أحد أهم الملفات التي يجب ان تبادر الحكومة الجديدة لفتحها و جعلها موضوعا ل " جدل عمومي " في اطار مشروع اصلاح التعليم المنتظر هو تعريب التعليم. تعريب التعليم تحديدا يجب أن يكون موضوعا لهذا الجل العمومي و المنفتح على جميع الامكانات التي يجب ان لا تقف فقط عند ما هو ايديولوجي لكن ان ينظر كذلك لهذا المطلب من جهة تبعاته كما رهاناته في علاقة بمسألة الاستقلال الوطني وممكنات تدشين نهضة علمية واقتصادية و توفير شروط التماسك الاجتماعي . من جهتي لست أرى في مطلب التعريب غير ضرورة و لا ارى من الاعتراضات الجدية ما يطعن في ضرورة هذا المطلب وعلى نقيض ذلك يمكنني ان أقدم في ملاحظات أولية وسريعة جملة من المبررات التي تدعم مطلب تعريب التعليم: - تدريس العلوم باللغة الوطنية ليس ممارسة شاذة بل ان أغلب الدول التي نجحت في تدريس العلوم بلغتها الوطنية قد حققت درجات هامة من التقدم العلمي والتقني الذي كان له اثره المباشر في دعم اقتصادها وهنا يمكن ان ننظر للتجربة اليايبانية و الماليزية وحتى " الاسرائيلية " بما هي تجارب ناجحة اكدت خيار هذا التمشي. -ان تدريس العلوم بلغة أجنبية وخاصة في المراحل الاولى من التعليم يجعل المتعلم امام صعوبات مضاعفة فمن جهة هو مطالب بمواجهة الصعوبة الذاتية الناشئة عن صعوبة تعلم العلوم في بيئة هي ذاتها لا تحفل بالعلم ولا توفر الشروط الاولية لاستيعابه و التآلف معه ومن جهة ثانية الصعوبات اللغوية الناتجة عن عدم قدرة استيعاب اللغة الاجنبية التي تدرس من خلالها العلوم و بالتالي عدم استيعاب المضامين العلمية. - تعدد اللغات التي تدرس للتلميذ منذ سنة مبكرة لم يؤدي لاي نتيجة فعلية تقترن باتقان هذه اللغات و على عكس ذلك فأحد وجوه الضعف الاساسية للمدرسة التونسية هي الضعف اللغوي للتلاميذ في اللغة الام كما في اللغتين الاجنبيتين الفرنسية والانكليزية وهو ما يمكن التثبت فيه من خلال نتائج الباكالوريا في هذين المادتين. - تعدد اللغات لدى عامة المواطنين ليس خيارا عاما وليست بالتجربة التي يمكن رصد كثافتهاتاريخيا و ان التوفر على مقدرة لغوية في لغة أجنبية هو حدث استثنائي على الصعيد العالمي اذ لا تتوفر هذه المقدرة الا لدى " الجماعة العالمة " و المتعاملين التجاريين الدوليين. ان تعريب العلوم سيسهم في جعل المعرفة العلمية معرفة مشاعة وقريبة من المواطن العادي بحيث يمكن تكريس ثقافة علمية لا تكون منحصرة لدى نخبة محدودة. تبقى كل هذه الملاحظات ملاحظات أولية أعتقد جازما في امكان تطويرها لدراسة علمية موثقة تثبت أن شعار تعريب التعليم هو شعار يجب رفعه اليوم وليس غدا.