خلف ما تشهده المنطقة العربية من لحظات حرجة في مكنونها وتاريخية في منعطفها ، كان هناك فيلق من جنود مجهولين ، زرعوا في صمت بذور الحرية عقودا من الزمان حتى تفتحت براعمها وآن وقت قطاف ثمارها فيما يعرف بالربيع العربي .
هؤلاء الجنود هم أناس اتخذوا من العواصم الأوروبية مقرات لهم، مكرهين لا مخيرين ولاسيما أن من حكم بقبضة الحديد والجمر بلادهم داب على تهجيرهم في مشهد أشبه بالتطهير العرقي مع فارق بسيط هو أن التطهير كان فكريا وايدلوجيا ، فمن كان يقول يعاقب بالقتل والسجن الأبدي ، ومنهم من حالفه الحظ واستطاع النجاة مضطرا إلى أوروبا ، ومنها بدأوا التحرك الحثيث وطويل الأمد من أجل نقل الحقيقة المرة التي يعيشها المواطن العربي المقهور إلى بلدان رفعوا شعارات الديموقراطية والحرية والسيادة للشعب والمساواة في الحقوق والواجبات . وعلى الرغم من شبكة المخابرات العربية التي تعمل على قدم وساق لوأد كل صوت في الخارج قبل الداخل يمكن له أن يزعزع الاستقرار الوهمي لهذه الأنظمة التوتاليتارية الفاسدة ، لم يأخذ الخوف من هؤلاء الجنود اي مأخذ ، بل على النقيض ، نجحوا في إراقة مضجع الأنظمة الفاسدة بعد أن أخذ كل جندي منهم موقعه ، فتوزعت أدوارهم بين نشطاء سلام وحقوقيين في مجال حقوق الإنسان وكتاب يوثقون كل دليل على أن نهج حكام بلادهم يخالف الشريعة الإسلامية والمواثيق الدولية وحتى مبادئ التنوير العلمانية .
أحد هؤلاء الجنود هو أنور الغربي ، شخص حلم بوطن عربي نظيف بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، فعمد إلى تأسيس جمعية الحقوق للجميع ومقرها جنيف ، وجعل منها بوقا في وجه الظلم ، ليس بدءا من ظلم الكيان " الإسرائيلي " للفلسطينيين ، مرورا بحصار غزة وحقوق المواطنة المنزوعة من الشعوب العربية ، وليس انتهاء بتقديم ملفات ضد حكام عرب وهم لا يزالون على مقاعدهم ، من مثل زين العابدين ومبارك وصالح ، وتمكن من الحصول على إدانة دولية ضدهم في تهم ترقى إلى جرائم حرب وإبادة ، بالإضافة إلى جهوده في تجميد أموال المخلوعين في البنوك السويسرية ، وحاليا يعمل على طرح مشروع بؤر حقوقية داخل الدول العربية الثائرة ، ترفع من مستوى عمل مؤسسات المجتمع المدني وتنشر وعي المواطنة بين طبقات الشعب الواحد . الأستاذ أنور الغربي ، والذي أصبح بفضل جهوده في مجال حقوق الإنسان بوصلة لكل صحفي يهتدي بها وقتما كان موضوع التقرير متعلقا بحقوق الإنسان والشعوب ، اثار على ما يبدوا غضب البعض ، لكن الغريب في الأمر أن " البعض "الذي أغضبه نشاط الغربي يعيشون وسط ربيع الثورات متخفيين في أثواب أحرار يساندون الثورة .
هذا اقل ما يمكن قوله وذلك على عقب ما تعرض له الحقوقي يوم السبت الماضي 16 – 10-2011 ، حين وصل إلى مطار القاهرة الدولي ملبيا دعوة الشيخ " صفوت حجازي " رئيس مجلس أمناء الثورة المصرية ، وذلك لوضع ترتيبات تجهيز أحد قوافل كسر الحصار على غزة .
وكان متوقعا وبعد الدور الذي لعبه أنور الغربي في دعم ثورة الشعب المصري سواء من خلال ملف مبارك الأمني أو ملف الفساد المالي الذي صعده إلى المحافل الحقوقية الدولية أن يستقبل الغربي في المطار استقبال الأبطال، أو على الأقل أن يقول له أحدهم شكرا لك على وقفتك معنا ضد مبارك وهو في ذروة طغيانه . بيد أن ما حدث كان مخالفا للتوقعات ، بل إنه إهانة بكل المقاييس ، حيث فوجئ أنور الغربي و فور التأكد من هويته بمصادرة جواز سفره السويسري وتم نقله إلى مكان انفرادي داخل مبنى المطار لمدة تزيد عن ساعتين ، تخللتها أسئلة مكررة طرحها عليه كل من هب ودهب من أمن المطار حول معلوماته الشخصية رغم أن جوازه لديهم و فيه كل ما يطلبون ، كما أن أنور الغربي شخصية ليست مجهولة واسمه حاضر في الإعلام العربي وفي مصر ، ناهيك على أن الشيخ صفوت حجازي أعلم الأمن الوطني والجهات المختصة بأسماء الناشطون في مجال حقوق الإنسان والذين على وشك الوصول إلى مطار القاهرة من أجل قافلة كسر الحصار على غزة، لكل هذه الأسباب مجتمع وفي ظل التوقيف غير المبرر وبعد مرور ساعتين دون مخاطبته عن سبب هذه المعاملة الغير قانونية ، لهذه السباب شعر الحقوقي ببطلان هذا التوقيف ، وقرر تصعيد الأمر واعتلى منصة ترتفع فوق الأرض وقام بإلقاء خطاب على الأجهزة الأمنية في المطار يحذرهم فيه من عقبات هذا الإجراء غير القانوني ، ويعرف جمهور المسافرين عن شخصه وعن أن من يقف وراء منعه من دخول مصر أحد ما أساءه عمل الجمعيات الحقوقية السويسرية فيما يتعلق بجرائم مبارك وحاشيته وملفات الفساد والأموال المجمدة .وصاحب تصعيده هذا اتصالات هاتفيه بالسفارة السويسرية في القاهرة و بوزارة الخارجية السويسرية.
ردا على هذا التصعيد العلني من قبل الغربي ، لم تجد الأجهزة الأمنية مخرجا من مأزقها سوى أن أطلقت سراحه . ولكن إهانة شخص كأنور الغربي ، بوق الحق وأحد أذرع الشعوب العربية في الخارج ، دفع بالشيخ صفوت حجازي إلى رفع ملابسات الحادثة إلى الجهات العليا في وزارة الداخلية ، التي عقدت اجتماعا مع الشيخ وضيفه الغربي وتم تقديم الاعتذار لهم ولكن لم يتم شرح أسباب ما وقع له من إساءة في مطار القاهرة ، هذا المطار الذي شاءت الصدف أن يتعرف فيه أنور الغربي على حالتين لمسنين فلسطينيين تخطيا سن الستين و مقعدين على كرسين متحركين ، علم من خلال شاهد عيان أنهما يقبعان في مطار القاهرة منذ عدة ايام .
وهنا تطرح التساؤلات نفسها ، هل اصبح مطار القاهرة سجنا آخرا ؟ وهل مازالت الممارسات السابقة بحق الفلسطينيين العابرين من وإلى المطار تمارس عليهم ؟ ألم يكفينا نظام مبارك الذي مارس على ألوف الفلسطينيين التعذيب الجسدي والنفسي لمدة ايام واسابيع في مطار القاهرة لمجرد أنهم فلسطينيون ؟ والكثير منهم قد تم تعرضه للتعذيب الجسدي والنفسي اثناء سفره عبر هذا المطار وقد كانوا على أمل أن يدخلوها بسلام آمنين ؟ وهل أصبح إلى جانب تهمة الفلسطيني تهمة هي أن تكون ناشطا متضامنا مع الشعوب العربية والقضية الفلسطينية ؟من له مصلحة في ما حدث للحقوقي أنور الغربي ومن وراءه ؟ ولمصلحة من ما يحدث للمسافرين الفلسطينيين في مطار القاهرة ؟.. وربما سألنا سؤالا أصبح تقليديا ومكرر خلال الأشهر الأخيرة ولكن سيظل يتكرر إلى أن يجد الناس إجابة عليه ، ألا وهو : ما هو حقيقة ما يحدث في أرض الكنانة الآن ؟ ومن هو الذي يحكم مصر العروبة بعد ثورة 25 يناير؟