رسالة إلى الرفاق: بكل محبة عبد النبي العوني* السلام عليكم: خضتم الصراعات مع التيار الإسلامي في الجامعة، أكثر مما خضتموه مع السلطة الاستبدادية، وكنتم فيما مضى، تختارون استبداد سلطة قمعية جاهلة ،على استبداد تيار إسلامي متوهم، مبني في الأذهان فقط، آو متناقل من تجارب الغير، وبقيت الثقة معدومة بينكم وبين هذا التيار الأصيل، الذي يعبر عن قطاع هام من المجتمع ،ورغم اقتناعكم التام وفقا لنظرياتكم في الصراع ،أن القمع والاستبداد السلطوي زائل، عاجلا أم آجلا، فان البعض منكم، تخندق معه، ليسدد السهام للطرف الأضعف اجتماعيا وسياسيا، لكنه الأغنى شعبيا وتنظيميا، والشواهد كثيرة، بداية من انتخابات الجامعة قبل 1990 إلى الانتخابات التشريعية في 1989، إلى مرحلة المحنة والوقوف على الجمر بداية من 1990، أين وسعت السجون والمهاجر، لتبلع في غياهبها أكثر من 40.000 مواطن تونسي، بين سجين ومشرد ومهاجر، ما لم تشهده تونس عبر كل تاريخها، ورغم ذلك، ورغم الحالة التجاوزية التي مارسها هذا التيار، في العفو والمسامحة، والانتقال إلى ما هو أهم بالنسبة للشعب بعد الثورة ،ورغم أن الشعب التونسي، قال كلمته، وعبر عن اختياره، في انتخاب حر، ديمقراطي ومسئول، لم يعشه التونسي من قبل ومن بعد، فان قطاع هام منكم ،ومن هول الصدمة الصندوقية ،كما الصدمة سنة 1989، لم يقتنع ،وبقي يعيش في حياة و أوهام نموذج افتراضي، يجانب الواقع ولا يدخله ،وبقيت تحاليله لأسباب عزوف الناس عن مشاريعكم، تآمرية، ويرمون أسباب إخفاقاتهم على كاهل الآخرين وكاهل برامجهم الناجحة، او على كاهل أحكام ومنظومات كانوا أول المساهمين في تأسيسها وتزكيتها، عساها تمكنهم،بالتحايل بالقوانين، من بعض مكاسب، ومن ثم بعض مقاعد، وإذا بها تصب ويا لخيبة المسعى، في جراب النهضة والمؤتمر والعريضة، فكأنما قالت النهضة لكم، أين ما تصب القوانين وتصنع ،فخراجها راجع إليها، ولم يفلحوا أبدا، في فك شيفرة هذا التجانس بين النهضة وتطلعات الشعب، فهل لترضوا عنها يجب أن تتخلى عن مبادئها ومنطلقاتها ومرجعياتها، ولم أرى في حياتي ناجحا في التواصل والإقناع يتخلى عن أسلوبه من اجل إرضاء الخصوم، ليعتنق أساليب عقيمة وجافة ولا تلبي احتياجات الناس، كالتي خبرتموها وعشقتموها طيلة وجودكم ووجود من قبلكم ومن هم مثلكم في كل العالم، فالأسلم، هو أن الذي يعاني الانحسار والضمور ،هو الذي وجب عليه النظر في منطلقاته ومنهجيته وأدبياته، حتى يصلح منها ما استطاع، إن كان يروم صناعة واقع، يرضى به الجميع، أما إن كان يروم، بناء واقع متخيل ذهني و افتراضي، فهذا مآله الانقراض، وتلك هي سنة الحياة، ولا يستطيع عندها العيش، إلا في الزوايا الضيقة ،بين نخبة عاجزة، تبني الأفكار لتتعيش منها وتقتات، ولا تبني أفكارا، لتجد حلولا يرضى بها العامة والخاصة، فالبرامج تقدم للمجتمع لا للتيار الذي نتبعه. وفي ظل هذه المرحلة الانتقالية، رفاقي الأعزاء، أتصور من وجهة نظري، أن المطلوب، هو البناء داخل منظومة المجتمع،ولا أن نفرض على المجتمع منظومة رفضها واعرض عنها ،ونحمله مسؤولية رفضها ، ونبقى دائما في حالة صنمية، نخطئ المجتمع ونصفه بأبشع النعوت اللغوية والمعرفية، لانه لم يختاركم وان هو اختار غيركم ،فالعيب فيكم وفي منهجكم. وفي هذه المرحلة بالذات، المطلوب أكثر هو التخلي عن النرجسية الذاتية، والانطلاق مع شركائكم في الوطن من اليمين والوسط واليسار، في العمل من اجل رفعته وصون مكتسباته، والارتقاء به ومعه إلى أفضل المراتب التي يرتضيها هو. وعوض الجلوس على الربوة والانتقاد والواقع يتغير، وانتظار أي هفوة آو زلة، حتى نشنع على المجتمع اختياره ،وحتى نرضي نرجسيتنا وصوابية خياراتنا ،فالأفضل الدفع الايجابي والمشاركة البناءة، في صياغة نموذج مجتمعي متحرر تقدمي وحداثي كما تقولون، دون أن يحتكره أي كان مهما كانت مشروعية وجوده، ودون أن تتربصوا في المنعرجات ،عل الوطن يسقط وتتسلمون دفة تسييره. عفوا، فهذه الأساليب القديمة لا تبني وطن ولا تبني مجتمعا ولكم في تاريخ تونس عبرة، ومن أفضلها، تونس ما بعد 1956 إلى 14 جانفي 2011. وطلبي منكم ومن كل الحساسيات الفكرية والسياسية الأخرى، هو أن تعالوا إلى كلمة سواء بيننا جميعا ،كلمة نجتمع فيها حول الوطن، وحول موائده، نأكل منها جميعا دون استئثار، فمائدة الوطن ورقعته تتسع للجميع، إلا من أقصى نفسه بنفسه، وحلم الوطن نبنيه جميعا بسواعدنا، في المدينة في الريف في الجامعة في المعاهد وفي الأفكار والمشاريع وفي المؤسسات والمنظمات وفي صيرورة التاريخ ، وعندها يكتب لنا نحن أبناء تونس إننا قدمنا النموذج مرة أخرى، فبعد المشاركة الفعالة في الثورة، نشارك جميعا في البناء والتأسيس،ونترك الحرية للشعب كي يختار وبحرية دائمة، المشاريع والبرامج، فيوم لكم ويوم لغيركم، كما نريد ونتمنى، المهم هو الحفاظ الجدي والمسئول على المكتسبات والثروات، والدفع نحو تحقيق نجاعة أفضل، ومجتمع مدني فاعل ومتحرك، دون إقصاء. ولكم في الأخير رؤية ونظر. تاجر وسجين سياسي سابق *