بدأت الحملة الانتخابية التي ستفرز مجلسا تأسيسيا مهمته الرئيسية انتخاب دستور جديد للبلاد، اقتربت الحملة وعين الشعب مصوبة عما ستفرزه النتائج...من سيمسك بزمام المجلس وتكون بيده الأغلبية، ويشكل حكومة عله يجد فيها ضالته وتحقق له ما فقده لعقود، ولو أنها ستكون وقتية، أو لنقل عين المجتمع ليس عن من سيمسك بمقاليد البلاد بعد أن يتولى المجلس تشكيل الحكومة، بل عن كيف ستحكم البلاد والفوضى تعمها من شمالها إلى جنوبها بفضل جذور من في "ظلهم لم نكتسب إلا الهلاك وحده". عرس ينتظره الشعب بفارغ الصبر ليتذوق كغيره من الشعوب الحرة طعم الإحساس بأن له إرادة ولا أحد له الحق في مصادرتها، طعم حرية الاختيار بعد أن ابتلي بزمرة صادرت حقوقه بكل أبعادها حتى الأساسية والضرورية منها، حتى أنه حين حلت"الدربكة" رأى أنه لا شيء يخشى فقده سوى قيوده وتقاعسه وخوفه، فكان منه أن أشعل الفتيل وراح يزرعه في كل حي وشارع وقرية ومدينة سعيا منه لتفجيره تحت أقدام من سلبوه كرامته وحريته لا بل إنسانيته....كان له ما كان... أفرز الوضع الجديد تنافسا وسباقا نحو التنظيم والتحزب والسعي كل من جانبه ومن موقعه لخدمة البلاد، نحسبه شريفا وصحيا رغم العدد الكبير للأحزاب والجمعيات والتنظيمات الحقوقية...نحسبه كذلك لما كانت عليه الأوضاع في عهد الدكتاتورية حيث وقع حرمان الكل من التعبير وحرية التجمع والتنظم أو التحزب حيث وقع شل الحياة السياسية للمجتمع المدني عبر القضاء على كل قوى الضغط من معارضة جادة أو مؤسسات اجتماعية ونقابات تحد من ظلم الظالمين، في المقابل وقع تكريس سياسة الحزب الواحد بقيادة الرجل الأوحد الذي ابتلع كل ما حوله.... فالتعطش للنشاط السياسي والتعبير عن الآراء عبر قنوات مختلفة كان هو الدافع أو السبب لهذا الكم الهائل من الأحزاب والجمعيات التي ليس أمامها إلا خيار التكتل والعمل المشترك من أجل المصلحة العليا للبلاد والابتعاد عن الحسابات السياسية الضيقة التي سئمها عموم الشعب... تنافسا أفرز هذه الأيام قوائم انتخابية لكل حزب لا تكاد تحصيها. وأنا أتصفح العديد منها، لا أراني مخطئة ، إن قلت أنها تظم نخبة لا بأس بها من كوادر المجتمع والراغبين في تقديم خدماتهم لبناء دولة جديدة تكون بحجم من حيث مهامها وتركيبتها وإخلاصها للشعب بحجم التضحيات التي دفعها شعبنا الأبي خلال هبته وثورته المجيدة لكنس حكومة أهدرت أعز ما يملكه الإنسان ألا وهو كرامته...تساءلت وأنا أشاهد أمامي الكم الهائل من الكوادر التي تملكها تونس، أين كنا وكيف تحملنا كل هذه السنين ونحن يحكمنا أجهل الناس، وأدناهم علما وثقافة، لا بل أدناهم أدبا وأخلاقا...والمصيبة أن أمرهم ينفذ ويقال عنهم ساسة. وليتم علينا وكنتم أفسد الناس، وكان من بيننا المصلح والمخلص والأمين. وما أكثرهم والحمد لله ومن كل أطياف المجتمع بكل توجهاته....وليتم علينا وكنتم أجهل الناس، تنصبون الفاعل وترفعون المفعول وكان من بيننا الأديب والفصيح والشاعر والخطيب، وليتم علينا وكنتم الخونة لقضايانا الداخلية والخارجية وكان من بيننا المناضلون والصامدون والمستعدون لفداء مكتسبات الأمة والوطن بالمال والنفس وأقول ما أكثرهم، بل كل شعبنا الأبي، فالذي كنس الطاغية الذي حكم بالحديد والنار ليس له أن يساوم أو يهادن من أجل مال أو جاه أو سلطان يصيبه... وليتم علينا وكنتم من صنف العميان، بصرا وبصيرة، فلا لامست صرخة الشباب الجائع والبطال والمهان مسامعكم ولا فتحت بصائركم عن حقائق الأزمة وما يعانيه هؤلاء، إلى أن انفجرت كالقنبلة الحارقة والمدمرة في وجوهكم...ولا صرخة الفقراء ومن سلبتم أرزاقهم، ولا أنات المرضى في مستشفيات أقل ما يقال فيها أنها لا تصلح حتى لصنف الحيوان...ولا أنات المساجين الإسلاميين وغيرهم، دموع أبناءهم وأمهاتهم وزوجاتهم ووو.... وليتم علينا ولستم بخيرمنا....اليوم نتولى أمورنا بأيدينا لما لا، ونحن أجدر منكم، نحن من عاش وسط المجتمع، نحن من عايش همومه، بل نحن من صلب هذا الشعب عشنا الفقر ونعرف عواقبه وشدته على النفس، الذي عاش الهم والغم لن يتنكر للمهمومين والمحرومين...نحن أجدر منكم وقد ربينا على "لقمة حلال أثقل من الجبال" (تعلمت هذا المثل منذ صغري وكانت أمي المجاهدة رحمها الله تلقيه باستمرار على مسامعي أبي وهو المسئول عن توفير رزقنا )والذي ظل على ما ربي عليه ولم تنحرف فطرته لا وألف أن يضع يده على حق غيره.... وليتم علينا ودمرتم البلاد، دمرتم البلاد على جميع المستويات بشهادة الخبراء في كل المجالات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والتنموية...أتركوا أحرار البلاد يبنون ويشيدون ما هدمتم...وليتم علينا ولم ننتخبكم ولم نختركم نصبتم أنفسكم ولم ينصبكم أحد، فاتركوا الشعب ينصب من يريد، ينصب من يحقق له الخبز والعيش الكريم، اتركوا الشعب ينتخب من يريد ولا تفسدوا عليه عرسه، لا تحرموه فرصة وفرها لنفسه بعرقه وجهده وكفاحه ودم شهدائه وليست منة من أحد، فرصة حلم بها من زمان، اليوم بين يديه فلا تسلبوها إياه بعنترياتكم وبغضكم وحقدكم، أنتم زرعتم واليوم تجنون الشوك فلا تحملوا غيركم ما اقترفته أيديكم الآثمة... دعوا الشعب ينهي عرسه وتأكدوا أنه بمرور الوقت ستكتشفون أنه في صالحكم والعرس أيضا هو عرسكم لان هذا العرس هو يصب في المصلحة العليا للبلاد التي أنتم مواطنون فيها، دعوا الشعب ينتخب وبشفافية وحرية وما تفرزه الصناديق كان من كان تأكدوا أنه في صالح الجميع، لأنه "لا تجتمع أمتي على ضلالة"... أستودعكم أمانة الرحمان
مفيدة حمدي عبدولي مرشحة حركة النهضة عن قائمة فرنسا