يحصل أن تشعر النفس أنها وصلت نهاية الخط، و بلغت أرذل مراحل الضعف، وأُغلقت دونها كل السبل، و أوصد في وجهها باب السماء وضاقت عليها الأرض ونُصبت بينها و بين الآخرين سدود منيعة من الرفض و الكراهية، و هي مرحلة عاشها الرسل المؤيدون بالوحي و قوة الله فكيف بعامة البشر و قد وصفها الله في كتابه بالاستيئاس التي لولا الإيمان بوعد الله لوقعت في اليأس، و قطعت الأمل تماما لتعجلها للنصر المادي المعروف في ساح المعركة ،والمنقذ الوحيد من حالة الانهيار التام في هذه المرحلة هو استمرار الامل و العمل حتى آخر غرسة و ضربة بسيف، عندها ووقتها فقط يأتي النصر بعد الزلزلة الشديدة فيكون وقعه كوقع الماء على من تشقق قلبه و جوفه عطشا . إن هذه الفئة التي يتنزل عليها النصر تختلف في نظرتها للأمور و تقييمها للنتائج فليست كل الكبوات فشلا. إن مجرد الانعطافة في حياة المجتمعات من الرضا التام بالخنوع و الذل و الظلم الى رفع الصوت و التفكير و الرفض؛ لهو أحد أشكال النصر و التمكين فكيف إذا زاد على ذلك الوقوف المباشر في وجه الظلم و قبول كل ما يترتب على ذلك من تضحيات من شباب الأمة قبل شيبها؟! إن النقلة التي أحدثتها الأحداث الأخيرة في حياة الأمة هي أعظم ما مر بها بعد سلسلة نكباتها و نكساتها و عقود التدجين و الاستعباد و التيه التي عاشتها . إن خروج الأمة، الشباب تحديدا، من حالة الخوف و الحرص و الركض خلف المكتسبات الدنيوية لمعانقة المعاني النبيلة و المبادئ الجليلة لهو من عظيم الانتصارات و هذا مكسب لا توقفه آلة البطش مهما اشتطت بل تذكي وقوده فيرغب الأب باللحاق بابنه و الصديق بصديقه و الأخت بأختها و الأتباع بقادتهم . إن مشكلة عصرنا كانت في غياب النماذج و القدوات المعاصرة و ضعف اتصال الأجيال الشابة بالتاريخ و السيرة، فجاءت الأحداث الحالية لتطرح بقوة قيادات تجمع بين أصالة الماضي و معاصرة الحاضر، و يظهر في سلوكها تطبيق التنظير، وهذا ما حصل تماما في محاكمة مرشد الإخوان الذي تلقى حكم الإعدام بكل ثبات و قال لهم إن التربية على سنوات من مقولة "و الموت في سبيل الله أسمى أمانينا" جاء زمن تطبيقه و أوان حصاده و إن سنوات الزرع السابقة لم تكن حلما و لا هذيانا و لكنها واقع جميل محبب يتسابق إليه كل من أراد الانضمام إلى سجل الخالدين، و ما هذه إلا منزلة إمامة المستضعفين الذين وعدهم الله بالتمكين لهم "و نريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمة و نجعلهم الوارثين" و ستظل كلمته و موقفه شاهدة له إماما في الحق في زمن السقوط المريع للقيادات و النخب! لقد رافق كل عصور التغيير في كل الثقافات والشعوب قلة العدد و العدة و لكن التغيير كان في النفس و الفهم و الممارسات، و وجود ثلة فدائية ورواحل تنوب عن البقية في صدارة المشهد بظهور محمية من عامة الشعب . تمكين المستضعفين هو سنة إلهية و لكنه مرتبط بمزيد من العمل و الإيمان لا الركون و الرضا بالمظلومية و استمطار السماء دون التوبة عن الخذلان و القعود، فالبدريون بلغوا المدى في بذل كل نفيس فتنزل عليهم الفتح المبين . إن فك الكماشة لا يطبق تماما على هذه الأمة الا بجني يديها، وتجني ذلك إلى أن يأذن الله بنصره. يخاف الأعداء من نصر المفاهيم ،وتقديم القدوات؛ لذا يحاولون تشويهها و كسر عزيمتها بكل الوسائل حتى تسقط من حساب الكرامة و سجل العزة في نفوس الشعوب فيصير بعضهم مثل البلتاجي أن يقول لهم بابتسامة التحدي أنه لم يعد هناك ما يفعلونه لكسر عزيمته فالموت و الحرية عنده سواء هذه النماذج يعلمها الله سبحانه ويسرها كما أخبرتنا الأحاديث بحسن صنيعها، و ما نراه في كثير من الشباب أن تضحيتها لن تقع بإذن الله على آذان صماء و لا قلوب عمياء، فاستبشروا واعملوا.