لا شيء مُؤمٌنُ في زماننا هذا,لا المال ولا الأمن ولا حتى ذاك الكرسي الذي كان إلى وقت قريب من المقدسات في عالمنا العربي ,حتى قال عنه سيف الإسلام القذافي يوما أنه سيبقى لعائلتهم أبد الدهر!!!! هوت عروش كنا نراها أمامنا صنما لا يقدر القادرون على إسقاطها مهما علت براعتهم وقويت عزيمتهم, فأصبحت تلك العروش هشيما تذروها الرياح وكأنها لم تكن يوما, تماما كما فعل ربك بفرعون وهامان وجنودهما... المغرب ليس استثناءا عن هذا الربيع العربي كما يُحاول الواهمون أو المطبلون تصويره,,إنما هو جزء من هذا العالم العربي الذي لم يشعر بحلاوة الإستقلال من المحتل الغربي يوما,فدخل في احتلال جديد أشد قسوة من سابقه... يعيش المغاربة هذه الأسابيع الجد الحاسمة في تاريخهم ,يحدوهم أمل كبير في التغيير ,بعضهم ينشده من صناديق الإقتراع والبعض الآخر ينتظر الحسم في الشارع,وتقف الدولة التي رفضت المهادنة طيلة ستين سنة في موقف مُحرج للغاية حتى اضطرت مُجبرة لأول مرة في تاريخها إلى تغيير الدستور,تقف تلك الدولة وهي ترى فرعون مصر وقد صُفدت يداه وسفاح ليبيا وقد صُفدت روحه ,ولا تجد من ذاك التغيير بديلا لها خيرا من أن تًصفد اليد أو الروح لا سمح الله . فهل ستقبل الدولة أن ترمي بأوراقها وتذهب إلى ذاك الإصلاح الذي من المؤكد أنه ليس في صالح رجالاتها في شيء لما سيترتب على ذلك من رد للحقوق ومن معاقبة للظالمين؟ يقول التاريخ أنه حين أراد الملك الراحل الحسن الثاني تغيير الحكومة في الشهر السادس عام 1994 ,أسند رئاستها إلى عبد اللطيف الفيلالي ليكون وزيرا أولا ,كان المغاربة آنذاك يأملون بذلك التغيير الذي قد يأتي ويُغير أحوالهم ويلحقون بالركب,ولكن كل ذلك لم يتحقق والذي تحقق في الحقيقة هو مزيد من الديكتاتورية والجمود,فقد تدخل رجل الداخلية الأول آنذاك إدريس البصري وحرك من تحت الطاولة حزبي الحركة الشعبية والإتحاد الدستوري لتكوين أغلبيته الواهية تحت اسم الوفاق !!! وبقي عبد اللطيف الفيلالي وحيدا يُغرد خارج السرب أو هكذا أريد له أن يكون . وبنفس ذالك المفهوم أسست "الجي 8" وتبعتها "الجي 4 " ثم " الجي 3" لتكون شبيهة بأغلبية الوفاق ولم لا يُمسكون الحكومة المُقبلة ويُفسدون كما أفسد البصري والسابقون الأولون . الأمر الذي يرفض البعض استيعابه هو أنه يوجد في المغرب أناس لا يُحبون هذا الإصلاح لما سيترتب عنه تقزيم لمصالحهم ومراقبة لجل أعمالهم التي تتسم بكثير من الانتهاكات واللا مسؤولية ,ثم إن هؤلاء أنفسهم يُمسكون بزمام المال والسياسة في بلادنا منذ بزوغ فجر الإستقلال ولا شك من أنهم يقرؤون التاريخ جيدا,وبالتأكيد فأنهم سمعوا عن أن الملك الراحل محمد الخامس حين أراد إصلاحا وكلف الراحل عبد الله إبراهيم رحمه الله عام 1959 رئيس الحكومة كان من بين القرارات الحاسمة التي أغضبت حتى بعض أبناء القصر أن طرد أكثر من 300 من المسئولين الأمنيين القريبين من فرنسا الذين كانوا يُمسكون بالغرف التجارية على امتداد المغرب .فهؤلاء الذين يُفسدون حاليا في المغرب يعلمون أكثر من غيرهم أن حالهم لن يكون أفضل من حال هؤلاء المسئولين الأمنيين الذين طُردوا شر طردة وعوقب بعضهم بالسجن. وما يزيد الدولة مأزقا أنها لا تتوفر حاليا على رجل قد يقلب الطاولة كما كان يفعل البصري يوما إلى جانبه رفيقي دربيه أفقير والدليمي ,فكل رؤساء الأحزاب حاليا متنطعون لا يقولون إلا سمعا وطاعة وكذلك قال رئيس الوزراء الحالي عباس الفاسي يوم أمسك الحكومة كلامه الشهير " لقد أعطاني جلالة الملك تعليمات سأنفذها بالحرف !!!" ,وقبلها يقبل حزب العدالة والتنمية حين عقد مؤتمره ببوزنيقة تعليمات من الهاتف من قبل هؤلاء الذين لا يُريدون إصلاحا في الأرض بتغيير اسمهم وبعض من أهدافهم !!!!. وحين خرج البعض عن المسار "كحزب الأمة على سبيل المثال" أدخلوا السجن وشُردوا ولُفقت لهم تُهمة العصر "الإرهاب" وخرجوا خالي الوفاض بعد سنوات من السجن والعذاب. هؤلاء الذين يُسيطرون على المال والعباد ,البحر والجو ,لن يرضوا أن يتركوا الساحة ويُخلوها بعدما اعتقدوا لمدة طويلة فاقت الخمسين سنة أن المغرب لهم ولا يُمكن أن يتركوه ويرحلوا بهذه السهولة. مأزق الدولة لا يأتي من الداخل فقط ,بل ما أثبته الثورات العربية أن الغرب ليس في الحقيقة صديقا حميما للحكام العرب ,إنما هو صديق حقيقي للأقوى ,ونحن المغاربة جميعا نُدرك أن الأمريكيين قد وضعوا أيديهم سابقا بأيدي المعارضة المغربية في غشت عام 1972 وتعاونوا معها على إسقاط نظام الحسن الثاني ,فهؤلاء الفاسدون مٌتخوفون أشد الخوف من أن لا يجدوا موطنا يحميهم وهم يرون فرنسا ساركوزي وقد أغلقت هاتفها في وجه بن علي الابن المدلل لها ورفضت أن تحط طائرته على أراضيها وهو الذي كان يعبدها من دون الله !!!!. ويا ليت مأزق الدولة المغربية وقف عند هذا الحد,فقد كان هؤلاء الفاسدون يأملون ويدعون الله أن تفشل الثورات العربية السابقة وتدخل تلك البلاد في رتاهات حرب داخلية لا تنتهي ,ولكن آمالهم عُلقت وهم يرون الطوابير الكبيرة تنتظر أن تُدلي بصوتها في انتخابات تونس التي قال عنها العدو قبل الصديق أنها كانت ناجحة بشكل كبير.كلام كهذا يُلهب حماس المغاربة في بلادهم ليطرحوا سؤالا جوهريا على أنفسهم :لما لا نحذو حذوهم وننتخب الأجدر ليسير بنا إلى بر الأمان !. إن الدولة في مأزق ما بعده مأزق ,والتحولات الخارجية المتلاحقة تزيد من الضغوط عليها والرضوخ لمطالب الشعب وهي أمام خيارات مُتعددة أحلاها مر بالنسبة إليها وهي أن تُسلم الجمل بما حمل وهو ما لا يُمكن أن يرضى عنه بعض رجالاتها الذي حلبوا من ثدييها سنين عديدة وكونوا ثروات كُبرى هربوها إلى الخارج ,ويعلمون علم اليقين أنها ستعود إلى أصحابها عند أول امتحان للإصلاح,كيف لا وهم يرون مليارات القذافي وقد عادت من سويسرا وألمانيا وبريطانيا لتستقر في خزانة ليبيا الجديدة,فيٌقتلون مرتين ,مرة لما يُنزع كُرسي الحُكم عنهم ومرة لما تُنزع أموالهم التي جمعوها من غير حق . يستمر قلق الدولة وهاجسها السياسي هذه المرة بعد تصريحات يُطلقها أبناء حركة التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية يُعلنون فيها رغبتهم بالنزول إلى الشارع جنبا إلى جنب مع حركة عشرين فبراير إذا ما رفضت الدولة الإصلاح وهم هنا يستعلمون لعبة العصا والجزرة بعدما استعملتها عليهم الدولة عقدين من الزمن ,فسُبحان مبدل الأحوال...! إن الإصلاح لا يأتي إلا برغبة يقينية من الأعلى ,إصلاح ترضاه الجماهير التي ترى فيه أملا لها ولأولادها ,تشعر في طياته وحتى إن لم تكن تفهم معانيه أن كاتبيه يبحثون عن مصالحها وعن عيش كريم لجيلها والأجيال الصاعدة أو اللاحقة. والذين سيكتبون هذا الإصلاح أو يعملون به لن يفعلوا ذلك إلا إذا تجردوا من المصالح الشخصية الضيقة التي تُعمي بصيرتهم وامتازوا بالعدل والقسط بين الناس في تسيير شؤونهم. والجاهل هو من يعتقد أن ذلك الإصلاح سيتم بلا تضحيات جسام ومشقات عظام ,بل إن طريق الإصلاح لا بد وأن يكون طريقا مليئا بالعقبات لا يصله إلا من بذلوا الغالي والنفيس من أموالهم ودمائهم وأهليهم ,وفي ذلك يُعلمنا القران الكريم حين حدثنا عن قصة موسى عليه السلام وبني قومه الذين أبادهم فرعون اللعين وفعل فيهم الأفاعيل وبعدها جاء النصر والتمكين وقال رب العزة والجبروت :"ونُريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ". سيضل هؤلاء في مأزق ومن مأزق لآخر إن هم استمروا في فسادهم وعلوهم وتجبرهم على العباد,ولم يُصلحوا البلاد ولم يروا في إصلاح الأمة من بديل إلا عن طريق الجلاد!!! إنهم في مأزق والحل بأيديهم ,والشعوب لم تعد تتحمل أكثر وباتت مُتشوقة لأن تشم رياح التغيير العربي في بلادها ,فكيف سيخرج هؤلاء من مأزقهم ؟؟؟