الثلاثاء المقبل .. التصويت على تنقيح مجلة الشغل    من أجل شبهة فساد مالي: بطاقتا إيداع بالسجن في حق عاملين ببلدية المروجات    الجزائر: فيضانات وسيول جارفة تخلف ضحايا ومصابين    بعد المعارك الدامية في طرابلس.. الميليشيات تتفق على وقف إطلاق النار    تفكيك شبكتين دوليتين وحجز كميات ضخمة من الزطلة والإكستازي ببن عروس.    الترجي الرياضي يتسلّم لقب بطولة الرابطة المحترفة الأولى لموسم 2024-2025    وزارة الفلاحة تحدد اسعار قبول الحبوب لصابة 2025    وزارة الشؤون الدينية تذكر الحجيج    "التراث في المتن الروائي التونسي" محور ندوة فكرية أدبية بنابل بمناسبة الاحتفاء بشهر التراث    لجنة السياحة والثقافة تعقد جلسة استماع حول ملف دعم برمجة المهرجانات الوطنية والجهوية    استعلامات ومصالح الحرس الديواني تحجز بقليبة وقرمبالية قطع غيار مهربة ومكملات غدائية بقيمة فاقت مليون دينار    الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة تكشف عن 3 مبادرات وطنية لدفع مسار ازالة الكربون    النادي الصفاقسي ينهي الموسم بانتصار معنوي هام على النجم الساحلي    موريتانيا.. فتوى تحرم الدجاج المستورد من الصين    زغوان: إنجاز أكثر من 200 ألف تلقيح ضدّ أمراض المجترات منذ بداية مارس المنقضي    مدنين.. ارتفاع أعداد الأضاحي مع تراجع في الأسعار    فيلم "سماء بلا أرض" لأريج السحيري في عرضه العالمي الأول بمهرجان كان السينمائي ضمن قسم "نظرة ما"    كيف ترفع مخزون الحديد في جسمك بسرعة؟    بالصور ...شاهد دخلة الترجي أمام الاتحاد الرياضي المنستيري    الترجي يكرّم يقين وسط تصفيق الجماهير: تعرفوا على قصتها المؤثرة ؟    مهرجان كان السينمائي 2025: إطلالات جمالية ساحرة للنجمات العرب في اليوم الثاني    عاجل/ غزّة: مستشفى جديد يخرج عن الخدمة بشكل كامل    اتحاد الفلاحة : مليون و250 ألف خروف متوفّر... ولا داعي للهفة    كرة اليد.. رفض احتراز النجم ضد نادي ساقية الزيت    النوم المبكر.. سر الصحة النفسية والسعادة عند الأطفال    40% فقط نسبة امتلاء السدود في تونس: الموارد المائية تحت الضغط    مستشار وزير الصحّة للأولياء: هكذا تحمون أبنائكم من المخدّرات.. #خبر_عاجل    كأس تونس: سحب قرعة نصف النهائي يوم الأحد وبرمجة مواجهات ربع النهائي على يومين    "براكاج" في البلفيدير ينتهي بالقتل: هذا ما تقرّر في حق المتهمين.. #خبر_عاجل    يوم علمي لمهرجان النسري تحت شعار 'من الاستدامة الى التحويل ' يوم 21 ماي بدار زغوان    محرز الغنوشي: مرحلة جديدة تبدأ وتركيزها على الوسط الشرقي    101 الأكثر تأثيراً في السينما العربية: تسعة تونسيين في قائمة 2025    رئيس جمعية جراحة الصدر والشرايين: ألفا عملية قلب مفتوح تجرى سنويا في تونس    5 سنوات سجنا في حق تاجر من أجل الاحتكار والمضاربة في البطاطا    أضرارًا جسيمة خلفتها الأمطار الأخيرة المصحوبة بالبرد في عديد القطاعات الفلاحية بهذه الولاية..    ضعف عضلة القلب: طرق الوقاية والعناية    تغيير موعد الدور النهائي لكأس تونس لكرة السلة    في ذكرى "النكبة": تونس تؤكد أنها ستظل على العهد في الدفاع عن القضية الفلسطينية    مقتل مؤثّرة مكسيكية خلال بث مباشر عبر تيك توك    إقتصاد تونس ينمو ب1،6 بالمائة خلال الثلاثي الأوّل من 2025    عاجل/ وزارة الحج والعمرة بالمملكة العربية السعودية تصدر بيان هام..    مؤثرة مشهورة تقتل بالرصاص في بث مباشرعبر ''تيك توك''    رئيس الجمهورية يسدي تعليماته بالإنصات إلى تصوّرات ممثلي مجالس الأقاليم    قليبية: تعطل الدروس بالمؤسسات التربوية بسبب الأمطار    هطول كميات هامة من الامطار على اغلب جهات البلاد خلال ال24 ساعة الماضية    تونس: تعديل في مشروع قانون يمنع المناولة في الحراسة والتنظيف    اليوم: تواصل أمطار مؤقتا رعدية ومحليا غزيرة    لغز اختفاء الفتاة التركية يُفك في المنستير: زواج سرّي يكشف الحقيقة!    تونس دون "تاكسيات"..    عاجل/ فيضانات بهذه الولاية: تعطل للأنشطة والدروس وقرار بتأجيل امتحان البكالوريا بهذه المعتمدية..    ترامب: أعتقد أننا نقترب كثيرا من التوصل إلى اتفاق مع إيران    الموت يغيب الفنان أديب قدورة.. "فهد" السينما السورية    صفاقس زيارة معاينة لفضاء المسرح الصيفي بسيدي منصور    رئيس الجمهورية يشدد على ضرورة ارتقاء عدد من المسؤولين إلى مستوى المرحلة التي تعيشها تونس    احذروا "سامية".. الشرطة الجزائرية تبحث عن دجال ينتحل صفة امرأة    قصّة ..عين خديجة (ج2)    السعودية: رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    عاجل : مدينة العلوم تكشف عن التاريخ المتوقع لعيد الأضحى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إنها جالبة للمحبَّة!
نشر في الحوار نت يوم 22 - 01 - 2014


د‌. شميسة خلوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إنها جالبة للمحبَّة.
إنها ممَّا يورد من الودِّ أعذب الموارد وممَّا يُدني البغيض من الهوى حتى يصيِّره حبيبا، فكن جزيل الصِّلات واجعلها رسولك لمن تحب.
إنها سببٌ من أسباب التآلف بين القلوب ورأب الصَّدع، وما أحوجنا في هذا الزمان لذوي التَّصافي والوفاق بعدما فسدت الأهواء وتنافرت! فأقبِل بها على من نأى عنك بجانبه حتى تُؤتى محابَّ قلبه.
تلك هي الهدية...
هَدَايَا النَّاسِ بَعْضِهِمُ لِبَعْضٍ *** تُوَلِّدُ فِي قُلُوبِهِمُ الوِصَالاَ
وَتَزْرَعُ فِي الْقُلُوبِ هَوًى وَوُدًّا *** وَتَكْسُوكَ الْمَهَابَةَ وَالْجَلَالَا
مَصَايِدُ لِلْقُلُوبِ بِغَيْرِ تَعْبٍ *** وَتَمْنَحُكَ الْمَحَبَّةَ وَالْجَمَالَا
· الهديَّة في بطون الكتب لغة واصطلاحا:
يقول ابن دريد في الجمهرة: «الهَدْي: ما أُهدي إلى الكعبة، واحدتها هَدْيَة، ويُقال: هَديَّة، والهَدِيُّ: العروس إذا زُفَّت إلى زوجها» [1].
ويقول الفيومي في المصباح المنير: «الهَدْي ما يُهدى إلى الحرَم من النَّعم يُثَقَّلُ ويُخَفَّف، الواحدة هَدِيَّةٌ بالتثقيل والتخفيف أيضا، وقيل المُثَقَّل جمع المخفَّف» [2].
ويعرِّف ابن قدامة الهدية اصطلاحا بأنها: «تمليك في الحياة بغير عوض» [3].
· الهديَّة في القرآن الكريم:
ورد في سورة النمل ذكر الهديَّة ضمن عرض قصة سليمان عليه السلام، يقول عز وجل على لسان بلقيس ملكة سبإ مجمعة أمرها على إرسال هديَّة للنبي سليمان عليه السلام تدفع بها عن مُلكها وتختبره بها: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل:35].
وقد امتنع نبي الله سليمان عليه السلام عن قبول الهديَّة وأمر بردِّها، لأنه أدرك أن بلقيس ما بعثت بالهديَّة إلا ليتركها وقومها على شركهم وينصرف عنهم، يقول عز وجل على لسان نبيِّه سليمان عليه السلام: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل:37].
· الهديَّة في السُنَّة النبوية:
كان حبيبنا عليه الصلاة والسلام يقبل الهديَّة، ويكافئ صاحبها بما هو خير منها أو بمثلها، ويردُّ الصدقة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقبل الهديَّة ويُثيب عليها» [4]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام سأل عنه: «أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ؟»، فإن قيل صدقة، قال لأصحابه: «كُلُوا»، ولم يأكل، وإن قيل هديَّة، ضرب بيده صلى الله عليه وسلم، فأكل معهم» [5].
وكان عليه الصلاة والسلام لا يردُّ الطِّيب[6]، ويدعونا لقبوله أيضا، يقول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدَّهُ، فَإِنَّهُ طَيِّبُ الرِّيحِ، خَفِيفُ الْمَحْمَلِ»[7].
كما دعانا عليه أفضل الصلاة والسلام إلى قبول الهديَّة ولو قلَّت، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» [8]وكراع الشاة هو ما دون الكعب ومستدق الساق.
ولأنها توثِّق روابط المحبة وتزيد من الألفة، فقد حثَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يهادي بعضنا بعضا، روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَهَادُوا تَحَابُّوا»[9].
· قيل عن الهديَّة:
- الهديَّة تتبسَّط يد المودَّة وتدر بها أخلاف القرب وتغرس بين المتحابين من الائتلاف بقدر ما تقطع بينهما من شجر الخلاف.
- الهديَّة في نظر الأصفياء جليلة وإن كانت في نفسها قليلة، ومكانتها خطيرة وإن كانت يسيرة، وسُنَّة حسنة اجتمعت على فضلها الألسنة.
- الهديَّة مفتاح باب المودَّة وعنوان تذكار المحبَّة يتسابق إليها كرام السَّجايا ويتسارع إلى إحياء شعائرها عُشَّاق المزايا، حرصاً على حفظ عهود الوداد والتآلف، وإذهاباً لوحشة التَّقاطع والتخالف.
- ما استرضي الغضبان ولا استعطف السُّلطان، ولا سُلَّت السَّخائم، ولا رُفعت المغارم، ولا استمسك المحبوب ولا توقي المحذور بمثل الهديَّة.
- الهديَّة رسول يخاطب عن مُرسله بغير لسان، ويدخل على القلوب من غير استئذان.
- ثلاثة تدلُّ على عقول أربابها: الهديَّة، والرسول والكتاب.
· نصائح تهم المهدي والمهدى إليه:
- الهديَّة ليست مرتبطة دوما بالمناسبات، فتذَكُّر من تجمعنا بهم علاقات اجتماعية بهديَّة ليس أمرا مقرونا بنجاحهم أو زواجهم أو شفائهم أو عودتهم من السفر إلى هلم جرا!
- لا تتحدَّث عن ثمن الهديَّة أمام المهدى إليه، ولا تنس أيضا أن تزيل ثمن الهديَّة المكتوب على العلبة أو الغلاف الداخلي لها.
- لا يجب أن تهدي هديَّة تتوقَّع أن يستعملها المهدى إليه في معصية الله عز وجل.
- ستكون الهديَّة أجمل لو أرفقت معها بطاقة ترسم فيها مشاعرك بكلمات بسيطة ومعبِّرة أو تهنئ فيها المرسل إليه أو تشكره.
- كن بشوش الوجه متهلِّل الغُرَّة وأنت تقدِّم هديَّتك، سترى إثرها أثر ذلك في نفس من تحب!
- حين تقْدم على الإهداء، فقدِّم القريب على الغريب، والأقرب فالأقرب.
- إن وعدتَ شخصا بتقديم هديَّة له، فكن كريم العهد صادق الوعد معه، فهذا ممَّا يحمد من الشَّمائل.
- ليس من اللائق أن تهدي شخصا هديَّة ثم ترجع في عطيَّتك، فذاك من سفالة الطَّبع.
- ليس من حُسن الأدب أن تهدي الهديَّة ثم تمنَّ على من أهديتَها إليه، فتكون قد أتبعتَ الإحسان بالإساءة، فتنبَّه!
- جميل هو الاهتمام بتغليف الهديَّة بطريقة مميَّزة وجذَّابة مهما كانت قيمتها المادية، لأن اهتمامنا بالغلاف الخارجي هو اهتمام بالمهدى إليه، إنها اللمسة السِّحرية التي تُلامس القلوب فور رُؤية الهديَّة والمهدي!
- علينا اختيار الهديَّة المناسبة للمُهدى إليه، حسب السنِّ والمناسبة، وكذا الميول إذا كانت تربطنا به علاقة وطيدة نميِّز من خلالها ما يفضِّله، فمثلا إذا كان المهدى إليه قد دخل بيتا جديدا فيمكننا أن نهديه ما يساعده على تأثيث بيته ويخفِّف عنه تكاليف البيت الجديد ومصاريفه، أما إن كانت المهدى إليها عروسا فالأفضل أن نشاورها حول الحاجيات التي تنقصها -إن كانت من أسرة بسيطة- أو نختار لها هديَّة مناسبة لدخولها عالم الزوجية، إلى غير ذلك من المناسبات المتنوِّعة.
- ما أجمل الهديَّة حين تكون رمزا رومنسيا بين الزوجين، أو رسول اعتذار واسترضاء بينهما! في هذه الحالة لن يكون ثمن الهديَّة مُهمًّا بقدر ما تحمله الهديَّة نفسها من مشاعر الحب والودِّ تجاه الشَّريك، وما أكثر أفكار الهدايا التي يمكن أن تُستثمر من أجل تمتين العلاقة بين الزوجين، قد تكون عقدا باهض الثمن، وقد تكون كتيِّبا أو باقة ورود أو علبة شكولاتة أيضا!
- لا تجعل من أعياد غير المسلمين مناسبة للإهداء، لأن هذا من باب التشبُّه بأهل الكفر، على شاكلة ما يسمى بعيد الحب وعيد الأم وعيد المرأة، أو ما شابه ذلك، مما سوِّق إلينا على أنه برّ وصلة، وحب ومودَّة، وانتشر بين المسلمين انتشار النار في يابس الحطب!
- اجعل الهديَّة وسيلة دعوية، كأن تهدي كتيِّبا نافعا أو شريطا دعويا، لمن ترى أنه يساعده على تغيير حاله للأحسن وتقويم سلوكه للأفضل، فهي من باب النَّصيحة بطريقة ذكيَّة.
- قابل الهديَّة باستحسانها والثَّناء على صاحبها، فهي من مقدار مُهديها.
- يستحبُّ الإثابة على الهديَّة إن تيسَّر الأمر.
- لا تحتقرن الهديَّة مهما كان ثمنها، ومهما كثرت مثيلاتها بيدك، فذلك جحد للإحسان واستخفاف بالمهدي، ألا إن جهد المقلِّ غير قليل!
فعلا، للهدايا في القلوب مكان وحقيق بحبِّها الإنسان! إلى القرَّاء الأفاضل، تقبَّلوا مني هذه اللَّطَفة، فإنها جالبة للمحبَّة!
[1] جمهرة اللغة، 2/689.
[2] المصباح المنير، 2/636.
[3] المغني، 6/41.
[4] صحيح البخاري، 3/157.
[5] صحيح البخاري، 3/155.
[6] صحيح البخاري، 3/157
[7] سنن أبي داود، 4/78 (الحديث صحّحه الشيخ الألباني).
[8] صحيح البخاري، 3/153.
[9] البخاري، الأدب المفرد، 06، (الحديث حسَّنه الشيخ الألباني).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.