بالرّغم من أنَّ هذا التّنقيح للدُّستور الفيدرالي السويسري القاضي بمنع بناء المآذن هو غير دستوري في تكييفه القانوني المحض بالنّسبة للدّستور الفيدرالي السويسري ذاته ! إلاَّ أنَّه وجد رواجًا، لدى الشارع السويسري بمختلف أطيافه، غير المسلم طبعًا، فهو يُعدُّ سابقة في الحكم السّلبي على التواجد الإسلامي في سويسرا الذي لم يعُد فقط يعبّر عن تواجد أقليّة بسيطة، إذ أنّ نمو هذا التّواجد الإسلامي بشكل ترتعد له فرائس ممن يبحث عن تهييج العداء ضدَّ المُسلمين من بعض العرب المسيحيين و أذكر على وجه التّخصيص " سامي الذيب " هذا الذي لا يترُكُ فُرصة إلاَّ و يُحاول أن ينفُث سُمومه ضدَّ تواجد المُسلمين في سويسرا و يثير القلاقِل و يبُثُّ في النُّفوس الضعيفة من السويسريين الأراجيف حتَّى يقلب الرَّأي الرّسمي السويسري ضدّ المُسلمين و ما يُمثِّلونهُ من خطر مُحدق حسب زعمه للمُناخ الديمقراطي السويسري، و الذي يجد دعمًا لا مثيل لهُ، في غياب التكاتف و التآزر في رحم هذا الوجود الإسلامي السويسري و غياب السّند لهذا الوجود لا من قريب و لا من بعيد، و رغم أنَّ الواقع و التّاريخ في هذه البلاد يُفنِّدانِ ما يُثيرهُ من قلاقل حول هذه الطّائفة التي تُمثِّلُ شكلاً لا يُمكِن الإستغناء عنه في الفُسيفُساء التي تُكوِّن البلد، فالإسلام كعادته كمُعتقد يكتسِحُ بكل سلاسةٍ و في مُنتهى السّلم قُلوب عدد لا بأس به من السويسريين خاصّة الشّباب منهم، لأنّهُ رسالة ربّانيّة تكفّل بنصرها خالقها. و بالرّغم من استغراب العديد من الشّخصيّات الإسلاميّة في سويسرا إزاء النتيجة النّهائيّة للإستفتاء 57.5 % مع حظر بناء المآذن بسويسرا، فإنّ هذه الصّفعة التي تلقّاها المسلمون كانت على عكس استطلاعات الرّأي مُتوقّعة و لا تُمثِّلُ مفاجأة البّتّة، لأنّ المناخ الذي يعيشُ فيه المُسلِم في هذا البلد الديمقراطي، لا يزالُ يكتنفه الكثير من الإنحياز لغير المسلمين، و لا يزالُ التّعامُل معهم بالقُفَّازات، فهم من يحاولُ تهميشهم و تهميشُ قضاياهم إلى أبعد الحدود و يبقى من قبيل الحُلمِ على المسلم أن يرتقي إلى ما يُعبّرُ عنه بالمراكز المفاتيح أو أن يُوظَّفَ كإيطار، بل بالعكس يحاولُ قدر الإمكان تهميشه ليعبِّئ هذا الشُّغور غيره من السويسريين الأصليين أو من ذوي الجنسيات الأوروبيّة الأصيلة أيضًا، إضافة إلى الكثير من المظالم القضائية التي تقع على المسلمين و ذلك يعود أيضًا إلى تقصير المسلمين بهذا البلد الذين لم يستطيعُوا توحيد كلمتهم، بل تشرذمت كلمتهم و أكل منهم الذِّئبُ نصيبه الأوفر، حتّى أصبحوا لُقمة سائغة، لعدم توحيد صفوفهم. و مهما يكن الأمر فإنّ الواقع الذي يعيشُه المسلمون في سويسرا يستوجبُ لفتات مؤازرة، حتّى لا يُتركوا منعزلين عن باقي الأُمّة، فهي دعوة مفتوحة للعلماء أن يلعبوا دورهم في توجيه و توعيّة هذه الشّريحة التي لم تعد بالهيِّنة في سويسرا رغم حسد الحاسدين، و دعوة أيضًا لعلماء و دعاة هذا البلد لتوحيد كلمتهم و رصِّ صفوفهم و توجيه الشارع المسلم السويسري لضبط النّفس و أن لا يستفزنّهم مثل هذه المُبادرات العنصريّة التي لا تحدُّ إلاّ من حريّة المُسلمين العقديّة رغم تقديم التّسهيلات لكل الأديان حتّى الوضعيّة منها، و لكن الضّربة التي لا تقسمُ الظّهر تقوّيه. محمد حبيب مصطفى الشايبي حقوقي و باحث في ميدان السيرة النّبويّة و إمام خطيب بمركز الدّراسات الإسلاميّة للإمام البُخاري بمدينة لوزان السويسريّة.