نورالدين الغيلوفي ألم نقل لكم: الشعب يريد؟ قلتم وقتها: آمين... صدّقنا تأمينكم وتركنا لكم حق الكلام على لسان الشعب... وجاءت أسراب النمل الحداثويّ... هرولت وجوه الكساد والفساد باتجاه الثورة تتخذها مساحيق تخفي قبح الفعال... حتى البوليس السياسي وتوابعه من مخبري الثقافة والإعلام ممن لم تكن لهم وظيفة سوى عدّ أنفاس الناس على اليمين واليسار طمعا في لعق بقايا الأواني... حتّى أولئك لم يكن لهم من الخجل ما يهديهم سبيل الاختفاء... حرصا على الأمل ومخافة تدنيس الحلم وتشويه ثورة الشعب المعلّم كان يمكن أن تحتجب العناكب حتّى لا تترك للغثيان في المشهود أثرا... ولكنّهم جاؤوا... من جحور الغدر جاؤوا ينسلون ليمارسوا وصايتهم على شعب صار عَلَمًا في رأسه أيقونة... "الشعب يريد"... ولمّا لم تكن تلك الأسرابُ فحصت حجمها قبل هجمتها فقد تحولت إلى كائناتٍ "صُوَرْ صَوْتِيَّةٍ" يملأ الفضاءَ زعيقها ونعيقها ونعيبها ونهيقها... وشهيقها... "بها عُجمة تُعيي دهاة التراجم"... وقد صار الأمر عكس شهواتها... سكت المارد لمّا أخذت الحرافيش في الصراخ... أعمل قاطرته في تحقيق أهداف الثورة ومعانقة شعب يصنع المجدَ ولا يرتدّ... اتجهت ماكينته إلى ترجمة الفكرة ووضع برامج يسهل إجراؤها ذات غد لناظره قريب... لزم المارد فعل البناء وسكت عن مباح الدفاع عن النفس، وقد تعاورته خفافيش الظلام من كلّ ناحية وصوب... وأعرض هو عن لجاجة من لا حظّ لهم غير تكديس الركام والسعي في الظلام... الغباء الإعلاميّ والبغاء الثقافي: تحالفت الأموال الفاسدة مع الأصوات الكاسدة لتعدّ على المارد المنتفض من تحت الركام الدكتاتوريّ أنفاسه وتنشب فيه مخالب غدرها و أنياب حقدها ليل نهار... فقد رهبان الحداثة الواهمة القصد وأخطأوا الوجهة وولّوا وجوههم شطر النشاز... ينفقون من الوقت والمال بقدر ما يحلّ مشاكل الصومال مجتمعة... - جاء الإعلاميون المتخَمون بالعداوات القديمة ليمارسوا فعل الهجاء على ضمير الغياب. - وجاء المثقّفون الواهمون ليحاربوا طواحين الهواء... رأيناهم يتسلّقون المقدّس رغبة في تحطيم عروشة نكاية بالمخالفين... جاؤوا ليشاركوا الشعب التونسيّ احتفاله بليلة القدر ويساعدوه على التخلّي عن قدسية الكتاب !. وتجنّدوا للدفاع عن حرية التفكير وقد ضيّقوا خناقها إذ حصروها في تجسيد من سارت ثقافة القرون بتنزيهه... حرية الإبداع قالوا ! لم يتركوا شأنا إلاّ وغرزوا فيه نيوبهم وأجروا فيه ندوبهم... فلا ثابت لمن حرّر العقل من العقل... ولا عقل... القطب الحداثي: فما تُفْهِمُ الحُدَّاثَ إلاَّ التَّراجِمُ لمّا تحوّل الرفاق بعد الفراق قطبا فقدوا أسباب ما به تكون الكائنات. أفقدهم سعارهم العاقلةَ.. ولما كانت قلوبهم "شتّى" ووجوههم "حتّى" لم يكن لهم جمع. أتلفوا اللغة وأفسدوا الحداثة، فتبرّأ منهم شعب اجترح لغته وصنع حداثته.. ولم يفهم القوم حداثته إذ أخطأوا الترجمة لمّا ضاع منهم الفهم والتبيّن وصاروا بضياع قبلتهم دليلا على الحداثة لا يستدلّ... وبضدّها تُعْرفُ الأشياءُ !... تبرّأ الشعب منهم فعاقبهم بنسيانهم... اليوم أنساكم كما نسيتموني ! ومن نسيه الشعب فلينتظر دورة الدولة... لأنّ الشعب يريد ولا رادّ لما أراد... وبعدُ اليوم تتنفّس تونس صبحا تملؤه الإرادة الرائعة... أجرت الأحزاب الاختبار وعرضت ورقات الامتحان على الشعب المعلّم... والشعب معلّم عدل... نظر المعلّم في ورقات تلاميذه وأسند الأعداد... فنجح المتفوّقون وأخفق الكسالى و المحتالون... انتبهوا ! فالشعب لا يستدرك لأنه لا يريد الاستدراك، ثقة منه بسلامة اختياره... انتظروا قطار الدورة الأخرى... هنا تبدأ الديمقراطية... فلينته المرجفون وليقف المحتالون المختالون... ولا تمش في الأرض مرحا... إنّك.../ نورالدين الغيلوفي