مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    الرابطة المحترفة الاولى: حكام مباريات الجولة 28.    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري دون تسجيل أضرار بشرية    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    عمدا إلى الإعتداء على شقيقين بآلة حادة ... جريمة شنيعة في أكودة    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    رئيس الجمهورية: تونس تزخر بالوطنيين القادرين على خلق الثّروة والتّوزيع العادل لثمارها    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين يدي الذكرى العاشرة لكارثة 11 أيلول 2001.
نشر في الحوار نت يوم 11 - 09 - 2011


بين يدي الذكرى العاشرة لكارثة 11 أيلول 2001.
الشيخ الهادي بريك


كأن شيئا لم يزل إذا أتى.
قال الشاعر : كأن شيئا لم يزل إذا أتى ... كأن شيئا لم يكن إذا مضى.
بالأمس القريب جدا كنا نعيش على وقع كارثة القرن : 11 سبتمبر 2001.
أقصد : بالأمس القريب كنا نموت على وقعها لأنها إعلان موت للمسلمين.
اليوم : 11 سبتمبر 2011 لا نعيش ولكن نحيى على وقع الثورة العربية أو ربيع الأمة.
قلت في نفسي : سبحان من يحيي العظام وهو رميم. سبحان من يقلب الليل والنهار ليجعل في ذلك عبرة لأولي الأبصار. سبحان من يعز من يشاء ويذل من يشاء. سبحان من يؤتي الملك من يشاء وينزعه عمن يشاء.
هذه مفردات الذكرى العاشرة.
1 تنظيم القاعدة أو منهاج الإنتقام الأعمى.
2 الولايات المتحدة الأمريكية أو دجال العصر الأعور.
3 الصهيونية العالمية التي تحمي بلوبياتها السرطان الإسرائيلي.
4 الإسلام والحركة الإسلامية والثورة العربية المتواصلة منذ 14 يناير 2011 حتى اليوم.
من أراد الكتابة أو التأريخ أو الحديث عن الذكرى العاشرة لكارثة سبتمبر 2001 فلا مناص له من معالجة تلك المفردات مفردة مفردة لأنها مكونات المشهد الكارثي الذي كاد يعصف بالوجود الإسلامي الغربي بصفة عامة والأمريكي والأروبي بصفة خاصة.
هل هي كارثة حقا؟
أجل. هي كارثة دون ريب. سوى أن الإسلام ومن ورائه المسلمون يبتلى بالكوارث ليقوى عوده عملا بأعلى سنن الله في كونه وخلقه :قانون الإبتلاء الماضي. ألم يقل سبحانه في ذلك : „ أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون”. أما التحاليل المائعة التي تريد أن تجعل من تلك الكارثة نصرا للإسلام مبينا فهي مواعيد السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه وفي حسابه. بعض من أولئك أغرار يرتبون نتائج صحيحة على مقدمات خاطئة. بعض من أولئك يستدلون على أن الكارثة نصر بزيادة عدد معتنقي الإسلام فضلا عن المهتمين به إهتماما إيجابيا وغير ذلك مما هو كثير من نتائج تلك الكارثة. قل لأولئك : بعض الأمراض تصيب الأبدان فتزيدها قوة ونشاطا وحيوية من بعد البرء منها.. هل يمكن أن تقول عن الداء العضال أنه عافية؟ طبعا لا. هو داء عضال حقه العلاج والحرب فإذا خلف ذلك الداء العضال عافية زائدة فهو القانون السنني السببي المطرد : كل محنة تواجه بالصبر والتقوى تكون عاقبتها منحة. هل يجعلنا ذلك نسمي المحنة منحة وهي في طور المحنة؟ كارثة سبتمبر 2001 كارثة حقيقية بكل المقاييس بسبب أنها إستهدفت بالقتل آلافا من الأبرياء وكثير من أولئك مسلمون لا ناقة لهم ولا جمل في سياسة الصهيونية التي تهيمن على المؤسسات القيادية في أمريكا. إذا أبدل الله سبحانه عسرك يسرا فلا تقل : كان العسر يسرا ولكن قل : جاء مع العسر يسر لتكون منسجما مع المنهاج القرآني تفكيرا ومبنى : „ إن مع العسر يسرا”. ثبت العسر مرتين وعرفه مرتين ثم أخبرنا أن يسرا بل يسرين يخترمه ليرثه.
مازلت عند هذا الرأي.
لم أقف إلى حد اليوم على حقيقة مؤكدة قاطعة ولكني مازلت على رأيي القديم : بادر تنظيم القاعدة بإيقاع الكارثة ولما كان العمل لذلك حثيثا إخترقته أجهزة الإستخبارات الأمريكية ثم إتخذ القرار من أعلى سلطات البلاد سياسيا وأمنيا لمواصلة العملية وإسنادها بما يجب من( لوجستيات) بالتعبير الأجنبي المعاصر وتوظيف ذلك ضمن مرحلة تصعيدية جديدة من مراحل الخطة ( الناتوية = نسبة إلى الناتو الذي صرح أمينه العام بعيد سقوط الدب الروسي مباشرة بأن الإنتصار على العدو الأصفر ( الإتحاد السوفييتي وحلفائه) يجعلنا أمام إستحقاق دولي آخر إسمه شن الحرب ضد العدو الأخضر ( الإسلام والمسلمون ). كلمة السر في الدوائر الإستخباراتيه الغربية سيما الأمريكية والأروبية هي : أمن إسرائيل وهو الخط الأحمر الذي لا تنازل عنه لا يتحقق دون ترويع المسلمين. هما أمنان لا يتعايشان فإما أن تأمن إسرائيل وإما أن يأمن المسلمون. ولا مانع من أن تكون الكارثة قد توخت خيط السير المعاكس أي أن الإستخبارات الأمريكية هي التي بادرت بالكارثة إبتداء فأغرت بها تنظيم القاعدة بمثل ما يغرى فأر ليلتقط قطعة شحم فإذا دخل الحمى وقع في الفخ المنصوب بعناية.
لا بطولة لتنظيم القاعدة في تلك الكارثة لولا أن تلك الكارثة لم تندرج ضمن الخطة الأمريكية الجديدة. ولا بطولة لأمريكا لولا أنها لم تعثر على خصم أحمق. فكانت الكارثة نتيجة لمصالح متبادلة : خسرت فيها أمريكا شيئا وربحت أشياء وخسر فيها تنظيم القاعدة شيئا وربح أشياء.
تنظيم القاعدة ومنهاج الإنتقام الأعمى.
هذا موضوع كتبت فيه مرات ومرات ومن ذلك رسالتين إلى التنظيم قبل موت زعيمه أسامة إبن لادن عليه رحمة الله سبحانه. إبن لادن من الشخصيات التي ظل فيها فريقان من المسلمين: فريق يمطره بالكفر والنفاق والزندقة والهرطقة وأغلب أولئك من وعاظ السلاطين الذين يقبضون من المال بقدر تكفيرهم للرجل. وفريق يرفعه إلى درجة العلماء أو الفقهاء والمصلحين بما يجعل من إجتهاده التنظيمي القائم على: التكفير والتفجير .. حسنة يأمر بها الإسلام أو يبيحها ولا نكير له عليها. تبعا لذلك يمكن أن تقول بأن المرحوم إبن لادن من الكبار الذين تختلف فيهم البشرية. هو كبير بعمله وقيادته لأكبر تنظيم يقض مضاجع الغربيين وحلفائهم في المنطقة العربية. القول العدل فيما أرى في الرجل وعمله : الرجل مؤمن مسلم مخلص صادق مجاهد مقاوم لا يبغي دون الإنتصار للإسلام شيئا ولكنه سلك مسلكا إصلاحيا لا يبغضه الإسلام فحسب ولكن لا يفتأ يحذر من عواقبه. مسلك القتل بالجملة أبغض مسلك شن عليه الإسلام حربا بلا هوادة. ليس للتنظيم سوى مستند فقهي واحد هو مستند سماه أهل العلم : تمترس العدو بالمسلمين في حرب جمعت الكافرين بالمسلمين. النظرية فقهيا صحيحة ولكن تنزيلاتها تتطلب أمورا لا نتطرق إليها الآن لخروجها عن موضوعها. واضح أن التنظيم إضطرب كثيرا في مسيرته العلمية التي بنى عليها جهاده : من نظرية إخراج المشركين من شبه الجزيرة العربية إلى قتال اليهود والنصارى في كل مكان ثم إلى إستهداف أمريكا.حتى يوم الناس هذا لا تشعر أن التنظيم يحضر عنده الهم العربي الإسلامي الأول : فلسطين. ليس هناك قضية جهادية تجمع المسلمين اليوم بمثل ما تجمعهم قضية فلسطين. كما تورط التنظيم مرات ومرات في القتال ضد أنظمة عربية أو إسلامية وبمقاتلين لا ينتمون إلى البلاد المقاتلة.
أما آن للتنظيم أن يراجع نفسه على ضوء الثورة العربية؟
يبدو أن المرحوم إبن لادن على تخبطه الشديد في مسألة شرعية محددة في القرآن الكريم ذاته أي مسألة الجهاد والمقاومة والمنهاج الموضوع هنالك لهما بدقة عجيبة أرجح عقلا بكثير من خلفه الدكتور الظواهري. أظن أنه لو بقي الرجل حيا لبادر إلى إصلاحات جوهرية في إستراتيجية التنظيم الجهادية على نحو يعزر فيه الثورات العربية المنداحة بسبب الإلتقاء معها في الهدف الأسنى ذاته وهو : تغيير موازين القوى لصالح الإسلام والمسلمين والمستضعفين في الأرض عامة وهو تغيير لا بد أن يكون متدرجا وشعبيا ومنسجما مع الطابع السلمي للجهاد الإسلامي والمقاومة الإسلامية إلا في مواضع الإحتلال العسكري من مثل فلسطين وأفغانستان وهو تغيير لن يفضي مع الأيام إلا إلى إنسحاب تدريجي للقوى الغربية والصهيونية التي تتحكم في السياسات والأموال وتغذي نكباتنا في التجزئة والتمزق والتفرق وهيمنة الدكتاتورية والإستبداد والسلب والنهب والفساد والولاء لأعداء الأمة.
أليس الأفضل لتنظيم القاعدة أن يجري عمليات جراحية مؤلمة على إستراتيجيته الجهادية ليبث عقلا جديدا وتربية جديدة وخلقا جديدا في أعضائه والمتعاطفين معه على غرار المراجعات الجريئة التي أجراها كثير ممن يقتسم معه بعض أطروحاته من مثل الجماعة الإسلامية في مصر والتي كان منها الظواهري نفسه على ما أظن ومثلها في الجزائر وليبيا؟ ألا يكون القائد العسكري لطرابلس الشاب عبد الحكيم بلحاج نموذجا يحتذى؟ ألم يكن ذلك الشاب قياديا في الجماعة الليبية المقاتلة وهو اليوم قائد شعبي ميداني ثوري؟
الحكم بالإعدام على تنظيم القاعدة بجرة قلم حلم حالم ووهم واهم. التنظيم واقع حي ملموس وله أثره ويلقي بظلال الروعة هنا وظلال العطف هناك. الحل هو إجراء حوارات مع قياداته لأن الإنسان كائن مفكر عاقل ولا يستبعد أن يفيء منهم كثير إلى المنهاج الإسلامي الأرشد في التغيير والإصلاح سيما بعد أن أصبحت الثورة هي الإطار الأوسع لذلك وهي الإطار الأنسب بسبب أمرين : الطابع الشعبي الجماهيري بما ينفي عنها الطابع النخبوي القديم الذي جرها إلى أن تكون زينة ( ديكورا ) في المشهد ( الديمقراطي ) المزيف وبذلك كانت النخبة في الجملة والأعم الأغلب شاهد زور في وليمة زور. الأمر الثاني الذي ساهم في نجاح الثورات العربية المنداحة هو طابعها السلمي المدني الإحتجاجي الأهلي الذي يسير وفق النظرية الإسلامية القحة الأصيلة : الصبر الجميل.
ذلك ما أرجوه من المصلحين و هو ما أرجوه كذلك من كثير من أبناء القاعدة : حوار علمي فكري أساسه : الحجة من جانب والتناصح من جانب آخر حتى تستعيد الأمة جزء من أبنائها الذين إختطفتهم نظريات إصلاحية تغييرية يبرأ منها الإسلام براءة الذئب من دم إبن يعقوب كما يقولون. ما ينبغي للمصلحين أن ييأسوا من تنظيم القاعدة وما ينبغي لهؤلاء أن ييأسوا من ربهم سبحانه أن يغفر لهم ما إقترفوه في حق الأبرياء شرقا وغربا وما ينبغي لهم أن ييأسوا من أمتهم سيما بعدما خلعت أردية الذل والمهانة فثارت كالعواصف الهوجاء ضد المستبدين والطغاة.
أمريكا المتصهينة.
لم ألف ميزانا أصدق من ميزان القرآن الكريم. ذلك الكتاب الذي يتخذه أكثر المسلمين أجل. ويا للأسف الشديد كتاب بركة وليس فوق البركة شيء. ذلك الكتاب الذي لم يهتم بأمر الصلاة والصيام والزكاة والحج بمثل ما إهتم بالتاريخ قصصا ومثلا لنستل منه ما سماه في جلاء ووضوح : „ لقد كان في قصصهم عبرة”. ذلك الكتاب الذي يعلم الإنسان تعليم يفيد منه حتى غير المؤمنين والمسلمين فما بالك بهؤلاء فقه الحياة وأجل علم في فقه الحياة هو : علم السنن والأسباب. وأجل سنن وأسباب يعلمناها هي : سنن وأسباب نهضة الأمم وتقدم الحضارات ورقي الثقافات وغلبة المجتمعات وأضدادها أي سنن وأسباب تأخرها وإنحطاطها وإندكاكها وتدحرجها.
ذلك الميزان الإسلامي الصادق العادل يقول لنا أن أمريكا ستأفل بمثل ما أفلت القوة التي كانت تقتسم معها النفوذ فوق الأرض. أجل. قال لنا ذلك بكلمة لا تحتاج إلى ذكاء وقاد لفهم معناها. قال لنا وهو يقص قصة عاد :“ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة”.
إذا كان ذلك لا يعني في زماننا أفول أمريكا المتبرجة بقوتها بمثل ما أفل الدب الروسي الذي كانت نظريته الشيوعية في ذات عقود من عقود أواسط القرن الميلادي المنصرم دينا مدينا يخشع في محرابه الشيوعيون ويعتكف في عتباته الملحدون .. إذا كان ذلك لا يعني في زماننا أفول أمريكا فلا يملك المرء إلا أن يردد مع الكتاب العزيز : „ يا حسرة على العباد”.
ستأفل أمريكا لأسباب وسنن منها.
1 أمريكا التي أبادت الهنود الحمر لتحل محلهم في الأرض الأمريكية لا بد أن يطالها القانون ذاته الذي علت به. من السنن الإسلامية الماضية : كما تدين تدان. أي بمثل ما تسيء إلى غيرك يساء إليك جزاء وفاقا. ومن كانت ذاكرته صغيرة قصيرة فليقتن لنفسه حاسوبا ذا طاقة إستيعابية أكبر يتسنى له به تخزين التاريخ الماضي.
2 أمريكا التي قامت على حماية سلطات القهر والظلم والجور في كل مكان في الأرض على إمتداد عقود سيما أعدل قضية اليوم على الأرض أي قضية فلسطين التي قمعتها أمريكا بعشرات المرات مما سمي جورا حق النقض ( الفيتو ) .. أمريكا التي إحتضنت أكبر سفاح في العصر الحديث : الصهيونية وإسرائيل.. تلك هي ( عاد ) العصر التي لن تفلت من صيحة أو إغراق أو ريح أو غير ذلك مما أهلكت به الأمم السابقة لظلمها. لكنها صيحة من ضرب آخر أو صرصر من نوع آخر. لا تختلف سوى صور العقوبات أما النتيجة فهي واحدة. ذلك أمر يتم اليوم بالتدرج عاما من بعد عام ولكن عيون العقلاء فحسب هي التي ترصده وتحصيه.
من أعمق أرحام الثورات العربية المنداحة اليوم في ربيع الأمة لا يعدم المتأمل أن يستل عبرة كامنة مفادها أن الثائرين قبلتهم مواطن الإستبداد في بلدانهم ولكن في أفئدتهم أمرا آخر سيأتي زمانه. أمر قد لا تفصح عنه الحناجر الثائرة ولكن لسان الحال يفصح عنه. الثورة العربية المنداحة اليوم لن تتوقف بإذنه سبحانه طال الزمن أو قصر إلا عند تحرير فلسطين. وكلما تقدم مشروع التحرير الفلسطيني فوق الأرض عسكريا وفي السياسة والإعلام والتوازنات تدحرجت القوى الباغية الظالمة في الأرض وعلى رأسها طرا مطلقا : أمريكا.. تدحرجت خطوة إلى الوراء.
تركيا هي من كتبت لها الأقدار تدشين ذلك الفضل.
أجل. تركيا الإسلامية غير العربية. تركيا تلك الآية الإسلامية والمعجزة السننية. تركيا التي لو تحدث إنس أو جن فوق الأرض قبل نصف قرن فحسب عن تحولاتها الراهنة لصفد بالسلاسل وقبر في مشفيات الأمراض العقلية.تركيا هي التي تصنع الحدث الدولي المتعلق بأعرق وأخطر وأكبر قضية عربية إسلامية : فلسطين. تركيا التي لم تتردد في طرد السفير الصهيوني وتجميد العلاقات العسكرية. لا يعني ذلك سوى أن مكانة أمريكا ترغم في التراب. وتأخر أمريكا لا يعني سوى تأخر إسرائيل.
ثم تلتها مصر الكنانة أو مصر الثورة.
أجل. مصر تصنع الحدث والعزة عندما تطرد السفير الصهيوني وتهدم فوق رأسه سفارته الخائنة ومنزله الآثم. مصر الثورة وليست مصرا أخرى. مصر ثورة ربيع 2011 وليس مصر ثورة 23 يوليو 1952.
إذا كانت تلك الأحداث المتسارعة التي تكاد تصيب المرء بالدوار والدهشة وهي تحط يوما من بعد يوم من مكانة أمريكا .. إذا كان ذلك لا يعني أن دورة حضارية جديدة تتأسس بكل المعاني والمقاييس .. دورة حضارية عنوانها : العدل مكان الجور .. إذا كان ذلك لا يعني ذلك فلا مكان لمن لم يبصر ذلك سوى المشافي. لا. بل المقابر. هي أولى بهم وأحرى.
أتراهم لا يفهمون ذلك؟ لا.أبدا. الميزان الإسلامي يخبرنا عنهم فيقول : „ وجحدوا بها وإستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا”.
أمريكا هي دجال العصر الأعور.
ليس تأويلا للأحاديث التي تخبر عن ذلك. لا. ذلك تأويل فاسد. ولكنها كناية لحصول التشابه بين الدجال الأعور وبين أمريكا. كلاهما يعرض ملء الأرض ذهبا وفضة إغواء وإغراء بين يدي الإنسان الجائع الظامئ الخائف ليبيع دينه وعرضه ونفسه في أسواق النخاسة البائسة.وكلاهما يلفى من يتبعه. ثم يرد التحطيم على كليهما. أمريكا دجال لأنها تكذب كذبا يجر إلى الظلم الفاحش. أمريكا عوراء لأنها تزن


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.