أعجب حاكم رأته عيني في تاريخ الأمم، هو الملك طالوت عليه السلام، هو حاكم لم تسانده إمبراطورية للوصول إلى الحكم، ولا دولة نووية عندها فيتو ومقعد دائم في مجلس الأمن، بل أتاه التعيين والتتويج وصولجان الملك من رب السّماوات العلى، (وقال لهم نبيهم إنّ الله قد بعث لكم طالوت ملكا).. وجاءته السلطة وهو فقير حافي القدمين، وقيل كان سقّاء أو دبّاغا، وتعالت المظاهرات والإعتصامات ضدّ تعيينه، وقالوا "أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحقّ بالملك منه ولم يؤت سعة من المال.." صعد العرش وقاد أمّته بشرعية، لا شرعية أعلى منها في الوجود.. ومع ذلك، وبعد أن حقّق لشعبه انجازات وانتصارات، تخلّى عن شرعيته، دون أن يريق دم معارض واحد، و سلّم الحكم لجندي من جنوده، وهو داوود عليه السّلام قبل أن يصبح هذا الأخير نبيا في وقت لاحق.. بل و زوّجه إبنته جزاء على قتاله المستميت وتمكّنه من قتل الملك جالوت.. والآن عندنا حاكم، جاء فوق شعبه بلا شرعية، كما جاء أبوه من قبله أيضا بلا شرعية.. ثمّ استمات على الكرسي حتى قتل إلى حد الآن (140 ألف) شخص، من بينهم ما يقرب (8 آلاف) طفل و (5 آلاف) امرأة. وعذّب (10 آلاف) شخص حتّى الموت.. أمّا عدد اللّاجئين، فتجاوز ثلاث ملايين... القصّة الأولى حدثت في غابر الأزمان في الشّام، والمسلمون يشهدون عليها، إذ يقرءونها كلّ يوم في القرآن.. والقصّة الثانية تحْدث اليوم في الشّام، والدّول، أعضاء الأمم المتّحدة يشهدون عليها، ويشاهدونها كل يوم في الإعلام.. فهل بعد هذا وذاك في الشّرعية من كلام..؟