قرر الرئيس عباس الذهاب إلى الاممالمتحدة من أجل استصدار قرار بالاعتراف بالدولة الفلسطينية بحدود 1967 وعاصمتها القدس متحديا بذلك الادارة الأمريكية ولأول مرة منذ اعتلاء اوباما كرسي الرئاسة في البيت الأبيض، وهذا يجعلنا مجبورين على وضع القرار تحت المجهر حتى نتمكن من تشخيص المشهد الفلسطيني في الوقت الراهن الذي تشهد فيه المنطقة تحولات كبيرة على المستو ى السياسي والاستراتيجي، فعباس الذي خطى خطوات كبيرة في طريق المصالحة الفلسطينية نراه اليوم يقدم على قرار أحادي الجانب بتحييده الفصائل الفلسطينية وخصوصا حماس عن هذه المبادرة والتي تعتبر مصيرية في مستقبل القضية الفلسطينية. وهنا يتبادر الى ذهني السؤال التالي : تقديم هذا الطلب في هذا التوقيت هل يخدم القضية الفلسطينية ؟ إن فكرة إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة بلا شك يعد مطلبا فلسطينيا وعربيا بامتياز، لكن تحقيق ذلك على أرض الواقع يبدو شبه مستحيل خصوصا وأنّ التصويت بالأغلبية في الجمعية العامة لا يعني انضمام الدولة إلى الاممالمتحدة بصفة أوتوماتيكية بل يستوجب ذلك توصية مجلس الأمن وهنا يأتي دور الفيتو الأمريكي الذي طالما لعب دورا فاعلا في عرقلة قرارات مجلس الأمن ضد إرهاب الدولة الذي يمارسه الكيان الصهيوني ضد شعب فلسطين الأعزل، فما الجدوى اذن من الاصرار على انتزاع هذا الحق في هذا الوقت بالذات؟ سأحاول أن أكون في قراءتي لما يجري أكثر شيئا حيادا تُجاه هذه المساعي، فالحصول على اعتراف بدولة فلسطين يفضي إلى تدويل الصراع الفلسطيني وقوننته وهذا يسهّل ملاحقة ما يسمى "دولة اسرائيل" قانونيا في المحافل الدولية ومحكمة العدل الدولية، ولكن هل سبق وخضع هذا الكيان لأي عقوبة أو حصار أو حتى إدانة طيلة هذه العقود التي ارتكب فيها أبشع الجرائم والمجازر وهتك فيها الأرض والعرض؟ الاجابة طبعا لا، فهذا الكيان محكوم بقوانين موازين القوى والعلاقات الدولية، وتعويض السلطة الفلسطينية بدولة لن يغير كل هذه المعطيات بمجرد قيام الدولة وبالتالي لن نلمس تطورا في اتجاه دعم الحق الفلسطيني في دولة كاملة السيادة دون المساس بالحقوق الوطنية. ومهما كانت نتيجة هذه المساعي فان الشعب الفلسطيني سيكون هو الأخسر في اعتقادي، كيف لا وقد تفرّق الصف الفلسطيني من جديد بعدما أعلنت حماس أن هذه الخطوة جاءت بعيدة عن التوافق الوطني الفلسطيني وهذا ما يعني أن مسار المصالحة وصل إلى طريق مسدود، فحماس أبدا لن تتخلى عن المقاومة وأبدا لن تعترف بإسرائيل، واعلان دولة فلسطينية يعني بالضرورة اعترافا بدولة اسرائيلية على بقية الأراضي الفلسطينية بل وحرمان اللاجئين من جق العودة، ومن ثم تحويل القضية الى صراع على حدود بين دولتين، وهذا ما لا يمكن أن يتفق عليه الفرقاء. إذن الاشكال الحقيقي ليس في اعلان الدولة من دونه وإنما في الاسلوب والتوقيت، فقد كان حريا بالقيادات الفلسطينية أن تتجاوز الأساليب القديمة في المطالبة بدولة فلسطينية كاملة السيادة، فالإصرار على اعلان الدولة في هذا الوقت يأخذ شكل المساومة لا الاستحقاق باعتبار أنه لم يأتي ضمن استراتيجية وطنية توافقية ولا يمكن وصفه بأنه مطلب شعبي فلسطيني ، وإنما هو مطلب سلطة وجدت نفسها أمام إدارة أمريكية متنصلة من كل التزاماتها تجاه قضايا الاستيطان والمهجرين، وهذا المطلب بما يمثله من ضغط على المجتمع الدولي سيوسع مجال التفاوض مع الصهاينة ولن يجني منه الشعب الفلسطيني في اعتقادي سوى خطوة إلى الوراء. إن إقامة دولة فلسطين على الاراضي المغتصبة بيد الشعب نفسه، فبعد قيام الثورات العربية واسقاط الأنظمة الجائرة ، يأتي دور الشعب الفلسطيني الذي طالما لقن العرب دروسا في المقاومة والصمود، فلماذا لا يخرج هذا الشعب إلى الشوارع حاملا رايات المطالبة بحقه في أراضيه المغتصبة، معلنا بذلك العصيان والتمرد على كل الاتفاقيات السابقة والتي أصبحت كتابا منزلا عند حكامنا لا يحتمل الطعن أو التشكيك وهو الحل الذي لا يمكن أن يوقفه الفيتو الأمريكي كما من شأنه أن يحرج كل من وقف داعما للثورات العربية، ولعلّ الاستعدادات الاسرائيلية التي دعا إليها رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست شاوول موفاز باستدعاء قوات الاحتياط لمواجهة أي حراك شعبي إلا مؤشرا للتخوف الكبير الذي يعيشه الكيان الصهيوني من احتمال توجه الشعب الفلسطيني نحو الشوارع والمستوطنات، فقد بات هذا السيناريو مجديا بل ونتائجه تكاد تكون مضمونة خصوصا بعد انتصار بعض شعوب المنطقة على جلاديهم وآكلي لحومهم، ولذلك كان لزاما على هذا الشعب العظيم أن يضمن وحدة الصف الفلسطيني قبل الاقدام على هذه الخطوة المصيرية، فشعوبنا العربية انتصرت عندما توحدت مطالبها وتخلت عن خوفها، و حتى لا يسجل التاريخ نكسة جديدة قد تعود بنا إلى اتفاقية أتعس من أوسلو لا بد من الرجوع إلى الحوار الفلسطيني الفلسطيني من أجل الوصول إلى وفاق وطني واستراتيجية نضالية يحدد من خلالهما أوراق القوة التي تضمن حق تقرير المصير ولكم في اخوانكم ثوار الربيع العربي أسوة.
الدكتور لطفي السنوسي أستاذ جامعي عضو نقابة كتاب تونس