(1) بدأت تتضح ملامح أشكال الخريطة النهائية لتونسالجديدة بعد مخاض عسير عانته الأحزاب الأم التي تشكل عمود الخيمة التي احتمى بها التونسيون من العواصف السياسية ، و رياح الكراهية بين الناس ، و سموم الفتنة البغيضة المنبعثة من وسائل الإعلام المضادة ، إلا أن جميعها تكسرت أمام الارادة الحديدية و التصميم المحكم و الايمان الراسخ بالنجاح و التعايش المشترك و الشعور بالمسؤولية و صدقية المسعى لحكومة الترويكا . هنالك تناغم و انسجام تام بين الشركاء الثلاثة و كأنهم يبشرون الشعب التونسي بنهاية مرحلة الشك و عدم الثقة و الانتقال الى البناء و التنمية و نستشعر ذلك في تصريحات الرموز السياسية العليا بالبلاد لما أشاد رئيس البرلمان مصطفى بن جعفر بحركة النهضة و قوله بأنها تمثل الحزب الغالب و ذا الشعبية الواسعة و يمتدحها لما قدمت تنازلات عديدة في صياغة الدستور و التنازل عن حقها في وزارات السيادة و ذلك لمصلحة البلاد في حين هاجم بن جعفر حزب نداء تونس و قال عنه : انه لا يملك برنامجا سوى مهاجمة النهضة . ورد هذا التصريح في جريدة الشرق الأوسط الواسعة الانتشار في العالم العربي . من جهة أخرى أكد رئيس الجمهورية التونسية منصف المرزوقي أن حركة النهضة حليف استراتيجي سابقا و حاضرا و مستقبلا لحزب المؤتمر الذي أسسه هو و كذلك حليف لحزب التكتل الديمقراطي الذي يترأسه مصطفى بن جعفر . أما الشيخ راشد الغنوشي يشهد له القاصي و الداني بإيمانه بسياسة التوافق و دعوته لبناء دولة ديمقراطية و يسعى لتجنب الصراع مع العلمانيين لإنجاح الانتقال الديمقراطي كما أكد الغنوشي إبان تشكيل الحكومة الأخيرة ان الترويكا خرجت أكثر قوة و تصميما على إنجاح التجربة و إيصال تونس الى بر الأمان . إذا .....أحزاب المعارضة التي لفظها الشعب ، خارج اللعبة و هي التي اختارت طريق الردة و الانقلاب على الشرعية ... ونفذت ذخيرة قوى الثورة المضادة لزعزعة الثقة بين الشركاء لإسقاط الحكومة كما كانت تتوهم و لم يبق لها سوى رصاصتين في جعبتها للإجهاض على تونس الوليدة . الرصاصة الأولى التي عزمت المعارضة على تصويبها تجاه الحكومة كانت من حسن الحظ بدون حشوة و هي رصاصة الاتحاد العام التونسي للشغل الفارغة لما أعلن عن شن اضراب عام بكامل تراب الجمهورية واعتماد سياسة الفوضى الخلاقة لشل البلاد و تعطيل مصالح العباد إلا أنه فشل و خاب مسعاه و بفشله سقط الاتحاد جريحا و انتصبت الحكومة قائمة .
أما رصاصة الغدر الثانية و الأخيرة كانت تحمل كل مواصفات الانفجار و فعلا هزت البلاد و أصابت الهدف بدقة و لكن المغدور به هو أقرب الناس إليهم و لكن نتيجة القتل كان المقصود بها إسقاط الحكومة ، فاغتيل شكري بلعيد و وجهت أصابع الاتهام للنهضة و صعد اليسار فوق نعش المغدرو به و تصدر الصف الاول في تشييع جثمان الحكومة و بلعيد في آن واحد إلا أن إطلالة رئيس الوزراء مساءا بإعلانه عن حل الحكومة أسقط مشروع الانقلاب بدون قصد و كما استثمرت المعارضة المتلهفة للحظة الاغتيال ، استثمرت النهضة زلة أمينها العام و سحبت البساط من تحت أقدام الانقلابيين و رئيس وزرائها و توارى الثرى جثمان بلعيد و مشروع الانقلاب بمقابر تونس العاصمة . نفذت ذخيرة القوى الثورة المضادة من رصاص الغدر و الخيانة و أنهكت قوى قواعدها القليلة عددا و الكثيرة حضورا و تخريبا في حين ازدادت الحكومة تماسكا و تجانسا و قربا من شعبها غير أن التجمع و حلفائه يعانون أزمة حقيقية مما حدا بهم الى الاستنجاد بقوى أجنبية للتدخل عسكريا في تونس قبل المصادقة على مشروع تحصين الثورة و فتح ملفات الفساد . حمادي الغربي نواصل بإذن الله الحلقة القادمة : نهاية مؤسفة لليسار التونسي .