ترى أوساط سياسية جزائرية أن استئناف البرلمان الجزائري أعماله -مطلع الشهر، في دورة الخريف- محطة مفصلية في تنفيذ إصلاحات وعد بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل ستة أشهر، وتتويج لمشاورات سياسية استمرت شهرا وطعن فيها بعض أهم أحزاب المعارضة.
ويناقش البرلمان مشاريع قوانين أهمها المتعلق بالانتخابات والأحزاب وترقية التمثيل النسوي، فيما أرجأ الرئيس مشروع قانون مراجعة الدستور إلى ما بعد انتخابات 2012. وتدعو حركة مجتمع السلم العضو في التحالف الحاكم إلى البدء في تنفيذ الإصلاحات بمباشرة تعديل أو مراجعة الدستور، فيما بدا محاولة للخروج من عباءة التبعية للسلطة. لكن بوتفليقة حسم الأمر عندما قرر إحالة مشروع التعديل على البرلمان الذي سينبثق عن انتخابات 2012. غير شرعي ويتردد أن بوتفليقة -الذي يقول إن الإصلاحات استجابةٌ لمقترحات صدرت عن معظم المشاركين في المشاورات- لا ينظر بعين الرضا إلى البرلمان الحالي، لذا قرر إحالة مشروع مراجعة الدستور إلى البرلمان القادم. ويرى رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي أن البرلمان الحالي "لا يتمتع بالشرعية حتى يناقش ويصادق على مشاريع كهذه"، لذا يطلب حل كل المجالس المنتخبة، وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، وتمرير مشاريع القوانين الحالية بمراسيم. ويرى الباحث السياسي رشيد قريم أنه كان يتعين مراجعة الدستور وهو القانون الأساسي الذي تكون بقية القوانين نتيجة له، معتبرا أن قرار بوتفليقة يثبت عدم رغبته في تغيير شامل يقود النظام إلى ثورة حقيقية. المعارضة تطعن في البرلمان الحالي الذي لم يشأ بوتفليقة أن يعرض عليه تعديل الدستور وبين أهم مشاريع القوانين ذلك الذي يرصد لمراقبة الانتخابات آليةً مزدوجة تضم قضاة وأفراد لجنة مستقلة، مما يفترض معه أن تنتهي "السمسرة بالتفويضات"، وتكون عضوية المجالس المنتخَبة مجانية غير قابلة للتعويض المالي. ويعول على مشروع القانون هذا في التصدي "للترحال السياسي" أي انتقال النواب والمنتخبين من قائمة إلى أخرى، وهو ما يعني رفض الاعتراف بأي عضوية سياسية جديدة لأي منتخب بديلة عن القائمة التي انتخب على أساسها. قانون الانتخابات ويرى حزب العمال أن أحكام مشروع القانون المتعلق بنظام الانتخابات "تقدم ديمقراطي هام فيما يخص مكافحة التزوير الانتخابي وشراء الذمم والترحال السياسي". لكن موسى تواتي يشكك في نية السلطات إجراء انتخاباتٍ شفافة لا يكفي لتتحقق توفرُ صندوق شفاف في غياب آلياتٍ لمنع التزوير، وتساءل عن عدم العمل ببطاقة الهوية الإلكترونية التي يُنهي استخدامها ازدواجية التصويت، لكنه أيد إنهاء "الترحال السياسي". أما مشروع القانون الذي يرصد للنساء ثلثَ مقاعد المجالس المنتخبة فتحفظت عليه أحزاب وانتقدته أخرى. فحزب العمال التروتسكي يراه "تمييزيا" و"مهينا" للمرأة. أما حركة مجتمع السلم فتحدثت عن تعقيدات في تجسيده محليا، ودعت إلى تطبيقه بالتدريج، فيما أبدت جبهة التحرير الوطني خشية من صعوبة تطبيقه في المجالس المحلية، خاصة البلديات النائية والمناطق المحافظة. وحذرت الجبهة الوطنية الجزائرية من جهتها من نظام الحصص الذي "يفتح المجال للفساد السياسي"، لأن "الحزب الذي لا يتوفر على مناضلين سيضطر لشراء ملفات مرشحات". الموالاة والمعارضة ورحبت على الإجمال أحزابُ الموالاة بإصلاحاتٍ تكرس -حسبها- المسار الديمقراطي، لكن أحزابا معارضة -كالتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية العلماني- يراها نتيجة لمشاورات سياسية قاطعتها الأحزاب ذات المصداقية، ويتهم النظام بالغطرسة وبرفض التداول على السلطة. ويجزم كثيرون بأن الإصلاحات ستبقى منقوصة ما لم يُفرَج عن قانونيْ الأحزاب والإعلام المنتظر صدورهما قبل نهاية الشهر، إضافة إلى مراجعة الدستور، وحينها يمكن الحكم كما يقولون على جدية النظام أو السلطة في ترسيخ ديمقراطية حقيقية من عدمها.