البداية كانت في 17 ديسمبر 2010, كانت بداية ملتهبة, أحرق الشاب نفسه احتجاجا على سوء الوضع الاقتصادي و الاجتماعي الذي يعيشه هو و معظم أبناء بلده, و سرعان ما امتدت نار الاحتجاج تلك كالنار في الهشيم و ماهي الاّ ايام حتى رُفع الشعار " حرّيات حرّيات لا رئاسة مدى الحياة" حينها كان المنعرج و صار المطلب السياسي في المقدمة و ظلّ في المقدّمة عند اعتصام القصبة 1 و 2 أين نادت الاصوات " مجلس تأسيسي واجب" بأعلى صوت. و قعت الاستجابة للعديد من المطالب و كان أهمها المجلس التأسيسي و حُدّد فيما بعد تاريخ الانتخاب ليكون يوم 23 أكتوبر 2011, مجلس تأسيسي له دور مفصلي في رسم ملامح الدولة المستقبلية. من وجهة نظر المواطن البسيط, يعتبر هذا المجلس نقطة الانطلاق لتلبية جملة من المطالب فيها العاجل و الآجل. فالتونسيون لهم العديد من المؤاخذات على أداء حكومة السبسي بل هي أصلا كانت محسوبة على تيار الالتفاف حيث أنه لم تقع أي محاسبة جدية ضد كل من أجرم في حق الشعب سوى كان ذلك أيام الثورة أو قبلها, و سوى كانت الجرائم دموية او مالية او معنوية, بل على النقيض من ذلك كانت الحكومة مستهترة بدم الشهداء غير مبالية بحالاتهم الصحية و لا بكرامتهم و حقهم في القصاص. و غير جادة في استرداد الاموال المنهوبة و محاكمة سارقيها, و امام هذا التقاعس فان هذه المطالب تمثل اليوم اولوية قصوى لدى التونسيين إضافة الى مطلب التشغيل الذي قد يعتبر مقياس نجاعة و نجاح الحكومة المنبثقة عن المجاس التأسيسي, ثمّ ان من أهم المطالب و التي قد تأخذ وقتا في التنفيذ هي تطهير المؤسسات من الفساد الاداري و على رأس هذه المؤسسات هي وزارة الداخلية التي باتت تعرف في تونس باسم " الوزارة الارهابية " ثم مؤسسة القضاء التي تعاني من تسييس و تبعية تدعو للخجل, و المؤسسة الاعلامية التي ملّ التونسي خطابها الخشبي الموالي للسلطة التي يديرها الجهاز الامني و تأتمر بأمر الحكومة, فهو اليوم يريد اعلاما حرّا و سلطة رابعة و طابورا خامسا, و المتابع للإعلام التونسي ليلة 24 اكتوبر يلاحظ تغيرا في لهجة خطابه خاصة في الاذاعات و بدأت تستميل في رضاء من بانت له الغلبة في الانتخابات و هذا يبرهن على عدم قدرة هذا الاعلام على ان يكون شخصيته المستقلة و كانه تعوّد دائما ان لا يكون الاّ تايعا بوقا لا فاعلا مؤثرا مستقلاّ. كما أن المواطن يطالب بأن لا تحول المطالب الحزبية الضيّقة دون التوافق على المصالح العامة للبلاد. أمّا من وجهة نظر الاطراف السياسية داخل المجلس التأسيسي فهذه تعتبر فرصة تاريخية امامها لتُبرهن عن صدق برامجها و وعودها خاصة و أن الانتخابات التشريعية و الرئاسية لن تكون بعيدة, كما انها تعتبر تجربة أولى و فرصة و امتحانا صعبا للإسلاميين الذين باتت الغلبة لهم واضحة في انتظار النتائج النهائية, حيث أن التيار الاسلامي يعتبر أكثر الرابحين في هذه المعركة فهو تعرّض لاعتي انواع القمع و التشويه و لكنه صمد و صبر و كسب ثقة الناخب أولا بقوة برنامجه ثمّ بحنكته السياسية و قدرته على الاقناع و بالتالي فهذا يعتبر امتحانا لهم خاصة و ان أغلبية الاصوات منحته الثقة, امتحان على مستوى الايفاء بالوعود و أيضا امتحان على مستوى ادارة الصراع السياسي داخل قاعة التأسيسي. و ربما تتعدى نتائج هذا الامتحان في مرحلتيه الانتخابية و التأسيسية, القطر التونسي لتضفي بظلالها على بقية الاقطار العربية الاخرى و خاصة مصر. كما اننا اليوم لابدّ لنا أن نعترف بالجميل كلّنا للشهداء الذين ضحّوا بربيع عمرهم في سبيل ان ننتخب من يمثلنا و يحقق مطلبنا و نمارس وطنتينا و لابدّ من الحكومة المقبلة أن لا تنسى هؤلاء و تحاسب قاتليهم و توفيهم حقوقهم فهم تاج على رؤوسنا. و يبقى نجاح المجلس التأسيسي مرهونا في مدى استجابته لتطلعات التونسيين و مطالبهم و الأهم في تونس اليوم أن الشعب يقود نفسه و المحكمة و الفيصل هو الشارع و لا مجال للالتفاف و ما عادت الفزاعات الامنية ترهب الشباب و ما عادت القبضة الامنية تردعه أو تثنيه عن عزمه كيف لا و قد ألِف غاز البوليس و عصاه حتى اياما قبل الانتخابات. فالشارع اليوم هو المحكمة و الشعب الحكم. نعم انتخبناكم ولكن سنظلّ نراقبكم و ننقدكم. ---------------------- صابر المحمودي – مهندس -- فرنسا