سنتحدث ٳن شاء الله عن صلاة المسافر و عن قصر الصلاة فى السفر و عن حكم قصر الصلاة فى السفر و مدة السفر التى يصح فيها القصر و الجمع بين الصلاتين تقديماً و تأخيراً و عن الصلاة فى السفينة و القطار و الطائرة و عن أدعية السفر و سنتحدث ٳن شاء الله عن صلاة الخوف و عن كيفيتها فى حالة الحرب .
فأما صلاة المسافر فالسماحة و اليسر من أصول شريعة الإسلام و من الأدلة على ذلك قوله تعالى : ( و ٳذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا فى الصلاة ٳن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ٳن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا ) سورة النساء / 106 .. قوله سبحانه : (و ٳذا ضربتم فى الأرض ) أى و ٳذا سافرتم فى جنبات الأرض .. أطلق الله سبحانه الضرب فى الأرض على السفر لأن المسافر يضرب برجله و براحلته على الأرض و المقصود من الأرض هو ما يشمل البر و البحر . السفر الذى تقصر فيه الصلاة هو الذى ينتقل الإنسان فيه من موطنه الأصلى ٳلى مكان آخر و المسافة بينهما تزيد على ثمانين كيلو مترا تقريبا .. المقصود بالموطن الأصلى هو المكان الذى ولد فيه الإنسان و قصد الإقامة فيه .. المقصود بموطن الإقامة هو المكان الذى ينوى الإنسان الإقامة به و قد تكون أياما أو أسابيع . شرعت صلاة القصر بالنسبة للمسافر فى السنة الرابعة من الهجرة .. يرى الأحناف أن قصر الصلاة فى السفر واجب على المسافر و عليه أن يصلى الرباعية ركعتين و لا يجوز له الزيادة عليهما و من أدلتهم ما جاء فى الصحيحين عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : خرجنا مع النبى صلى الله عليه و سلم من المدينة ٳلى مكة فكان يصلى ركعتين ركعتين أى فى الصلاة الرباعية أى الظهر و العصر و العشاء حتى رجعنا ٳلى المدينة " .. يرى المالكية أن قصر الصلاة فى حال السفر سنة مؤكدة .. يرى الشافعية و الحنابلة أن القصر فى الصلاة حال السفر رخصة و للمسافر أن يتم و يقصر كما له أن يصوم و يفطر ٳلا أنهم اتفقوا على أن القصر أفضل من الإتمام .. يبدو أن ما ذهب ٳليه الأحناف من أن القصر فى السفر واجب و ما ذهب ٳليه المالكية من أنه سنة مؤكدة هو القول الأرجح و ذلك لمواظبة النبى صلى الله عليه و سلم على القصر فى السفر و تبعه فى ذلك أصحابه .. فى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : صليت مع النبى صلى الله عليه و سلم بمِنى ركعتين و كذلك مع أبى بكر و عمر رضى الله عنهما و مع عثمان رضى الله عنه صدرا من ٳمارته ثم أتمها " أى أتم عثمان رضى الله عنه صلاة الظهر و العصر و العشاء أربعا و لم يقصر و قد اعتذر عثمان رضى الله عنه عن ذلك فقال : " أيها الناس لما قدمت مكة تأهلت بها أى تزوجت بها و قد سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " ٳذا تأهل رجل ببلد فليصل صلاة مقيم " .. يرى جمهور الفقهاء على أن المسافر لا يبدأ القصر فى الصلاة ٳلا بشروعه فى مغادرة المكان الذى سيسافر منه بدليل أن النبى صلى الله عليه و سلم كان لا يقصر فى الصلاة ٳلا بعد خروجه من المدينةالمنورة " و فى الصحيحين عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : " صليت الظهر مع النبى صلى الله عليه و سلم بالمدينة أربعا و بذى الحليفة ركعتين " و ذو الحليفة هو مكان خارج المدينة يُحرمُ منه أهل المدينة للحج و العمرة . يرى جمهور الفقهاء أن المسافر من بلده ٳلى مكان آخر و نوى الإقامة فى هذا البلد الآخر مدة أربعة أيام فانه يقصر الصلاة بأن يصلى الرباعية ثنائية .. أما ٳذا نوى الإقامة فى هذا البلد الآخر أكثر من ذلك فانه يؤدى الصلاة كاملة دون قصر .. يرى الأحناف أن المدة التى يجوز أن يقصر فيها الصلاة تبدأ من ثلاثة أيام ٳلى خمسة عشر يوما .. يرى الشافعية امتدادها ٳلى ثمانية عشر يوما فاذا نوى الإقامة فى البلد الذى سافر ٳليه أكثر من ذلك , أدى الصلاة كاملة . ٳذا اقتدى المسافر بالمقيم فى صلاة الظهر أو العصر أو العشاء فعلى المسافر أن يتبع المقيم فيؤدى الصلاة كاملة دون قصر لأنه ملزم بأن يتبع ٳمامه و لا يخالفه .. أما ٳذا اقتدى المقيم بالمسافر ففى هذه الحالة يصلى المسافر ركعتين فى الصلاة الرباعية ثم يسلم و يقول للمقيمين المصلين من خلفه : أتموا صلاتكم فانى على سفر و على المقيمين أن يتموا صلاتهم . جمهور الفقهاء أجاز للمسافر الجمع بين الظهر و العصر و بين المغرب و العشاء جمع تقديم بأن يصلى الظهر و العصر فى وقت الظهر أو جمع تأخير ٳذا صلى العصر فى وقت الظهر .. فى جميع الأحوال , على المصلى أن يلتزم الترتيب بين الفرائض بأن يصلى عند الجمع الظهر قبل العصر و المغرب قبل العشاء فقد قال تعالى : ( ٳن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ) سورة النساء / 103 .. جاء فى صحيح مسلم رحمه الله : " كان النبى صلى الله عليه و سلم ٳذا عجل به السفر أى ٳذا سافر قبل الزوال و استمر فى سفره , يؤخر الظهر ٳلى وقت العصر فيجمع بينهما أى فى وقت العصر مقدماً صلاة الظهر على صلاة العصر و يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها و بين العشاء " أى يصلى المغرب فى وقت العشاء ٳلا أنه يبدأ بصلاة المغرب .. يرى الأحناف أنه لا يجوز الجمع بين صلاتين فى السفر ٳلا فى عرفة و مزدلفة .. اتفق الجميع على الجمع بين الظهر و العصر فى عرفة جمع تقديم بأن يصلى الظهر و العصر فى وقت الظهر و الجمع بين المغرب و العشاء جمع تأخير فى المزدلفة فى وقت العشاء لأن هذا ما فعله الرسول صلى الله عليه و سلم فى حجته فى السنة العاشرة من الهجرة . من علامات المؤمن الصادق أنه يؤدى الصلاة متى حل وقتها و قد أجمع العلماء على صحة الصلاة فى السفينة و القطار و الطائرة و على المصلى أن يتحرى القبلة ثم يصلى حسبما تيسر له . وردت أحاديث كثيرة تتعلق بالخروج للسفر و الرجوع منه و هذه بعض الدعوات التى كان يقولها النبى صلى الله عليه و سلم فى هذا الشأن : يستحب لمن أراد السفر أن يودع أهله و معارفه و أن يطلب منهم الدعاء و أن يدعو هو لهم ففى الحديث الشريف أن النبى صلى الله عليه و سلم قال : " من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلف : " أستودعكم الله الذى لا تضيع ودائعه " .. دعا النبى صلى الله عليه و سلم لأحد أصحابه عند السفر فقال : " اللهم قرب له البعيد و هون عليه السفر " فاذا ما خرج المسافر من بيته قال : " اللهم أنت الصاحب فى السفر و الخليفة فى الأهل و المال و الولد . اللهم ٳنى أعوذ بك من وعثاء السفر و كآبة المنقلب و سوء المنظر فى الأهل و المال و الولد " / وعثاء السفر : مشاق السفر / كآبة المنقلب : الرجوع من السفر بحزن لأنه لم يوفق فى سفره / .. فاذا ما استوى المسافر على ما يركب عليه قال : " بسم الله . الحمد لله الذى سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و ٳنا ٳلى ربنا لمنقلبون . اللهم ٳنا نسألك فى سفرنا هذا البر و التقوى و من العمل ما ترضى " / و ما كنا له مقرنين : و ما كنا بقادرين على التصرف فى هذه المخلوقات لولا أن الله تعالى سخرها لنا / فاذا ما رجع من سفره قال : " آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون لا ٳله ٳلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل شئ قدير .. يستحب لمن قدم من سفر أن يقال له : " الحمد لله الذى سلمك و جمع بك الشمل " / آيبون : راجعون . و أما عن صلاة الخوف فقد أمرنا الله تعالى بالمحافظة على الصلاة فى حال الصحة و المرض و فى حال الإقامة و السفر و فى حال الأمن و الحرب و الإستعانة بها فى تفريج الكروب و فى غفران الذنوب و فى النصر على الأعداء و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم ٳذ يقول : " و جعلت قرة عينى فى الصلاة " . من الآيات القرآنية الكريمة التى وضحت للمسلمين كيف يؤدون الصلاة فى حالة قتالهم لمن بغى عليهم قوله تعالى : ( و ٳذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك و ليأخذوا أسلحتهم فاذا سجدوا فليكونوا من ورائكم و لتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك و ليأخذوا حذرهم و أسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم و أمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة و لا جناح عليكم ٳن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم و خذوا حذركم ٳن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) سورة النساء / 102 .. قسم أصحابك ٳلى قسمين : قسم منهم معك للصلاة و ليأخذوا سلاحهم معهم فاذا سجد هؤلاء فليكن القسم الآخر من أتباعك من خلفكم فى مواجهة أعدائكم لحراسة الذين يصلون معك حتى يتموا صلاتهم و يسلمون .. ٳذا أتمت الطائفة الأولى من أصحابك صلاتهم و انصرفوا , أتت الطائفة الثانية التى لم تبدأ الصلاة فليأتموا بك فى ركعتهم الأولى ثم يكملوا بأنفسهم ركعتهم الثانية و ليحذروا من عدوهم و ليأخذوا أسلحتهم معهم خلال صلاتهم .. ٳن الجاحدين لدين الله تعالى يتمنون أن تغفلوا عن أسلحتكم و أمتعتكم لكى ينقضوا عليكم و لكى يحملوا عليكم حملة واحدة للقضاء عليكم .. اعلموا أيها المؤمنون أنه لا حرج و لا ٳثم عليكم فى ترك أسلحتكم فى حالة المرض أو المطر الشديد مع أخذ الحذر و مداومة اليقظة من كيد أعدائكم و اعلموا أن الله عز و جل معكم بنصره و تأييده و قد أعد لمن أشرك به العذاب المهين . صلاة الخوف ثابتة فى عهد النبى صلى الله عليه و سلم و فى عهود أصحابه و أتباعه ففى سنن أبى داود و النسائى و ابن حبان عن ثعلبة بن زهدم قال : كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال : أيكم صلى مع رسول الله صلاة الخوف ؟ فقال حذيفة رضى الله عنه : أنا . ثم وصف ذلك له فصلوا كما وصف و كان ذلك بمحضر من الصحابة و لم ينكره أحد منهم و هم الذين لا تأخذهم فى الله لومة لائم و هذا يحل محل الإجماع " .. أقرب الكيفيات لصلاة الخوف : أن يقسم الإمام المصلين ٳلى قسمين : قسم يصلى معه و القسم الثانى يكون لحراسة القسم الأول و لمراقبة الأعداء و الاستعداد لصدهم ٳذا ما حاولوا مهاجمة المصلين .. قد جاء فى بعض الروايات أن النبى صلى الله عليه و سلم فى غزوة ذات الرقاع صلى بالمسلمين صلاة الخوف فجعل طائفة صلت معه و جعل طائفة فى وجه العدو فصلى بالتى معه ركعة ثم ثبت قائما و أتموا جالسا و أتموا لأنفسهم ثم سلم بهم " .
الإسلام دين يأمر أتباعه بأداء الصلاة حتى و لو كانوا فى ساحة المعركة و ذلك لأن الصلاة صلة بين العبد و ربه و ٳن الإسلام بجانب هذا الاهتمام بشأن الصلاة , يهتم أيضا بأن يأمر أتباعه باليقظة و ٳعداد العدة لإحباط مكر الأعداء و ردهم على أعقابهم خاسرين و أن لا يغفلوا عن حمل أسلحتهم حتى و لو كانوا قائمين للصلاة . و بهذا , نرى أن شريعة الإسلام تربى أتباعها تربية روحية و عقلية و بدنية من شأنها أن توصلهم متى حافظوا عليها ٳلى ما يعلى كلمتهم فى الدنيا و يرفع درجاتهم فى الآخرة .