بسم الله الرحمن الرحيم لا شك أن الثورة التونسية تمر حاليا بمأزق حرج بعد أن تمكنت قوى الردة من التربع على مفاصل الدولة نظرا لعجز المنتظم السياسي عن إفراز البديل القادر على قيادة المرحلة الانتقالية، رغم توفر الرجال، وتتالي الفرص لفرض البديل الوطني القادر وحده على بث الطمأنينة في قلوبنا جميعا ووضع الثورة على سكة تحقيق الكرامة والحرية والديموقراطية الحقيقية. هذا المأزق الذي تعمق منذ تولى السبسي أمر البلاد والعباد واطلق وعوده الجازمة بإجراء الانتخابات في أجل أقصاه 24 جويلية الفارط، مهددا بانه لن يظل في السلطة يوما واحدا بعد هذا التاريخ ، ثم نكث وعوده ولم يتزحزح قيد أنملة عن منصبه وقد أسفرت الثورة عن وضع غريب يفترض فيه أن يقوم الخائفون من إرادة الشعب بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة لا يشوبها التزوير المعتاد وهو الامر الذي يثير المخاوف، ويرفض الكثيرون تصديقه. وبعيدا عن هواجس التدافع السياسي والمخاوف المشروعة التي يثيرها المسار الذي اتخذته الثورة لحد الآن فإن دواعي الأمل ودوافع الثقة في انتصار هذه الثورة تبدو ماثلة للعيان 1-الدافع الاول أن هذه الثورة هدية من الله لهذا الشعب الذي فاقت معاناته من الظلم والقهر والعذاب كل حد، وبلغ الشعور بالغبن وانسداد الافق بشبابه المهمش إلى اللجوء إلى إحراق جسده بالنار في رسالة بالغة القسوة. فالنار هي رديف العذاب المقيم في عرف المجتمع التونسي المسلم الذي لم يكن يوما ذا ثقافة مجوسية أو هندوسية تعلي من شأن النار أو تضفي عليها بعدا تطهيريا. وما لبث الشعب ان تلقف الرسالة فخلع عنه لباس الخوف والذل ولم يهدأ حتى أجبر العصابة المجرمة على التخلص من زعيمها في ملحمة أذهلت بسرعتها العالم. ولم يكن أحد يتوقع هذه الثورة التي فاجأت الجميع بمن فيهم نحن الذين قاومنا الدكتاتورية وناصبناها العداء وأصررنا على فضحها ولو كلفنا ذلك أن نمضي بقية حياتنا في غربة مرة...إن انفجار هذه الثورة، وسرعة انتشارها وتحقيقها لهدفها المعلن كان بدون شك هدية من الله عز وجل، وحاشا لله أن تكون هبته منقوصة، فاكتمال أهداف الثورة قادم لأن الله إذا أنعم أتم نعمته، وإذا هو أعطى أكمل عطيته. 2- أما الدافع الثاني فهو سقوط الجدار المنيع الذي أقامه الاستعمار واجتهدت في حمايته الدكتاتورية طيلة خمسين سنة، ألا وهو جدار الخوف. فشباب هذا البلد بل وشعبه كله قد رفض إلى حد الآن كل الفزاعات التي لوحت بها الحكومة تباعا من أجل إعادة الخوف إلى النفوس من جديد، وووجهت جميع محاولاتها بالسخرية والتندر بعد ان تمكن الشباب من كشف خدعها وآخرها اللحى المزيفة والجلابيب المستعارة... ورغم عودتها إلى ممارسة نفس الأساليب الوحشية فإن نجاحها في إعادة الجبن والخوف إلى نفوس الشعب التونسي أمر في حكم المستحيل أو يكاد. 3- أما الدافع الثالث فهو أن بعض المنتظم السياسي قد أدرك خطورة اللعبة الأزلية فرق تسد، والتي لعبها الاستبداد في تسعينات . القرن الماضي، وحول البلاد إثرها إلى سجن كبير، وكل المعطيات تشير إلى قرب ولادة تحالف واسع من الاحزاب والشخصيات الوطنية المؤمنة بحق الشعب في أن يقرر أخيرا من يحكمه، وكيف يحكمه. وهذا الائتلاف حين يشهد النور سيكون كفيلا بأن يجسد آمال الشعب في الخلاص النهائي من دولة الظلم والبغي والفساد والإفساد د. نجيب عاشوري