابل ذلك شأنا خاصا أو شأنا لا شأن له في الحياة. بل إنتحى الإسلام منهاجا وسطيا قوامه أن ترتب الجماعة الإسلامية ( الأمة ) أمرها العام على أساس أن تجد تشريعات الإسلام ( من مثل الشريعة الجنائية والقضائية ) سبيلها إلى النفاذ ولن يكون ذلك السبيل سوى إقامة حكم يتولى إنفاذ الحق والواجب ولذلك قالوا في شأن الدولة : هي من الواجب الذي لا يتم الواجب إلا به فهي إذن واجب. أما العميان اليوم ومثلهم العشيان فإنهم أتلفوا ذلك وظلوا يتجادلون في إسم ذلك الحكم هل هو خلافة أم ملك أم إمارة أم جمهورية!!!. لم يكن ذلك جليا في المدون ولكنه كان حاضرا في التاريخ الإسلامي الذي شهد إحتضان المساجد إنطلاقا من صلاة الجمعة تحديدا لثورات إسلامية كبيرة معروفة في التاريخ الإسلامي كما تشهد بذلك أيامنا الحاضرة. لم يكن ذلك جليا في التدوين ولكنه كان جليا من حيث مقتضاه أي أنه مقتضى من مقتضيات المقصد الأسنى لصلاة الجمعة أي : مقتضى من مقتضيات الإجتماع.

الثورة مقتضى من مقتضيات الإجتماع.

يجتمع الناس في المساجد مرة كل أسبوع فتنشأ عن ذلك أعمال منها العلم والإجتهاد والبحث ومنها الإغاثة ومنها الجهاد والمقاومة ... هذه المرة كان المقتضى : تفجير ثورة عربية عنوانها التاريخي : الشعب يريد إسقاط النظام.

أي فصل إذن بين الإسلام والثورة.

أي خلط هذا؟ إذا كانت المساجد هي التي تحتضن الثورات وكانت الثورات أعمالا سياسية بإمتياز شديد وبتفجير لأعلى تخوم السقف السياسي السائد.. إذا كان ذلك كذلك فأي فصل إذن بين الإسلام وبين الدنيا أو بينه وبين السياسة أو بينه وبين الثورة!!!

ذلك هو الإسلام وتلك هي طبيعته.
منهاج ثوري تحرري جامع.
منهاج لخدمة مصالح الإنسان ولكن بالإنسان ذاته.

أجل. قل : صدق تشرشل.

صدق تشرشل في حدسه وحسن فهمه لمقاصد صلاة الجمعة التي عدها سلاحا فتاكا خطيرا بيد المسلمين الذين يلبون نداء الإجتماع مرة واحدة كل أسبوع لا يتخلف عن ذلك الإجتماع إلا مريض أو مسافر أو خائف. صدق تشرشل لأنه أدرك أن صلاة الجمعة يمكن أن تفجر ثورة ضد الخيار الغربي إذا ما داهم ذلك الخيار ديار المسلمين أو أعان على ذلك. أجل. قل : صدق تشرشل. ولنأخذ من تشرشل هذه الحكمة : هي دعائم ثلاث إذا حافظنا عليها حيينا وإذا فرطنا فيها متنا. أجل. متنا والسلام. أجل. متنا حتى لو بقينا نأكل ونشرب وننزوي على أناثينا. هي دعائم ثلاث : دعامة الكتاب العزيز الذي عد الثورة ضد القهر والجور عبادة قال فيها : الجنة تحت ظلال السيوف و ليس للثائرين العرب اليوم من سيف سوى سيف الكلمة التي تلهج بها الحناجر ( الشعب يريد إسقاط النظام ) + دعامة صلاة الجمعة ذلك الإجتماع الأسبوعي المنتظم الذي يتيح لنا فرصة دورية للحوار والتنبه إلى واجبات الوقت + دعامة الأزهر في إشارة إلى دور العلم والبحث والإجتهاد والتجديد. أجل. قل : صدق تشرشل.

أجل. قل : صدق تشرشل. والدليل على ذلك أن بعض البلدان الإسلامية أطاعت الغرب الذي ينحدر منه تشرشل فحاولت القضاء على دعامة صلاة الجمعة وذلك من خلال جعل يوم الجمعة يوم عمل عادي بما يضيق على المسلمين من فرص إقامة صلاة الجمعة والحضور إلى الإجتماع الأسبوعي الدوري المنتظم. باءت تونس والمغرب بذلك الشر الوبيل. فماذا كانت النتيجة؟

كانت النتيجة : إنفجرت شرارة الثورة من البلاد التي منع حكامها صلاة الجمعة إلتفافا عليها للحد من إمكانيات إنفجار الثورة من المساجد التي تحتضنها.

أجل. قل : صدق تشرشل وهو كذوب.



الهادي بريك ألمانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.