عبادة التيمم من العبادات التى اختص الله تعالى بها رسوله محمد صلى الله عليه و سلم و أمته و لذلك سنتحدث عن تعريف التيمم و عن حكمه و دليل مشروعيته و عن حكمة مشروعيته و الأسباب المبيحة للتيمم و أركان التيمم .. فأما عن لفظ " التيمم " فى اللغة هو القصد و فى الشرع هو التوجه ٳلى التراب الطهور لمسح الوجه و اليدين بنية التقرب ٳلى الله لأداء الصلاة و ما يشبهها من العبادات و المقربات .. أما عن حكم التيمم فهو فرض على المسلم و المسلمة لأداء الصلاة و العبادات عند عدم الحصول على الماء أو عند العجز عن استعماله بسبب المرض أو غيره من الأسباب التى تمنع من استعمال الماء .. ثبتت مشروعية التيمم عن طريق القرآن الكريم و عن طريق السنة النبوية المطهرة فأما ثبوت التيمم عن طريق القرآن الكريم فنراه فى قوله تعالى : ( قلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم و أيديكم منه ) سورة المائدة / 6 / و أما عن ثبوت التيمم عن طريق الأحاديث النبوية الشريفة فمنها ما رواه أبو داود و غيره عن أبى ذر الغفارى رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه و سلم قال : " ٳن الصعيد الطيب وَضُوءُ المسلم و ٳن لم يجد الماء عشرَ سنين فاذا وجد الماء فليتطهر به فان ذلك خير " .. شرع الله تعالى التيمم عند عودة الرسول صلى الله عليه و سلم من غزوة بنى المصطلق و كانت فى السنة الخامسة أو السادسة من الهجرة ففى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فى بعض أسفاره حتى ٳذا كنا بالبيداء – و هو مكان قرب مكة – انقطع عقد لى فأقام رسول الله صلى الله عليه و سلم على التماسه و أقام الناس معه و ليسوا على ماء فأتى الناسُ ٳلى أبى بكر رضى الله عنه فقالوا : ألا ترى ٳلى ما صنعت ابنتُك عائشة ؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه و سلم و بالناس و ليس معهم ماء ؟ قالت عائشة رضى الله عنها فجاء أبو بكر و رسول الله صلى الله عليه و سلم واضعٌ رأسَهُ على فَخذِى و نام . فقال : حَبستِ رسول الله و الناس بسبب ضياع عقْدِك و ليسوا على ماء و ليس معهم ماء فعاتبنى و قال ما شاء الله أن يقول و جعل يَطْعنُ بيده فى خَاصِرتَى فلا يمنعنى من التحرك ٳلا مكان رسول الله صلى الله عليه و سلم على فخذى فنام رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله تعالى آية التيمم .. قال أُسَيْد بن الحُضَير – أحد زعماء الأنصار – جزاكِ الله خيراً – يا عائشة – فوالله ما نزلَ بك أمر تكرَهِينهُ ٳلا جعل الله لك و للمسلمين فيه خيراً .. من الحِكَم التى من أجلها شُرِع التيمم التيسيرُ على المكلفين و رفعُ الحرج و المشقة .. أما عن الأسباب المبيحة للتيمم فمنها فقدان الماء لأن الله تعالى قد يسر على عباده فقال : ( فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً ) سورة المائدة / 6 - و العجز عن استعمال الماء و ٳذا أصيب الإنسان بجراحة أو بمرض و لذك يجوز الاعتماد على الطبيب غير المسلم عند عدم وجود المسلم فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما قال : خرَجْنا فى سفر فأصاب رجلاً منا حجرٌ فشَجَّه فى رأسه ثم احتلَم فسأل أصحابه : هل تجدون لى رخصة فى التيمم ؟ فقالوا له : لا نجد لك رخصة و أنت تقدر على الماء فاغتسل الرجل فمات ! ! قال جابر رضى الله عنه فلمّا قَدِمْنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أُخْبِرَ بذلك فقال : " قتلوهُ قَتَلهُمِ الله , هلاَّ سألوا ٳذا لم يعلمُوا فانما شِفَاء العِىّ السؤال ٳنما كان يكفيه أن يتيمم و يَعصِبَ على جُرحِه خِرْقةً ثم يمسحَ عليها و يغسلَ سائر جسده " / شِفَاء العِىّ : شفاء الجهل السؤال – و أن يتيقن المكلف أنه لو استعمل الماء لأصابه ضرر شديد لشدة برودة الماء و ذلك سواء أكان محدثا حدثا أكبر أم أصغر و ذلك لقوله تعالى : ( و لا تقتلوا أنفسكم ٳن الله كان بكم رحيماً ) سورة النساء / 29 – و ٳذا كان الماء قريباً من الإنسان ٳلا أنه يخاف على نفسه ٳذا ما ذهب ٳليه لقوله تعالى : ( يريد الله أن يخفف عنكم و خُلِقَ الإنسانُ ضعيفاً ) سورة النساء / 28 – و احتياج الإنسان للماء لشربه و تيقن أنه لو استعمل الماء الذى معه فلن يجد غيره و ستتعرض حياته للخطر .. فى جميع الأحوال , يجب على كل مكلف عدم الإقدام على التيمم ٳلا بعد تيقنه من فقدان الماء أو أن ما معه من ماء هو فى حاجة شديدة ٳليه أو أن استعماله للماء سيتعرض للأخطار التى قد تؤدى ٳلى الموت .. أما عن أركان التيمم فمنها النية بأن ينوى الإنسان بقلبه الطهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر أو ينوى أداء الصلاة و نحوها من العبادات التى لا تصح بدون طهارة كالطواف و مس المصحف و غير ذلك من العبادات التى تشترط الطهارة لصحتها – و أن يكون التيمم بالصعيد الطهور الذى لم تمسه نجاسة لقوله تعالى : (فتيمموا صعيداً طيباً ) سورة المائدة / 6 – و مسح جميع الوجه و اليدين ٳلى المرفقين بضربتين : ٳحداهما للوجه و الأخرى لليدين مع المرفقين لقوله صلى الله عليه و سلم : " التيمم ضربتان " . المالكية قالوا أنه لا يصح التيمم لخروج الوقت ٳلا ٳذا كان استعماله للماء سيؤدى باليقين ٳلى خروج الوقت و الشافعية قالوا أنه لا يتيمم للخوف من خروج الوقت مع وجود الماء مطلقا لأنه يكون قد تيمم مع فقد شرط التيمم و هو وجود الماء و الحنابلة قالوا أنه لا يجوز التيمم لخوف فوات الوقت ٳلا فى حالة السفر و فى حالة تيقنه بأنه لو بحث عن الماء لفات الوقت . المراد من الصعيد الطهور : 1 – الشافعية قالوا أن المراد بالصعيد الطهور هو التراب الذى له غبار و منه الرمل ٳذا كان له غبار فان لم يكن له غبار فلا يصح التيمم به . 2 – الحنابلة قالوا أن المراد بالصعيد الطهور هو التراب الطهور فقط و أن يكون غير محترق لأن الاحتراق يخرجه عن أن يقع عليه اسم التراب . 3 – الحنفيه قالوا أن المراد بالصعيد الطهور هو كل ما كان من جنس الأرض فيجوز التيمم بالتراب و الرمل و الحصى . 4 – المالكية قالوا أن المراد بالصعيد الطهور هو كل ما صعد و ظهر من أجزاء الأرض فيشمل التراب و هو أفضل من غيره عند وجوده كما يشمل الرمل و الحجر . التيمم بَدلٌ من الوضوء و الغُسْل عند عدم وجود الماء و عند العجز عن استعماله و يباح بالتيمم ما يباح بالوضوء و الغسل من الصلاة و مس المصحف و غيرهما . و أما عن نواقض التيمم فاتفق الفقهاء على أن كل ما ينقض الوضوء ينقض التيمم لأن التيمم بَدلٌ من الوضوء و ينقض التيمم وجود الماء بالنسبة لمن افتقده و ينقض التيمم بالنسبة لمن أصبح قادراً على استعماله بعد أن كان عاجزا عن استعمال الماء بسبب المرض و ما يشبهه من أعذار .. فاذا وجد المكلف الماء و كان قادراً على استعماله وجب عليه الوضوء و للمكلف أن يصلى بالتيمم الواحد ما شاء من الفرائض و النوافل لأنه بدل عن الوضوء فيأخذ حكمه .