الشعب عاش على وقع صور الرئيس في كل مكان و زمان من المطارات و الصالونات الخمس نجوم الى العربات المجرورة و المجازر و حتى ورشات اللحام. هذه الصورة نُصبت في الأماكن العامة و الخاصة (في غرف النّوم كذلك، خوفا ربّما أو تبرّكا) و في الأماكن العقارية المنقولة منها و الغير منقولة و في الفضاءات الحقيقية و الافتراضية. كذلك هذه الصورة رُفعت في الأعياد و كذلك الأيام العادية زيادة على الأيام الانتخابية. هذه الصورة كان وراءها جيوشا من الإخصائيين و مدرّعات من التقنيات و التكنلوجيا (شريط الأخبار والصفحات الأولى لصحف العهد البنفسجي خير دليل). كل هذا كان يَنْحَتُ صبرا و يَضْغَطُ فضاءا. رتابة و تكرار هذه الصورة كان ينحت و يصقل صبر التونسي، فأصعب الصبر ما كان على شيء ركيك متكرّر في الزمان و المكان. أما الضغط الذي كان يرتفع و لا يجد مخارج و عوادم لتصريف أنواع الروائح السامة و الخانقة حتى الموت فكان يتسرّب للحياة الخاصة بعد أن جعل التحرّك في الحياة العامة مستحيلا الا حبوا أو مشيا على أربعة. تلك الصورة التي أُسقطت في الشوارع و مُزّقت و حُرقت فأذنت بهروب الأصل من قرطاج بعد أن قال يائسا "فهمتكم". صحيح "فهم" لكن متأخرا جدّا. دكتاتور فهم فهرب و معارضة (جزء من) لم تفهم فسقطت. كيف؟ نفس الأماكن اللتي كانت تحتلّها صور الهارب تسللت لها صور الشابي-مية على سبيل الإكتراء و أملا في التملّك. و ذاك هو خطأ الشابي-ميّة. الشعب قَبِلَ و صبر على الصورة و تطويقها لحياته العامة و الخاصة، لكن ما لم يستسغه و يقبله سطوة الأنساب و الأصهار. فمسامراته و قصصه و حتى نكته كانت تدور حول "الأنساب" و "الأصهار" مثل "البرّاد و الكؤوس الطرابلسية" و قصّة العون الذي يقلّب في هوية "بن علي" في احدى الدوريات منبهرا بالسيارة اللتي يقودها "بن علي" فأنسته اسم رئيس دولته و لقبه العائلي فاستنجد برئيس دوريته فسأله هل يعرف هذا المدعوّ "بن علي" فانبهر هو الآخر بالسيارة و قال للعون "اتركه يمر يُمْكُنْ يْكُونْ من الطرابلسية". هذا الشعب اقترنت عند أغلبه صلة المصاهرة بالنّفعية و الانتهازية و كل ما رادف هذه الموبقات. و هنا تنزّلت زلة الغنّوشي-رفيق. نعم زلّة (مع احترامي لنضال و امكانيات السيد عبد السلام). زلّة أدت لتنازلات و فتح ت جبهات مازالت تستهلك جهدا و وقتا. الخطأ يوجب التوبة و الإعتذار و الزلّة توجب الإنتباه و الحذر.