بسم الله الرحمان الرحيم المرسل: مواطن مهاجر يُحبّ وطنه المرسل إليه : السيّد القنصل العام بمدينة نيس المرسل إليهم للإعلام: وزارة الخارجية التّونسية والسيّد سفير تونس بباريس، المرسل إليهم للتّحذير: جميع السّادة القناصل العامّين بكامل فرنسا وباقي العالم، الّذين مَا ينْبغي أن يُرْسَلوا إلاّ ليكونوا خُدّاما بكلّ ما تحْمل كلمة خادم من معاني اللّين والأدب والتّفاني عند حاجة كلّ تونسي مَهْما كانت مشاربه واتّجاهاته. الموضوع: شكوى منكم على مرأى ومسمع كلّ العالم... أفلا يتدبّرون ! سيّدي القنصل: بدْءًا علمتُ من موقع القنصلية الإلكتروني أنّكم استلمْتُم مهامّكم بمدينة نيس منذ شهر فقط لذلك فأنّني أكتبُ لكم وأنا مُتفائل بأنّكم لن تكونوا إلاّ من الجيل الجديد من المسئولين الّذي نحتاجه في هذه المرحلة لتونس الثّورة والله أعلم! فتونس الّتي أجْرت عملية جراحية لنزع السّرطان تَلزمُها نقاهةٌ و عنايةٌ تحت نظر رجال ونساء مخلصين لتقِفَ على قدميْها من جديد. اخترْتُ أن أخاطِبكم على صفحة "الحوار نات" المقروءة بإقبال كبير في تونس بالخصوص لأنّ المشكل الّذي سأطْرحُه على سيادتكم هو من قبيل المشاكل الّتي تعْترض التّونسيين يوميا مع إدارتهم، فإليكُم القضيّة: عومِلتُ معاملة سيّئة من طرف موظف بإدارتكم فذكّرني بما كنّا نلقاه نحن المُهاجرُون من هذه الطّواقم زمن الكلاب المسعُورة التي كانت تنْهشُنا وتُعَضْعِضُنا كلّما لقيتْنا، لأنّنا نَكِرات! فلذلك سيكون ما أكتبه مزيجا بين رسالةٍ رسمية إلى مسؤول رسْمي، وخواطر كاتب مُدوّنٍ مثقّف يحمل همّ أمّته. التّفاصيل: اتّصلْتُ منذ أسبوعين بمكاتبكم بالقنصلية التّونسية بمحافظة نيس للحصول على مضمون وفاة لمرحوم تونسي قَضَى في نيس منذ سنة، تحتاجه أختي بتونس الّتي هي أرْملتُه لكي تتمكّن من الزّواج من جديد فوَعدني الموظّف بأن تصلني الوثيقة في ظرف أرْبعة أيّام على أقْصى تقدير في "ليون" لكي أرسلَه بدوري إلى شقيقتي، وانتظرتُ أسْبوعا ولم تصل الوثيقة فهاتَفْتُ المسؤول وهنا سمعتُ ما أكره وما يكره كل تونسي ذو كرامة. سيدي، أقف هنا مستطردا، لأعلمكم أن نفس الوثيقة طلبتُها من الإدارة الفرنسية (بلدية نيس) لأنّ المرحوم كان مزدوج الجنسية، فحصلتُ عليها في ثلاثة أيام واتّصلوا بي هاتفيا مُتابعَةً وحرْصا.. إنّنا لا نريد أن نقْتدي بهم في هذا التحضّر.. وإنّما في تحضّر آخر تعلمونه وأعلَمُه ويعلمه الجميع! لكن الإدارة في تونس تُريد وثيقة الوفاة من القُنصُلية التونسية فوجدتّني مُجْبرا على التماسها من هذه الأخيرة. أعترفُ هنا أنّ في الموضوع إشكال إداري حيث أنّ المرْحوم لمّا كان حيّا طلّقَ زوجةً فرنسيةً فيما مضى أمام محكمة تونسية مكّنَهُ إثر ذلك ضابط الحالة المدنية التونسية من مضمون ولادة فيه وضعية مطلّق قبل أن يتزوّج شقيقتي، ولم يقبل القضاء الفرنسي الطّلاق بدعوى أنّه لا ينبغي أن تَبُتّ فيه محكمة غير فرنسية. القضية الآن يا سيّدي القنصل هي: أن الموظّف رفض مدّنا بشهادة وفاة للمرحوم أصْلا، فارْتكب أوّلا هفوة مهنية دلّت على جهله الإداري وكان عذرُه تباين القضاء الفرنسي مع نظيره التّونسي والّذي عطّل إلتحاق أختي بزوجها بفرنسا لمّا كان حيّا وكان ينبغي لهذا الإشكال أن يقف عند هذا الحدّ. لكن، الموظف البائس أراد أن يزيد في مُعاناة أختي ويحْرمها من مضمون وفاة لزوجها الّذي يعترف القضاء التّونسي كما أسلفْتُ وإدارة الحالة المدنية بأنّه كان فعلا زوجها وهي الآن أرْملته ووقف متعاطفا إلى جانب القضاء والإدارة الفرنسيين. ومحاورةً بالهاتف حاولتُ أن أخرِجَهُ من العُقم الّذي يُعانيه فِقْهُهُ القانوني وتفكيرُه الإداري فقلتُ له: أعِنْدَكم في دفاتركم أنّ فُلان الفولاني كان يعيش في محافظة نيس عندكم؟ قال نعمْ. فقلتُ: وأنّه قَضَى نحْبَهُ ورُحّلَتْ جثّتُه إلى تونس ودُفنتْ؟ فأجاب نعمْ أيضا ! فقلت مُدُّونا إذَنْ بشهادة وفاة لمن يهمّه الأمر، ولك إن شئتَ أنْ تعْمل كموظف تونسي في إدارة تونسية بموجب القانون التّونسي وتأخذ بحكم القضاء،و سجلّ الحالة المدنية التّونسيين، فترسم على الوثيقة أنّ أرملتَه هي التُّونسية، وإن شئتَ أن تنحاز إلى حكم القضاء و سِجِلّ الحالة المدنية الفرنْسيين وتصرّح أنّ أرملتَه هي المرأة الفرنسية فافعل، المُهمّ أن نحصُل على شهادة الوفاة ؟ ففَكَّرَ الموظّف وَقَدَّرَ ... ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ... فقال لا أعْطي تلك الوثيقة حتّى تعطوني موثقا يثبتُ أنّ أرملته فُولانة وليست فلتانة! والغريب أنّه لم يُرجِع حتّى الأمرَ إلى من هو أعلى منه مسؤولية وخير منه فهْمًا للقضية. ثانيا والأشنع من ذلك يا سيّدي قنصل تونس في نيس، ويا وزارة الخارجية ويا أيها النّاس، أنّ هذا الموظّف ما استقبلني بما يكفي ويجب من احترام وتفهّم، بل كان يرفع صوته عليّ ويخاطبني بعجرفة ويُسمعني العبارات الّتي طالما اعتدنا عليها وساهَمتْ في تخزين النّقمة على الإدارة التونسية الّتي عرفناها إلى حدّ قريب إدارةَ موت حضاري وجمود. ظللتُ لنصْف ساعة أقول له أعْطني شيئا من الوقت يا سيّدي لكي أبسط لك الموضوع وهو يقول لي بالحرف الواحد: (ما نفْهمكْش) أيْ لا أفهمك وكم كرّرها من مرّة هذا الإداري البائس، وأقْسمُ أنّني لم اسْمعها من موظف فرنسي أبدا ! وعندما أسْترسلُ في تفصيل الإشكال يقول لي ( هذا كلام زائد أو فارغ) أو شيئا مُرادفا لهذا نسيتُه... وهنا أتساءل إذا كان هذا الموظّف لا يفْهمُني ولا يريد أن يسْمعني فلمَاذا هو هنا وعلى أيّ أساس اختاروه؟ وفي النّهاية طلبتُ منه إسمَهُ فما أفصح عنه إلاّ بعد عناء. سيّدي القنصل، إن كنتَ فعلا جديدا في هذه الخطّة ولم تشغلها من قبل فلا يخْفى عليك على كلّ حال ما كانت تفْعله قنصليات بن علي المخلوع فينا هنا في المهجر، لأنّ هذا الحادث يثير الاشمئزاز ويذكّر بماض أسود. إن القنصليات الّتي كانت مراكز أمنية متقدّمة لعصابات النّهب القذرة وميليشيات التّجمّع الخونة آن لها الأوان أن تنفُض يديْها وتستحْيي ممّا كانت تفعله من عقوق وقذارة، وإن كان قدرنا أن نظلّ نرى الأشخاص أنفسهم، فليُغيّر هؤلاء ما بأنفسهم وعقولهم. ما كانت إلاّ أوكارَ مخابرات لأزلام قذرون يراقبون المهاجرين أمام سكناهم ويقعدون لهم كلّ مرصد في محلاّت المواد الغذائية في الحيّ و في مكاتب الأسفار وغيرها، أنا شخصيا عانيتُ من مضايقاتهم مع أنّني كنتُ أتفاداهم.. ربّما أقضّ مضجَعَهم أنّني نشطٌ أحاضر في المساجد وألقّن اللغة العربية لأطفال الجالية. فهل يا ترى أنا إرهابي؟ هنا في "ليون" زائد عن عملي، أتدرّب في نادي طيران وأحلّق بطائرة "سيسنا172 " في سماء ليُون بحرّية، ولو كنتُ إرْهابيا ما تسنّى لي ذلك، ولم تضايقني مخابرات فرنسا، و لكنّني في وطني عندما يحلّ ركبي زائرا، أكاد ألْبَسُ كما يقول التّوانسة " فوْق جلدي جلْدَ بْهِيمْ (حمار)" لأواجه به عنفا محتملا من طرف البوليس السّياسي بفضل مراقبات القنصلية وأكاذيبها. سيّدي القنصل، أمّا أنا، فقد كنتُ أرى في موظّفكم علَمَ تونس العزيز فلم أتجاوز حدود الأدب معه، لكن لمّا امتنعوا عن تمكيني من مكالمتكم اتّصلت بوزارة الخارجية بالوطن تحت وطأة الإحساس بالإهانة، فطلب مسؤول سامٍ منّي أن أكتب إليهم بكلّ ما حدث، لكن بعد أن عدتُّ إلى هدوئي هاهي القضية أمامكُم وعنواني عند "الحوار نات" فما أنتم فاعلون إزاء هذا الموظّف بقسم الحالة المدنية عندكُم الّذي أمتنعُ عن نشر إسمه هنا فأنا لَسْتُ فظّاحا، لكنّكم تستطيعون معرفته و أسألكم في النّهاية وعلى رؤوس الأشْهاد هل ستتغيّر عقول إدارييكم نحو الأفضل؟ أقول لسيادتكم في نهاية القِسم الرّسمي من الرّسالة تقبّلوا سيدي فائق الإحترام... وأقول في القسم الثّاني لقرّاء "الحوار نات" إلى لقاء قادم إن شاء الله. مخلوف بريكي فرنسا