لاليغا الاسبانية.. سيناريوهات تتويج ريال مدريد باللقب على حساب برشلونة    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الاتحاد المنستيري يضمن التأهل إلى المرحلة الختامية من بطولة BAL بعد فوزه على نادي مدينة داكار    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    بايرن ميونيخ يتوج ببطولة المانيا بعد تعادل ليفركوزن مع فرايبورغ    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضَياع بوصلة الأمة بين الإمام الذهبي والنَسائي
نشر في الحوار نت يوم 01 - 06 - 2014

الحقُّ أَحَقُّ أن يُتَّبَع من غيره، ويُعرفُ الرجالُ بالحقِّ ولا يُعرفُ الحقُّ بالرجال.....

أريد أن أذكر إخواني بأن ما أنشره هو عبارة عن محاولات من عبد ضعيف يسعى للوصول إلى الحقيقة الربانية بعيداً عن أي تمذهب أو تحزب أو طائفية، لأن الله قد بَرَأَ رسوله الكريم من هؤلاء جميعاً حين أصدر إليه حكمه بقوله: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ" إنها براءة من الرسول الأعظم من كل من فرق دينه ويكفي بهذا ضلال مبين. وأما الجدل البيزنطي في موضوع أي الطوائف أو الفرق على الحق، فذاك علمه عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى ولا ينازعه فيه أحد من العالمين والآية واضحة وبسيطة..

وإذا رغبنا جادّين في البحث للوصول إلى أسباب انحطاط هذه الأمة بعد أن كانت خير أمة اُخرجت للناس، يَتَحَتَّم علينا العودة إلى نقطة الإنحراف، إن لم يكن إلى نقطة "بداية" الانحراف أو الانعطاف، ومُحاولة تصحيح أو تدارك تلك الأخطاء التي أدت إلى النتيجة "الحتمية" الحالية والوضع المزري والمُذِل للأمة.......

وردت آية في القرآن الكريم اشترك فيها وفي "معناها" جميع الأمم والأقوام التي جاءها نذير وبالتالي تشملنا كذلك، وهذه الآية ستبقى مستمرة إلى يوم الدين، بمعنى أو بآخر.. شكلاً أو مضموناً. إنها رَدُّ المُعرضين عن الرسل بثباتهم على ما وجدوا عليه آباءهم. ومن أعظم هذه الآيات والتي تُثبت استمرارية الحدث بديمومة الحياة، هي الآية 104 من سورة المائدة:
"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ"
والآباء هنا لها معان متعددة وكثيرة ولكن نكتفي بالمعنى الظاهر العام هم "الوالدان والأجداد فالأسرة والمجتمع والبيئة".
وأحد معانيها المجازية أو تأويلاتها "السَلَفُ" بكل طوائفه ومراكزه ووظائفه، وعلى رأس هؤلاء العلماء والسلاطين (الدين والسياسة) لأن المُتَنَفِّذ والقوي هو الذي يكتب التاريخ على مقاسه وبما يخدم مصالحه ويضمن استمراريتها. وبما أن مصيبة هذه الأمة في جعل "الدين في خدمة السياسة" وليس العكس، فإننا سنناقش الموضوع من هذه الزاوية والنقطة الهامة.
فلا يخفى على عاقل في هذا الزمان قيمة السلطة والنفوذ والمال في توجيه بوصلة الدين من خلال الإعلام، وهذا ليس جديداً أو وليد العصر، لأننا بتتبع حلقاته سيُعيدنا إلى نقطة بداية الانعطاف في مسار هذه الأمة، حيث تم استخدام الثالوث الجهنمي من قبل بني أمية لتحريف هذا الدين ووضعه كأداة في خدمة السلاطين والعروش. هذا المثلث هو "السلطة، المال، الإعلام".....
لن يناقشنا أحد في امتلاك بني أمية للعنصرين الأساسيين السلطة والمال، وبالتالي وجدوا أنفسهم بحاجة إلى إعلام لنشر دين سُلبت منه جميع أركانه التي قام عليها وبُعث من أجلها الرُسل وخَتَمَ بها وأرساها إلى يوم الدين حبيبنا محمد عليه وآله الصلاة والسلام، على رأسها العدل، فالشهادة لله ولو على النفس أو الأقربين، ثم الرحمة والرأفة....
بدأت الآلة الإعلامية الأموية باللجوء إلى رواة حديث الرسول عليه وآله السلام، ثم استغلال بعضهم ممن ضعفت نفوسهم، لكتم أحاديث، حدَّث بها الحبيب وحَذَّرَ بها الأمة، لخدمة السلطة والسياسة ثم أصبح "ميزان العدالة" في الدين والعلم والنفس هو الولاء لمعاوية والملوك من بعده، ومن شذ عن ذلك واتبع عليّاً وولده كان مطعوناً فيه، ولو بخرم إبرة، هذا في حال أثبت ذاته وفرَضَ مكانته العلمية.
أي أن "المعيار" الرئيسي والأساسي هو اتباع السلطان من عدمه، وهذا عكس ما أقره الله ورسوله تماماً، فإن العالِم الذي يوضع في خدمة السطان مُتَّهّمٌ في "دينه" فما بالك بما تبقى من صفات وسجايا، فكيف ينقلب الميزان وتختل المعايير لتؤسس لأمر نقيض لما أنزل الله؟؟؟!!!
وأحد الأدلة على ما نقول، وهي بالآلاف، ما أورده الإمام الذهبي في سِيَرْ أعلام النبلاء، عند ترجمته للإمام "النسائي" رحمه الله وغفر له، سوف أنقلها بالحرف الواحد لتكون "تذكرة" لكل ذي لب، يسعى للبحث عن الحقيقة المُنجية من عذاب الجحيم، يوم لا ينفع زعيم ولا رئيس ولا عالم ولا شيخ ولازعيم طائفة ولا إمام مذهب، إلا من أتى اللهَ بقلب سليم، وثبت على الصراط المستقيم، حيث الحبيب واقف ليطلع على أمته.
يقول الذهبي: (ولم يكن أحدٌ في رأس الثلاث مئة "أحفَظْ" من النسائي، هو "أَحذَقُ بالحديث وعِلَلِه ورجاله" من "مُسلم" ومن "أبي داوود" ومن "أبي عيسى"، وهو "جارٍ في مضمار" "البخاري" و "أبي زُرعة"، إلا أن فيه قليل "تَشَيُّع" و"انحراف" عن "خصوم" الإمام عليّ، كمُعاوية وعمرو بن العاص، والله يُسامِحُهُ!!!!!!)
ويقول الذهبي في الجزء الرابع عشر من السير عن النسائي: (الإمام الحافظ الثبت، "شيخ الإسلام" ناقد الحديث).
قبل أن ندخل في تحليل هذا التصريح الخطير والمعيار المُخزي والفاسد يتوجبُ علينا تقديم توضيح بسيط حول المقصود من كلمة "تشَيُّع" في ذلك العصر وبقلم الحافظ بن حجر العسقلاني في هدي الساري مقدمة فتح الباري، الجزء الثاني صفحة 1228 يقول ("التشيع" هو محبة عليّ بن أبي طالب وتَقديمه على الصحابة، ومن قَدَّمَهُ على الشيخين أبي بكر وعمر، فهو غالٍ في تَشَيُعه ويُطلقُ عليه رافضي).

ثلاث شهادات في مطلع ترجمة الذهبي تَضَعن النسائي في قمة هرم المُحَدِّثين؛ أولاً اعتراف صريح من الإمام الذهبي بأن الإمام النسائي هو "أحفظ" أقرانه في رأس الثلاث مئة، إذا هو في المقدمة من هذا الجانب الأساسي لدى المُحَدِّثين، و"أحذَقُ" بالحديث وعلله ورجاله من "مسلم" وهذا وحده يكفي ليبقى في القمة، ثم في الأخير يقول الذهبي أن الإمام النسائي "جار" في مضمار "البخاري" إذا فلا يزال في القمة، وإن شريكاً، فما الذي دحرجه إذاً ليوضَعَ حيث هو الآن؟؟؟
الجواب يأتينا من الذهبي نفسه، حين يُبين لنا "عِلَّة" من وَصَفه قبل لحظات بالحاذق بالعلل التي جعلته يُزاح عن الريادة لينتقل إلى الصف الثاني أو الثالث أو الرابع بحسب المذاهب والأهواء، فيقول كان فيه "قليل" "تشيُّع" و"انحراف" عن خصوم عليّ كمعاوية وعمرو بن العاص!!!
لنُبَسِّطْ كلام الذهبي أكثر لتتضح الصورة لمن لا يزال يراها مُغبَّشة، ونقول: كان لدى النسائي عيب كبير جعله يفقد ريادته وسيادته في عالم الحديث وهو "قليل" من الحب يحمله بين جنبتيه لعليّ بن أبي طالب (على قول بن حجر العسقلاني)، وهذه بذاتها "الطّامّة الكبرى"، وأما "الصاخّة"، ولله المثل الأعلى، فقد كان فيه "إنحراف" عن "خصوم" الإمام عليّ كمعاوية وعمرو بن العاص، ولكن عمرو هنا إضافة غير ذات أهمية لأن الأصل هو معاوية وهذا ما سنثبته في خاتمة هذا المقال، فحتى عمرو بن العاص نفسه لم يسلم من معاوية!!!
ولما كان الإمام النسائي قد اقترف ذنباً يعلم الله أيُغفر له أم لا، فقد دعى له الإمام الذهبي بأن "يسامحه" الله على فعلته الشنيعة..
لن نناقش الموضوع من باب الرجال، لأن المقارنة غير واردة إطلاقاً، فالإمام عليّ بصُحبته، ناهيك عن قرابته و"تأخيته" لرسول الله صلى الله عليه وآله، من جنس، ومعاوية من جنس آخر، وإقرار هذا الأمر من عالم جليل وإمام عادل كالنسائي هوالذي تسبب في قتله.
ما يهمنا هنا "بوصلة الأمة" و"معاييرها" في تحديد الصالح من الطالح والحق من الباطل، والتجانس الذي تقوم عليه هذه المعايير التي من المفروض أن تكون مُستمدة من القرآن أولاً، ثم ما ثبتت صحته وأجمع عليه "المسلمون" وليس طائفة أو جماعة أو مذهب بعينه..
فإذا كان الإمام النسائي "أحفظ رجل" في ذاك القرن أو في رأسه، وأحذق مِن صاحِب "صحيح" مسلم وأعلم منه بالحديث وعلله ورجاله، ويجاري الإمام البخاري صاحب "الصحيح" الآخر، فمن أراد، عادلاً ومقسطاً، أن يطعن فيه أو يبرر سبب إزاحته عن القمة، عليه أن يبين أسباباً يعرفها أهل الحديث وطلاب العلم تَجعل من المحدث في درجات متفاوتة كالصدق والأمانة والتقوى وسلامة الذاكرة إلى ما هنالك نقاط أخرى، أما مجرد حبه "القليل" للإمام عليّ، الذي لم يختلف اثنان من البشر من جميع الطوائف والملل والنحل في أنه كان على الحق، كما لم يُنكر أكبر غلاة بني أمية بأن معاوية كان على الباطل، ففي أي ميزان وبأية معايير يُصبح حب الحق وبُغض الباطل ذنباً لا يُغتفر يستدعي الدعاء لصاحبة بالمسامحة؟؟؟؟ من رأى منكم إخساراً للميزان أوضح من هذا فليهدنا له وله منا خالص الدعاء!!!
وإذا أردنا أن نكون أكثر ميوعة وتهاوناً في أمر الله تجاه معاوية واكتفينا بمناقشة الموضوع من الناحية الدنيوية أو السياسية، فنقول بأن انحراف الإمام النسائي عن "السطان الجائر" هو جريمة عظمى تَطعن في علمه وتَسَيُّده لفَنِّهِ في عصره، واستمر ذلك عبر العصور ولدينا في عصرنا الحالي الكثير من النسخ المُطابقة والأفلام المُشابهة. فهل هناك تكريس أوضح من هذا للظلم والاستبداد، وإسكات كل صوتٍ معارضٍ أو مُحتج؟؟؟

إن خسارة الميزان وانقلاب المعايير رأساً على عقب هي إحدى النتائج الحتمية لتفرقة الدين، فيُصبح الحق ما والى الفرقة وخَدَمها سواء أتَوافق مع القرآن والسنة أو خالفهما، وهذا ما يُسمى ب"الهوى" ولذلك سمّاه الله، أي الهوى، إلها يُعبد من دونه، لأنه يُشرع لنفسه ولا مُشَرِّعَ إلا الله.. "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا"، وبالتالي فهو الضلال البعيد والخسران المبين، وما وضعنا وحالنا من ذاك ببعيد..

وكعادة الحكام الظلمة والمُستبدين من فرعون موسى إلى فراعنة العصر مروراً بفرعون أمة محمد عليه وآله السلام، عند عجزهم عن إستمالة الصوت المعارض الداعي إلى الحق والصراط المستقيم، أو عجزهم عن إسكاته، تأتي الخطوة الأخيرة وهي التخلص منه إلى الأبد، أليس ذاك ما عشناه ونعايشه يومياً منذ وعينا على هذه الدنيا؟؟ فتعالوا لنعود إلى الإمام النسائي وكيف كانت نهايته المؤلمة والمؤسفة والمُخزية في حق أمّة ادَّعت ولا تزال تَدَّعي أنها المقصودة بخير الأمم لمجرد قولها "لا إله إلا الله" ولمّا يَدخل الإيمان في قلبها..

يروي المؤرخون أن النسائي خرج من مصر إلى دمشق والمُنْحَرِفْ بها عن عليّ كثير، فصنف كتاب خصائص الإمام عليّ رجاء أن يهديهم الله عز وجل، فَسُئِلَ عن فضائل معاوية فقال: أي شيء أُخَرِّجْ؟! ما أعرف له من فضيلة إلاّ حديث: لا أشبَعَ الله بَطنَه!، وفي رواية: لا يرضى رأساً برأس حتى يُفَضَّل؟ فضربوه في الجامع على خصيتيه وداسوه حتى أُخرِج من الجامع، ثمّ حُمل إلى الرملة فمات، وفي رواية أخرى إلى مكة فمات فيها.
(تذكرة الحفاظ للذهبي ص699 ووفيات الأعيان لابن خلكان ج1 ص77 والمقفى الكبير للمقريزي ج1 ص402 والبداية والنهاية لابن كثير ج11 ص124، وغيرها كثير وكثير)

لا يُمكن لذي قلب سليم مهما كان دينه أومذهبه أو طائفته أن يُبرر هذه الوحشية وهذا الاستعباد في عالم الإنسانية، فما بالك في إطار دين محمد عليه وآله السلام!!
إن السلطة هي التي تُحدِّد الحقل المعرفي والإيديولوجي للفرقة أو الطائفة، وبالتالي يُصبح المعيار قائماً على مدى ولاء الشخص وانصهاره في هذه البوتقة، لا بناءً على ولائه للحق واتباعه، ومن هنا تم التأسيس للنظام الاستبدادي في العالم الإسلامي واستمر عبر العصور مع شذوذ قليل بين الحين والآخر، لحكام عدلوا أو حاولوا أن يعدلوا فكان مصيرهم القتل والاغتيال أو العزل والانقلاب، والتاريخ والواقع ثريّ بهذه النماذج والأمثلة.
ولما سبق وأن وضحنا كيف أن محاولة طمس الحق وإظهار الباطل لا بد أن يقود صاحبه إلى التناقض الصارخ والضلال المبين، نرى في الكثير من التراجم لأقطاب المُحدثين الذين يحملون في قلوبهم حباً للإمام عليّ، قَلَّ أو كَثُرْ، نرى في هذه التراجم ما يتناقض مع كلام الله، ويَجمَعُ ما لا يُمكنُ جَمعُه، مثل قولهم عن بعض المُحدثين: مُحدثٌ ثقة صدوق، رافضي خبيث!!!
كيف يُمكن أن يَجتمع الطيب والخبيث في الشخص نفسه والله سبحانه وتعالى يفرق بينها بصورة لا يُمكن معها التأويل أو التفسير:
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً "كَلِمَةً طَيِّبَةً" كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ "أَصْلُهَا ثَابِتٌ" وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء @ تُؤْتِي أُكُلَهَا "كُلَّ حِينٍ" بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)
"وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ"

فأذا أردنا أن نُقيِّمَ هذا المُحدث بكتاب الله وكلامه أين يُمكننا تصنيفه؟ ضمن خانة الشجرة الطيبة "ثابتة الأصل" أم في خانة الشجرة الخبيثة التي "ليس لها قرار"!!!؟؟؟ لأن الاجتماع مستحيل والآية واضحة.....
فماذا ننتظر بربكم من أمة بوصلتها التناقض ومعيارها الهوى سوى الذُل والمَهانة والوَهن.
وختاماً أقول لسنا بالأمة التي يقصدها الله ورسوله في كلامهما، لأن المقصود بها كل من قال "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" صلى الله عليه وآله وسلم، ويُخطئ من يعتقد بأن "أهل السنة والجماعة" أو "الشيعة" أو "المتصوفة" أو "المعتزلة" أو.... كل منهم يُشكل الأمة المقصودة، بل تلك فرقٌ مذمومة في القرآن والسنة، وإن هي إلا أسماءٌ سميتموها "أنتم" و"آباؤكم" ما أنزل الله بها من سلطان.

ومَن يعتذر ويُبرر ويُرخص لمعاوية قتل خيّار الصحابة وقتال الإمام الحق، ومحاربة آل بيت النبي ومخالفة الله ورسوله، لا يحقُ له أبداً أن ينتقد أو يعارض ما يقوم به فراعنة اليوم من الحكام الظلمة، لأن الله سبحانه وتعالى لم يُرخص "للأنبياء والرسل" بأن يُزهقوا الأرواح ويطغوا في الأرض ويبغوا فيها الفساد، ناهيك عن الصحابة، فما بالك بالطلقاء!!!
أحمد محمد أبو نزهة
31/5/2014


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.